تسجيل الدخول

الشاعر الذي سبق العربَ إلى أشياءٍ ابتدعها واستحسنتها العربُ واتّبعته فيها الشعراءُ “امرؤ القيس”

واحة الأدب
زاجل نيوز15 أكتوبر 2019آخر تحديث : منذ 5 سنوات
الشاعر الذي سبق العربَ إلى أشياءٍ ابتدعها واستحسنتها العربُ واتّبعته فيها الشعراءُ “امرؤ القيس”

من هو امرؤ القيس

هو الشاعر الجاهلي الشهير امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، تقول الروايات: إنّ امرأ القيس عاش بين عامي 496 و 544 للميلاد، وهو أشهر شعراء العرب، من أضل يمانيٍّ، ولدَ في نجد، وكانَ ابنَ ملكِ أسد وغطفان، ووالدته أختُ المهلهل الشاعر المعروف، جَرى على لسانِهِ الشعرُ وهو غلام، فنهاه أباه عن قول الشعر فلم ينتهِ، فأبعدَهُ أباه إلى حضرموت في اليمن، وهو في العشرين من عمره، وعاش هناك قرابة خمس سنوات، شربَ وطربَ، حتى بلغَهُ مقتلُ أبيهِ على يد بني أسد، فقال قولتَهُ الشهيرة: “رحم الله أبي! ضيعني صغيرًا وحمَّلنِي دمَهُ كبيرًا، لا صحوَ اليومَ، ولا سكرَ غدًا، اليوم خمرٌ وغدًا أمرٌ”، ونهض من غدِهِ فلم يزلْ محاولًا أن يثأرَ لأبيهِ من بني أسد طيلة حياتِهِ.

 أجمل ما كتب امرؤ القيس

 يعدُّ امرؤ القيس أشهر شعراء الجاهلية، وأذيعَهم سِيطًا، وصاحبَ أعظم معلقاتِهِم، وأوّل معلقاتِهم، وهو أوَّلُ من وقفَ واستوقَفَ، وبكى واستبكى، ويظهرُ هذا الوقوف والبكاء جليًّا واضحًا في معلَّقَتِهِ الشهيرة، والتي نظمها على البحر الطويل، وهي قصيدة رومنسية تحوي من الغزل الفاحش الكثير، وهذا الذي اشتهر به امرؤ القيس.

يقول في مطلَعِها:

قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ           بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَومَلِ

 فَتوضِحَ فَالمِقراةِ لَم يَعفُ رَسمُها          لِما نَسَجَتها مِن جَنوبٍ وَشَمأَلِ

تَرى بَعَرَ الآرامِ في عَرَصاتِها                وَقيعانِها كَأَنَّهُ حَبُّ فُلفُلِ

كَأَنّي غَداةَ البَينِ يَومَ تَحَمَّلوا              لَدى سَمُراتِ الحَيِّ ناقِفُ حَنظَلِ

وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطِيّهُم            يَقولونَ لا تَهلِكْ أَسىً وَتَجَمَّلِ

وَإِنَّ شِفائِي عَبرَةٌ مَهَراقَةٌ                  فَهَل عِندَ رَسمٍ دارِسٍ مِن مُعَوَّلِ

 كَدَأبِكَ مِن أُمِّ الحُوَيرِثِ قَبلَهُ                وَجارَتِها أُمِّ الرَبابِ بِمَأسَلِ

فَفاضَت دُموعُ العَينِ مِنّي صَبابَةً          عَلى النَحرِ حَتّى بَلَّ دَمعِيَ مِحمَلي

أَلا رُبَّ يَومٍ لَكَ مِنهُنَّ صالِحٌ                 وَلا سِيَّما يَومٍ بِدارَةِ جُلجُلِ

 وَيَومَ عَقَرتُ لِلعَذارى مَطِيَّتي              فَيا عَجَبًا مِن كورِها المُتَحَمَّلِ

فَظَلَّ العَذارى يَرتَمينَ بِلَحمِهِ               وَشَحمٍ كَهُدّابِ الدِمَقسِ المُفَتَّلِ

وَيَومَ دَخَلتُ الخِدرَ، خِدرَ عُنَيزَةٍ             فَقالَتْ لَكَ الوَيلاتُ إِنَّكَ مُرجِلي

 تَقولُ وَقَد مالَ الغَبيطُ بِنا مَعًا              عَقَرتَ بَعيري يا اِمرَأَ القَيسِ فَاِنزُلِ

ولعلَّ من أجمل ما كتبَ امرؤ القيس أيضًا، قصيدتهُ التي يقف في مطلعِها محييًا الطلل البالي، فيقول:

 أَلا عِمْ صَباحًا أَيُّها الطَلَلُ البالِي            وَهَلْ يَعِمَن مَنْ كانَ فِي العُصُرِ الخَالي؟

 وَهَل يَعِمَنْ إِلّا سَعيدٌ مُخَلَّدٌ                    قَليلُ الهُمومِ ما يَبيتُ بِأَوجالِ؟

 وَهَل يَعِمَن مَنْ كانَ أَحدَثُ عَهدِهِ             ثَلاثينَ شَهرًا في ثَلاثَةِ أَحوالِ؟

 دِيارٌ لِسَلمَى عافِياتٌ بِذي خالِ               أَلَحَّ عَلَيها كُلُّ أَسحَمَ هَطّالِ

 وَتَحسِبُ سَلمى لا نَزالُ كَعَهدِنا             بِوادي الخُزامى أَو عَلى رَسِ أَوعالِ

لَيالِيَ سَلمى إِذ تُريكَ مُنَصَّبًا                وَجِيدًا كَجيدِ الرِئمِ لَيسَ بِمِعطالِ

أَلا زَعَمَتْ بَسباسَةُ اليَومَ أَنَّني              كَبِرتُ وَأَنْ لا يُحسِنَ اللَهوَ أَمثالي

كَذَبتِ لَقَد أَصبى عَلى المَرءِ عِرسُهُ        وَأَمنَعُ عِرسي أَن يُزَنَّ بِها الخالي

 وَيا رُبَّ يَومٍ قَد لَهَوتُ وَلَيلَةٍ                     بِآنِسَةٍ كَأَنَّها خَطُّ تِمثالِ

يُضيءُ الفِراشُ وَجهَها لِضَجيعِهِ               كَمِصباحِ زَيتٍ في قَناديلِ ذَبّالِ

وهو القائل أيضًا واقفًا ومستوقفًا في مطلع مشابهٍ لمطلعِ معلَّقَتِهِ:

قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَعِرفانِ              وَرَسمٍ عَفَت آياتُهُ مُنذُ أَزمانِ

أَتَتْ حُجَجٌ بَعدي عَلَيها فَأَصبَحَت               كَخَطِّ زَبورٍ في مَصاحِفِ رُهبانِ

ذَكَرتُ بِها الحَيَّ الجَميعَ فَهَيَّجَتْ               عَقابيلَ سُقمٍ مِن ضَميرٍ وَأَشجانِ

 فَسَحَّت دُموعِي في الرِداءِ كَأَنَّهُ               كُلًى مِن شُعَيبٍ ذاتُ سَحٍّ وَتَهتانِ

إِذا المَرءُ لَم يَخزُنْ عَلَيهِ لِسانَهُ                 فَلَيسَ عَلى شَيءٍ سِواهُ بِخَزّانِ

فَإِمّا تَرَيني في رِحالَةِ جابِرٍ                      عَلى حَرَجٍ كَالقَرِّ تَخفُقُ أَكفاني

فَيا رُبَّ مَكروبٍ كَرَرتُ وَراءَهُ                       وَعانٍ فَكَكْتُ الغُلَّ عَنهُ فَفَدّاني

وَفِتيانِ صِدقٍ قَد بَعَثتُ بِسُحرَةٍ                  فَقاموا جَميعًا بَينَ عاثٍ وَنَشوانِ

وَخَرقٍ بَعيدٍ قَد قَطَعتُ نِياطَهُ                     عَلى ذاتِ لَوثٍ سَهوَةِ المَشيِ مِذعانِ

وَغَيثٍ كَأَلوانِ الفَنا قَد هَبَطتُهُ                   تَعاوَرُ فيهِ كُلُّ أَوطَفَ حَنّانِ

عَلى هَيكَلٍ يُعطيكَ قَبلَ سُؤالِهِ                 أَفانينَ جَريٍ غَيرَ كَزٍّ وَلا وانِ

حياة امرئ القيس :

لقد شاءتْ الأقدار أنْ تُقسمَ حياةُ امرئ القيس إلى محورين اثنين، متباعدين كلَّ البعد، لكنَّ امرأ القيس استطاع أن يجمع هذين المحورين شعرًا وكلمات، جمع الموت بالحب، والماء بالظمأ، وكانَ الفاصل الأوضح بين المرحلتين الحياتيَّـتينِ التينِ عاشهما امرؤ القيس، هو عبارتُهُ الشهيرة التي قالها بعد مقتلِ والده: “اليوم خمرٌ وغدًا أمر”، ولقد شغلَ امرؤ القيس الناس بشعرِهِ، فقد عاش حياة متناقضة، عاش للحب وطالب بالثأر، وتغرَّب وقاتل، وكتبَ شعرًا لكل مرحلة في حياتِهِ، فبعدَ أنْ أجبرَهُ والدهُ على الرحيل إلى حضرموت، بدأت الحياة عندَه، فعاش لاهيًا، سكيرًا يشرب الخمر ويكتبُ الغزل وينتقل بين البلاد، ممتلئًا بكلِّ أشكال المتعة واللهوِ، إلى أنْ قُتِلَ والدهُ على يد بني أسد، فكانَ موتُ والدِهِ نقطة التحوّل من حياة اللهو والغزل والشراب، إلى حياة الثأر والموت، وهي حياةٌ أعطاها أمرؤ القيس كلَّ طاقتهِ، فلقدْ أصرَّ  على أن يستنفر القبائل لنُصْرته ومساعدته ضدَّ بني أسد؛ ليثأر لدماء والدِهِ، وكانَ له ما أراد، فقد نصرتْهُ قبائل العرب في حربِهِ ضدَّ بني أسد، لكنَّ حربَهُ هذه لم تكنْ كافيةً لتروِّي عطشَه للثأر، إضافة إلى خذلان قبائل العرب له في الحرب تلك، فقرر عندها أن يستعين بملكِ الروم قيصر، فهاجر إلى بلاد الروم، طالبًا العون والمدد، فقام برحلة طويلة من الجزيرة إلى بلاد الشام، ثمَّ إلى تركيا فبيزنطة، مصطحبًا معه في رحلتِهِ عمرو بن قميئة،

 الذي ذكرَهُ امرؤ القيس في قولِهِ:

بكى صاحبِي لمَّا رأى الدَّربَ دونَهُ                      وأيقنَ أنّا لاحقانِ بقيصرا

فقلـتُ لــهُ: لاتـبكِ عـيـنُكَ إنَّـمـا                        نحاولُ مُلكًا أوْ نموتَ فنُعْذرَا

فهذا هو امرؤ القيس الذي حاول ملكًا فلم يسطعْ عليهِ صبرًا، فماتَ وهو طامع بأنْ يُعذرَ في عيون الناس، مات في بلادِ الروم، ودُفنَ في أنقرة، قبل أن يثأر لأبيهِ من بني أسد، لكنَّهُ حاول فعُذِرَ، وعاش الحب والموت والحياة والظمأ، وأهدى أجيالًا بعدَهُ تراثًا أدبيًّا عظيمًا، عُدَّ من أعظم ما وردَنا من الأدب الجاهلي

. صفات امرئ القيس

كانَ امرؤ القيس شاعرًا فحْلًا، قدّم للأدب العربي نتاجًا عظيمًا، توارثتْهُ الأجيال جيلًا بعد جيل، وسيظلُّ عالقًا في ذاكرة الأدب ما دام الأدب العربي عالقًا في عقول الناس، وكانَ امرؤ القيس بحسب الروايات التي وردَتْ عنه، ضالًّا في بداية حياتِهِ حين بعثَهُ والدُه إلى حضرموت، فلم يكنْ امرؤ القيس في مطلعِ حياتِهِ يعطي الملك بالًا ولم يهتمَّ بشهرة السلطة والحكم، بل شغف بالشعر يصوِّر بهِ عواطفَهُ وأحلامَهُ، وبالحياة يقتنص طيِّباتها من الشراب والنساء واللهو، فقد طردهُ أبوهُ وخلعَهُ لمجونِهِ وتهتُّكِهِ ولتشبيبِهِ بنساءِ القبيلةِ وتصدِّيهِ لهنّ، فهامَ الشاعر على وجههِ مع جماعةِ من الصعاليكِ، وكانُوا إذا وجدوا ماءً أقاموا عليه يصطادون وينحرون ويحتسون الخمرة ويلهون، وإضافة إلى هذا وتناقضًا معه، أظهر امرؤ القيس حميَّتَهُ العربية بعد مقتلِ والدِهِ، فأمضى حياتَهُ ساعيًا للثأر من قتلةِ أبيهِ، فهو شاعر جمعَ بين رقّةِ الحبِّ والخمرِ والغزلِ، وخشونةِ الثأرِ الدَّمِ والقتلِ، وصنَّفَهُ النقّاد في الطبقة الأولى منْ فحولِ شعراءِ الجاهليةِ، مع النابغة الذبياني وزهير بن أبي سلمى والأعشى، ونسبَ النُقاد إلى امرئِ القيسِ أوّلياتٍ كثيرةٍ فقالوا:

إنَّه أولُ من وقفَ على الأطلالِ وبكى واستبكى، وقال فيه ابن سلام الجمحي: “سبق العربَ إلى أشياءٍ ابتدعها واستحسنتها العربُ واتّبعته فيها الشعراءُ … “.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.