تمثل الثقافة حزمة الافتراضات غير المدركة، التي تعتنقها جماعة من البشر على نطاق واسع، وتقارب الثقافة في الأغلب، بوصفها تعد نموذجاً إرشادياً وحديثاً، مادة يمكن أن تنتشر عبر العالم، فالثقافة بمعناها العام الأشمل، هي شيء تنفرد به المجتمعات الإنسانية، وترتكز على فكرة وجود طرائق بديلة لفعل وأداء أشياء متشابهة، ويستند هذا المفهوم على فكرة الاختلاف: طرائق مختلفة لإنجاز الأشياء، طرائق مختلفة للارتباط بالعالم، طرائق مختلفة لتنظيم إعادة الإنتاج الاجتماعي.
زاجل نيوز ، ١٧، أيلول، ٢٠٢٢ | مقالات
في كتابه الصادر عن «دار رؤية للنشر والتوزيع» تحت عنوان «مصير الثقافة والتراث الثقافي في عصر الحداثة السائلة» يؤكد سيد فارس أن الثقافة تعد نسقاً مركباً ومتكاملاً للتفكير والسلوك، يشترك فيه أفراد جماعة معينة، نسقاً يتيح لنا نمطه الكلي فهم المعاني التي يلصقها الأفراد بوقائع ومشاهدات معينة.
يشير الكتاب إلى أن الثقافة تشكل كافة مظاهر الحياة الإنسانية وجوانبها، سواء فردية أم جمعية، أم خاصة بالنظم الاجتماعية، ولا تعد العناصر التي تعد بصورة تقليدية قوى بنائية (مثل أشكال الحكومة، أو البناء الطبقي لمجتمع معين) وحدها جزءاً من الثقافة، فحتى سلوكاتنا البيولوجية، تتحول بتأثير الثقافات، وتصبح سلوكات ثقافية بدرجة كبيرة، ويلمح تبني مفهوم عريض وشامل للثقافة على هذا النحو إلى أن كل الظواهر الاجتماعية «ظواهر ثقافية» وكل العلوم الاجتماعية «دراسات ثقافية» بالمعنى الذي تروج له مدرسة برمنجهام البريطانية.
يحاجج علماء وباحثون بأن مضمون مفهوم الثقافة لا يقتصر على ما يقع داخل عقول الأفراد، أو في العلاقات الاجتماعية، ولكن يشمل أيضاً ما يوجد في كافة مظاهر الحياة الاجتماعية، واليوم صارت الثقافة حاضرة بالفعل في كافة مظاهر الحياة الاجتماعية وجوانبها، فمن الممكن شراء الثقافة وبيعها وتصميمها واختراعها وتسويقها وأداء تحقيق دورانها، ونقلها وهجرتها فردياً أو جمعياً، في أشكال مادية أو غير مادية، وأصبحت الثقافة مكوناً أساسياً من أساليب الحياة والعوالم الفنية، والتبادلات السلعية.
يرى الكتاب أن الثقافة صارت في مرحلة الرأسمالية المتأخرة محدداً أساسياً للواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وحتى السيكولوجي، وفي هذا الصدد يقول فريدريك جيمسون: «هناك امتداد هائل وشاسع للثقافة عبر المجال الاجتماعي، لدرجة أن كل شيء في حياتنا الاجتماعية، من القيمة الاقتصادية، وقوة الدولة إلى الممارسات، والبنية المجردة للنفس ذاتها، قد أصبح ثقافياً، يعني ذلك أن المجال الاجتماعي لم يعد منفصلاً عن المجال الثقافي».
تعددية ثقافية
على سبيل المثال لم تعد الطبقة الوسطى الجيدة تتحدد على أساس القوة الاقتصادية أو السياسية؛ بل على أساس استعراض الرموز الثقافية، كما بات من المتعذر فصل الثقافي عن الاقتصادي؛ حيث تتمازج الثقافة والتجارة معاً، ويتضح ذلك بجلاء في الدور المحوري للإعلان في الثقافة المعاصرة.
تعد قضية الثقافة وتراً حساساً، نظراً لارتباطها بقضايا الهوية والخصوصية؛ لذلك باتت الثقافة العمود الفقري الذي ترتبت حوله دراسات الهوية، والكونية والتعددية الثقافية وغيرها من القضايا المثارة حالياً في الدوائر الأكاديمية، كذلك يستخدم مفهوم الثقافة لتفسير أسباب اندماج الأقليات والجماعات المهمشة، بسهولة في المجتمع، وهنا يثور السؤال: لماذا صارت الثقافة على نحو مفاجئ الشكل المحوري للخطاب، وتسلطت مقاربات المفكرين على العولمة الثقافية وتأثيراتها التي تنخر في جسد الثقافات المحلية؟
كما يؤكد الكتاب فإن الثقافة في عالم ما بعد الحداثة تهيمن على الحياة الاجتماعية، ويزعم منظرو ما بعد الحداثة أن الثقافة – نتيجة لتقدم تكنولوجيا الاتصال – أصبحت هي الجانب المهيمن على الحياة الاجتماعية، وتشبع كل جانب من جوانبها، إن زمن التركيز على الجوانب الاقتصادية البحتة قد ولى، وأننا نعيش عصر الثقافة، ومن ثم فإن خطاب الثقافة استعيض عنه بخطاب الاقتصاد.
اليوم – كما يوضح الكتاب – يعمد كثيرون إلى تهميش مفهوم الثقافة وإقصائها، وعلى الرغم من كل ذلك ثمة أسباب أخلاقية وسياسية، تفرض علينا التمسك بمفهوم الثقافة، تتمثل في أنه يوفر لنا الوسيلة الوحيدة، التي نعرفها للحديث عن الاختلافات بين شعوب العالم، وهي اختلافات لا تزال مستمرة متحدية عمليات إضفاء التجانس ومعاول الثقافة الكونية وما بعد الحداثية، التي تنخر في جسد الثقافات المحلية، وللاختلاف الثقافي قيمة أخلاقية وسياسية؛ لذا يتعين علينا تنميته، وجعله التزاماً سياسياً إزاء قوة الثقافة.
زاجل نيوز