استطاعت دولة الإمارات العربية المتحدة عموماً ودبي على وجه الخصوص؛ أن تخرج من عباءة الاقتصاد النفطي نحو اقتصاد متنوّع ومتعدد الأوجه، يسهم فيه النفط بنسبة ضئيلة في الناتج المحلي، ويشهد آفاقاً جديدة وقطاعاتٍ اقتصادية حديثة تتواكب مع متطلّبات العصر، وتنتقل بدبي من مرحلة الاقتصاد التقليدي، إلى اقتصاد المعرفة واستشراف المستقبل عبر مجالات متنوعة وكثيرة، لم تكن مطروقة سابقاً.
هذا ما يرمي إليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، من مبدئه السادس للحكم والحكومة الذي أورده تحت عنوان «لا نعتمد على مصدر واحد للحياة»، فمنذ ثلاثة أعوام قال سموّه: «سنضيف قطاعات اقتصادية جديدة، وسنطور كفاءة وإنتاجية القطاعات الحالية، وسنعدّ أجيالاً تستطيع قيادة اقتصاد وطني مستدام ومتوازن بإذن الله».
وهذا بالفعل ما تمّ تحقيقه على أرض الواقع، فقد انخفضت مساهمة النفط في الناتج المحلي لإمارة دبي بشكل لافت، بينما ارتفعت مساهمة قطاعات أخرى هي التجارة والعقارات والخدمات اللوجستية والمالية، إضافة إلى القطاعات المرتبطة بمجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والذكاء الاصطناعي وصناعات المستقبل، التي برزت كقطاع اقتصادي جديد دخلت معه دبي بقوة إلى عالم المستقبل، ولا سيما بعد اعتمادها على كوادر وأطر محلية 100 % في صناعة الأقمار الاصطناعية.
وقد باتت تجربة دبي في التنويع الاقتصادي محطّ أنظار العالم، ولا سيما بعد الجهود المبذولة من قبل حكومة دبي وإلى جانبها مؤسسات القطاع الخاص المعنية، للانتقال نحو اقتصاد نظيف ومستدام، وتعزيز الاستثمارات الأجنبية، والاستثمار في مجالات التكنولوجيا وابتكار مجالات جديدة ومتنوعة للاستثمار الاقتصادي، الأمر الذي أسهم بخلق فرص عمل جديدة للشباب؛ والحدّ من الآثار البيئية السلبية للصناعات التقليدية.
كما أنّ اعتماد مجالات الاقتصاد المبنية على الابتكار والتقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي، انعكس إيجاباً على توجّهات الشباب في كلّ من التخصّصين الأكاديمي والمهني، لأنّ سوق العمل أصبحت تتطلب مهارات جديدة تتلاءم مع الخط الاستثماري والاقتصادي الحديث.
لم تتوقف دبي يوماً عن إبهار العالم في كلّ ميدان تخوضه، وقد استطاعت أن تبني اقتصاداً متيناً، وأن تحمي نفسها من تبعات انهيار أسعار النفط الذي شهده العالم منذ أعوام، لأنّ دبي سارت على ضوء الرؤية الثاقبة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي وجّه منذ عقود بضرورة تنويع مصادر الناتج المحلي للإمارة، فتحوّلت من الاعتماد على قطاع النفط والغاز -الذي أسهم بنسبة 55 % في الناتج المحلي الإجمالي بداية الثمانينات- إلى اقتصاد متنوّع وشمولي.
حيث تصدّرت دبي المرتبة الرابعة في العالم كأكثر الاقتصادات انفتاحاً على التجارة الدولية، واحتلت المرتبة الأولى خليجياً وعربياً في الانفتاح على التجارة الخارجية، حسب التقرير الاقتصادي لإمارة دبي الذي أطلقته دائرة التنمية الاقتصادية في دبي.
وحسب التقرير نفسه فقد تبوّأت دبي مركزاً متقدماً على خريطة العالم السياحية، حيث بقيت تحتل المركز الرابع من بين المدن الأكثر جذباً للسياح على المستوى العالمي في تصنيف ماستر كارد للمدن الأكثر زيارة في العالم؛ فبلغ إجمالي عدد زوارها أكثر من 15.8 مليون زائر ف17 وبلغ إجمالي إنفاقهم حوالي 109 مليارات درهم.
ومن المتوقّع أن تزداد نسبة مساهمة كلّ من القطاع السياحي والقطاعات المرتبطة بالإنشاء والتعمير والطرق والمواصلات خلال العام الحالي بسبب اقتراب موعد «إكسبو 2020» الذي يَعِد بالمزيد من النموّ الاقتصادي للإمارة.
لقد استطاع العديد من دول العالم خوض تجارب ناجحة في التحرر من الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل، مثل إندونيسيا، والبرازيل، وسنغافورة، وكوريا، التي تحوّلت إلى التنوّع الاقتصادي واستطاعت حماية اقتصاداتها ببراعة، لكنّ تجربة دبي تبقى الأكثر إدهاشاً، ليس لأنها نجحت في ابتكار مصادر جديدة للاقتصاد وخلق فرص عمل تتواكب مع ثورتها الابتكارية والإبداعية فحسب، ولا لأنها تحوّلت إلى مركز جذب عالمي في كلّ من مجالات السياحة والفعاليات والمعارض وصناعة المستقبل.
وإنّما لأنّها وضعت المستقبل نصب عينيها ليكون أمام أبنائها اليوم وليس في الغد. ففي نهاية المطاف كلّ ما تبذله هذا الإمارة الرائدة من جهود يصبّ بهدف واحد هو رفاهية شعبها.