رغم مزج مفهوم الإقتصاد الأخضر مع مفهوم الاقتصاد البيئي واحتكار كلمة “الأخضر” من الأحزاب التي تُدافع عن البيئة، إلا أنّ الاقتصاد الأخضر بمفهومه الدولي قد يُشكل خطة خلاص للاقتصاد اللبناني إذا ما تمّ سنّ القوانين اللازمة.
مفهوم الاقتصاد الاخضر هو مفهوم حديث نسبياً لكنه طرح نفسه بقوة في إطار سياسات التنمية للبلدان المُتطورة إقتصادياً كما والبلدان الناشئة. وقامت دول أجنبية بإدخال الإقتصاد الأخضر ضمن استراتيجياتها الاقتصادية، كما أنّ بعض الدول العربية أخذت هذا المفهوم على محمل الجد وبدأت العمل على إدخاله في سياساتها عبر إيجاد هامش مُشترك بينه وبين التنمية المستدامة، الحدّ من الفقر، وتخفيض المخاطر البيئية.
مُقومات الإقتصاد الأخضر
يُعرّف الإقتصاد الأخضر على أنه النشاط الإقتصادي الذي يهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة مع مراعاة الحدّ من المخاطر البيئية وندرة الموارد البيئية. ونظراً إلى طبيعة تعريفه يرتبط الإقتصاد الأخضر ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد البيئي، لكنه يتميز بتركيزه على التطبيق السياسي أكثر من الاقتصاد البيئي.
وقامت الـUNEP في تقريرها في 2011، بوضع شرط إضافي لتعريف الاقتصاد الأخضر حين تحدثت عن إلزامية “الإنصاف” (Equity) والذي يضمن انتقالاً عادلاً لاقتصاد مع اندفاعات قليلة من الكربون، كفاءة في استهلاك الموارد، وشمولاً اجتماعياً.
وبالتالي، أصبح التحول إلى الاقتصاد الأخضر ضرورة اقتصادية وبيئية ملزمة تُحتم على المسؤولين العمل على وضع التشريعات اللازمة ورسم السياسات الرامية إلى زيادة الاستثمارات في هذا القطاع لإحداث تغيير في واقع النمو والمساهمة في إقامة تطور مُستدام يساهم بدوره بالتخفيف من حدة البطالة والفقر. أمّا غرفة التجارة العالمية فقد عرّفت الإقتصاد الأخضر بالإقتصاد الذي يجتمع فيه النمو الإقتصادي، الإنماء الاجتماعي والمحافظة على البيئة. وهذا التعريف يحوي في طيّاته كل المفاهيم الاقتصادية اللازمة لاقتصاد عصري يؤمن نمواً مستداماً ويسمح بترك بيئة نظيفة للأجيال المُستقبلية.
وهذا يعني أنه يتوجب على المسؤولين فتح الأسواق للتنافسية، قياس الإقتصاد وتداعياته على البيئة، الإستثمار، إستخدام كفوء للموارد الطبيعية، خلق فرص عمل، الحوكمة الرشيدة، وسنّ قوانين متطورة.
الحروب ونمط المعيشة، أعداء النمو
إنّ ما يشهده لبنان والعالم العربي اليوم من تراجع في الظروف البيئية والسكانية نتيجة الحروب ونمط المعيشة اللذين يقضيان على مقومات الإقتصاد ويؤديان إلى تراجع في الإنماء البشري والإجتماعي، يفرض على المجتمعات (مسؤولين، شركات، أفراد…) اعتناق ثقافة الاقتصاد الأخضر.
هذه الإلزامية تأتي من مبدأ أن الإقتصاد الأخضر يتميز بالتقييم المباشر لرأس المال الطبيعي والخدمات البيئية واللذين يتآكلان نتيجة الحروب ونمط المعيشة في العالم العربي.
وبنظرة إلى البيانات التاريخية نرى أن المناطق العربية أجمع تتصحّر مع الوقت. وقد أثبتت الدراسات أنه في خلال الـ50 عاماً الماضية، زادت نسبة التصحر 3 أضعاف ما كانت عليه قبل 50 عاماً. وهذا يعني أنّ نمط المعيشة الذي يعتمده سكان العالم العربي وسكان العالم بشكل أوسع يتضارب مع ما تستطيع أن تُقدمه الطبيعة من موارد أولية واستيعاب مخلفات الاستهلاك المُفرط في كل شيء تقريباً.
التوعية أساس
إنّ الوصول إلى اقتصاد أخضر يتطلب تعاوناً بين القطاعين العام والخاص. وهذا التعاون يشمل على سبيل الذكر لا الحصر التشريعات، توجيه الاستثمار نحو الصناعات والتكنولوجيا الخضراء، العمل على تعزيز الوعي حول أهمية البيئة المستدامة في تعزيز سمعة الشركات ورفع إنتاجيتها وتشجيعها على الالتزام بمسؤوليتها الاجتماعية.
فعلى سبيل المثال، إنّ التدوير في النفايات يسدّ 3 حاجات أساسية في المجتمعات الإنسانية: أولاً يُقلل من نسبة الفقر المعروف بآفة المجتمعات وذلك بحكم أنّ من يعمل في هذا القطاع هم من الأشخاص الذين لا يمتلكون قدرات علمية عالية أي الطبقة الفقيرة في الإجمال.
ثانياً إنّ عملية التدوير تُقلل الكلفة على الصناعات وخصوصاً أنّ المواد المُدوّرة تُباع بسعر أقل من سعر المواد الأولية وبالتالي فإنها تؤمن ربحاً إضافياً للشركات.
ثالثاً إنّ التدوير يُخفف من الضرر على البيئة ويسمح بتفادي خسارة الثروة الشجرية التي هي أساسية للإنسان. فتدوير الأوراق مثلاً يسمح بتوفير عشرات الأطنان من الخشب الآتي من الأشجار وبالتالي يسمح بالحفاظ على بيئة خضراء.
أين لبنان من خريطة الاقتصاد الأخضر؟
رغم أنّ مصرف لبنان قد أدرك أهمية تعزيز دور الإقتصاد الأخضر في الارتقاء بالاقتصاد الوطني وقام بتحفيز المصارف على منح بعض أنواع القروض بفوائد مخفضة لتمويل مشاريع جديدة صديقة للبيئة، إلا أنّ ثقافة الاقتصاد الأخضر لم ترتق بالشكل المطلوب حتى الآن وخصوصاً على الصعيد التشريعي.
يملك لبنان الكثير من المقومات التي تسمح له بالإستثمار في الاقتصاد الأخضر إن لجهة الموارد الطبيعية أو البشرية، وهي المقومات متى استُحسِنَ الاستفادة منها، ساهمت بالنهوض باقتصاد لبنان ومجابهة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية.
كيف ذلك؟ الجواب هو عبر مجموعة من الإجراءات معظمها تشريعية، مالية، وإدارية. لذلك يجب أن تسنّ القوانين التشريعية التي تسمح بتشجيع الاقتصاد الأخضر، مثل قوانين ضريبية لإعفاء الإستثمار في الاقتصاد الأخضر.
فمثلاً على سبيل المثال، يُعاني قطاع الكهرباء في لبنان عجزاً هائلاً ساهم في نصف مديونية الدولة اللبنانية. هذا الأمر يُمكن إيقافه عبر تشجيع الطاقة الشمسية التي تشمل إنتاج الكهرباء على صعيد كل منزل تُؤمن أقله المياه الدافئة، والإنارة.
وإذا ما شجعنا هذا الأمر، فقد نصل إلى مرحلة الاستغناء عن كهرباء لبنان بالكامل في ظرف 10 سنوات إلى 15. أيضاً يُمكن ذكر الإعفاء الضريبي للصناعات التي تستخدم تكنولوجيا خضراء، ما يسمح بزيادة إنتاجية هذه المصانع، وزيادة الناتج المحلّي الإجمالي مع المحافظة على البيئة. وهذا الأمر سيجلب بالطبع الإستثمارات التي تُعتبر عصب الاقتصاد في الإجمال.
كما أنّ الإستخدام الكفوء للموارد الطبيعية عبر تقليص التلوث، يسمح باستدامة النمو والبيئة ويضمن مستقبلاً واعداً للأجيال القادمة التي من المحتمل أن تتخلى في يوم من الأيام عن الطاقة الأحفورية مصدر النزاعات والصراعات الدولية. وتأتي الحوكمة الرشيدة لتلعب دور المُفعّل لكل هذه العوامل، ما يسمح بخلق كفاءة إقتصادية كبيرة مع الحفاظ على بيئة نظيفة. كما يُمكن ذكر القوانين التي تطال التنظيم المُدني، والنقل الأخضر نظراً للاستهلاك المُفرط في الطاقة للنقل الكلاسيكي…
في الختام، يمكن القول انّ المطلوب هو رفع وَعي مجتمع الأعمال والمستهلكين بأهمية الممارسات المستدامة وضرورة تطبيقها انطلاقاً من أهمية الدور الذي تلعبه الاستدامة في نمو الأمم وتطورها. وهذا الأمر يُشكل باب خلاص للاقتصاد اللبناني في وقت تعجز فيه المبادرات الإقتصادية المركزية عن القيام بنهوض إقتصادي.
الإقتصاد الأخضر باب خلاص للبنان
رابط مختصر
المصدر : https://zajelnews.net/?p=451