لن تكون هناك إجابات سريعة عما حدث لرحلة مصر للطيران رقم 804 استناداً إلى بعض أجزاء الحطام الأولية التي عُثِر عليها، والتي اشتملت على مقاعد وبعض أجزاء هيكل الطائرة.
فبحسب صحيفة دايلي بيست الأميركية؛ تتطلب عملية البحث تحت الماء مُعِدات وفرقاً متخصصة، وقد يستغرق الأمر أكثر من أسبوع لجمعها والوصول إلى المنطقة التي شهدت سقوط الطائرة، والتي تبعد نحو 180 ميلاً إلى شمال مدينة الأسكندرية المصرية.
مرة أخرى؛ ها نحن نشهد الفشل المؤسف في الإمداد بطائرات حديثة تشمل تكنولوجيا حديثة للطوارئ، فعمليات البحث البحرية عن الطائرات مثل طائرة مصر للطيران من طراز إيرباص A320 تقوم على مُعدات يعود تاريخها إلى ستينيات القرت الماضي.
طريقة البحث عن الطائرة
فالطريقة الوحيدة لتحديد موقع حطام الطائرة الغارق بقاع البحر هي الكشف عن الأصوات التي يرسلها جهاز الإرشاد اللاسلكي إلى مُسجل بيانات الرحلة FDR، (والتي هي في الواقع نبضات فوق صوتية يستحيل الكشف عنها بالأذن البشرية) ولكن جهاز الإرشاد اللاسلكي ذو مدى محدود للغاية، ويمكن لسفينة على سطح المياه الكشف عن تلك الأصوات بشرط أن تكون على مسافة تقل عن ميلٍ واحدٍ من موقع جهاز الإرشاد اللاسلكي، وحتى في هذه الحالة؛ تتعرض الإشارات الصادرة عن الجهاز للتشويش نتيجة للتيارات المائية ودرجة حرارة المياه.
فعندما يستقر الحطام في قاع المياه العميقة – مثلما حدث لبقايا الطائرة 804- فإن أفضل ما يمكن الحصول عليه في نطاق جهاز الإرشاد اللاسلكي المحدد للمواقع يتم عبر استخدام مركبات البحث تحت الماء؛ فتُستخدم في تلك الحالة إما المركبة من طراز ROV التي تعمل عن بعد، أو المركبة ذاتية التحكم تحت الماء من طراز AUV.
وقد يستغرق الأمر أسابيع لإيجاد وتفعيل استخدام تلك المعدات، في حين أن عُمر بطارية جهاز الإرشاد اللاسلكي يمتد فقط 30 يوماً، بدءاً من اللحظة التي تصطدم فيها الطائرة بالماء.
وكانت الحالة الأخيرة الوحيدة التي شهدت عملية كشف ناجح عن حطام طائرة، في غضون العمر الافتراضي لجهاز الإرشاد اللاسلكي، خلال عام 2006؛ عندما خرج قبطان طائرة إيرباص A320 التابعة لشركة الطيران الأرمنية “أرمافيا” عن مسار الطائرة إلى منتجع سوتشي بالبحر الأسود، لتتحطم الطائرة في البحر، ما أسفر عن مقتل 113 شخصاً كانوا على متنها.
ويعزى السبب في ذلك إلى أن موقع حطام الطائرة آنذاك كان يبعد أقل من أربعة أميال من السواحل، وعلى عمق يبلغ 500 متر فقط، لذا كانت الإشارات الصادرة عن جهاز الإرشاد قوية، وتم العثور على حطام الطائرة.
كان ذلك أفضل سيناريو ممكن، وفي مثل تلك الظروف الجيدة نسبياً يتضح كم أن ذلك النظام ليس كافياً لأنواع البحار التي تُعد موقعاً مُعتاداً لحوادث الطائرات، مثلما هو الحال مع البحر الأبيض المتوسط.
تحدٍ من نوعٍ خاص
يقول علماء محيطات إن التضاريس تُعد تحدياً من نوع خاص. فمن الممكن أن يكون حطام الطائرة على هضبة تقع على عمق 10000 قدم. وعلى الرغم من أن تلك المسافة ليست سوى نصف عمق منطقة جنوب المحيط الهندي التي جرى فيها البحث عن رحلة طيران الخطوط الجوية الماليزية رقم MH370، إلا أن قاع بحر المتوسط مليء بالطين والطمي الذي تحركه التيارات المائية ليغطي الجهاز.
ولا تكمن أهمية جهاز الإشارة اللاسلكي في العثور على مسجل بيانات الرحلة فقط، ولكنه أيضاً العنصر الوحيد الذي يقود إلى إيجاد الجزء الرئيسي من الحطام، والذي يُرجَّح أن يكون أكثر قيمة للمحققين من مسجل بيانات الرحلة في حالة الطائرة MS804.
إن تتبع الأقمار الصناعية للرحلة أظهر أن كل شيء كان يعمل بشكل طبيعي إلى أن طرأ فشل كارثي وأنهى عملية الإرسال. وفي هذه الظروف يتوقف عمل مُسجل بيانات الرحلة أيضاً ولا نستطيع الحصول على أي بيانات بشأن إخفاق الإرسال. (لذا فإن مسجل الصوت بقمرة القيادة “CVR” سيكون أكثر قيمة لأنه سيشير بدوره إلى أي خلل قد جرى على متن الطائرة) وبدون البيانات الصادرة عن مُسجل بيانات الرحلة، ستُترك للمُحققين البقايا المادية من حطام الطائرة، وما تكشف عنه تلك البقايا بشأن الطريقة التي تحطمت بها الطائرة.
معدات قديمة للبحث
وكان أولُ ما نبَّه إلى الفجوة المتزايدة بين التطور الذي تشهده طائرات الجيل الجديد، والمعدات القديمة للغاية التي يُستعان بها في حوادث المياه هو الحادث الذي جرى لطائرة الخطوط الجوية الفرنسية رقم 447، جنوب المحيط الأطلسي، عام 2009.
ففي البدء كانت هُناك فجوة واضحة بين القدرة على معرفة مكان سقوط الطائرة على وجه التحديد، وضرورة تحديد موقع الحطام بسرعة. لذا طالب المحققون الفرنسيون بطائرات مجهزة بنظام يلائم التكنولوجيا الحديثة، ويوفر البيانات الأساسية بين الطائرة والأقمار الصناعية، بما في ذلك موقعها الدقيق عند وقوع الحادث.
ولم يتم القيام بأي شيء للاستجابة لتلك المطالب، وبعد 5 سنوات فُقِدت الطائرة الماليزية 370 فوق المحيط الهندي. ولم يتم العثور على الطائرة بعد عامين من فقدانها، ومازال أفضل ما أمكن منظمة الطيران المدني الدولي فعله هو الوعد بتوفير تتبع حقيقي للوقت بحلول عام 2024.
أما انعدام جدوى جهاز الإشارة اللاسلكي مُحدد المواقع؛ فقد كان جرس الإنذار الثاني إبان البحث عن الرحلة رقم 447. فعلى الرغم من العثور على الحطام وجثامين الضحايا عائمة في غضون الثلاثين يوماً الأولى من وقوع الحادث، استغرق الأمر عامين قبل تحديد موقع الجزء الرئيسي من حطام الطائرة وكذلك مسجل البيانات. ولم تكن الإشارات الصادرة عن جهاز الإشارة اللاسلكي فحسب هي ما لم يتم اكتشافه، ولكن أيضاً البحث الذي أجرته غواصة فرنسية باستخدام السونار في الموقع الرئيسي للحطام تحت الماء انتهى دون العثور عليه.
وفيما تقوم شركات الطيران بالتطوير المستمر لأنظمة الترفيه على متنها، لا تظهر مثل هذا الاهتمام أو الحماسة لتطوير الأجهزة القديمة نسبياً والتي تترك الباحثين في مثل هذه اللحظات مكتوفي الأيدي، ناهيك عمّا يسبّبه الأمر من عناء طويل لأولئك الذين يريدون أن يعرفوا سبب موت أحبائهم.