لا يزال لبنان بعد نحو ثلاثة أشهر من إجراء الانتخابات التشريعية بلا حكومة أصيلة قادرة على اتخاذ القرارات الضرورية لتنفيذ الإصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدولي والتي هو بأمسّ الحاجة إليها، فيما الاستحقاق الرئاسي بات هو الآخر مهدداً إذا لم يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل نهاية العهد الحالي في 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
زاجل نيوز، ٩، آب، ٢٠٢٢ | عربي دولي
وبالمحصلة، يعيش لبنان حالة من الشلل والتعطيل ويتجه نحو مراكمة المشاكل فوق المشاكل والتعقيدات فوق التعقيدات التي تواكبها احتجاجات مطلبية وأخرى تطالب بالحقيقة والعدالة في واحدة من أكبر جرائم العصر وهي انفجار مرفأ بيروت، علاوة على الإضرابات التي تشل عمل الإدارات والمرافق العامة ليُشل معها ما تبقى من اقتصاد البلاد، إن كان قد تبقى شيء منه بعد سلسلة الكوارث والانهيارات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية التي زلزلت لبنان في السنوات الأخيرة، وجعلت نحو 80 في المئة من اللبنانيين يرزحون تحت خط الفقر. والأسوأ أنه بدلاً من حاجة اللبنانيين جميعاً إلى التكاتف والتعاون والتوافق فيما بينهم لمواجهة التحديات والعمل على انتشال البلاد من هذه الكوارث والأزمات، تنشغل القوى والمرجعيات السياسية في فيض من المماحكات والحملات الإعلامية التي لا طائل منها، سوى تعميق الأزمات وإدامة معاناة اللبنانيين وأخذ البلاد نحو المجهول.
فتشكيل الحكومة متوقف، كما هي العادة، عند الأسماء والحقائب الوزارية والمحاصصة الطائفية والسياسية، وكأن لبنان يعيش ترف أعلى مراحل الازدهار في تاريخه، فيما الاستحقاق الرئاسي بات أسير المنافسة والكيدية والطموحات الشخصية، وباتت الخشية من عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية أكبر بكثير من إمكانية إنجاز هذا الاستحقاق في موعده، ما يعني دخول البلاد في فراغ دستوري من شأنه أن يقود إلى حالة من الضياع والفوضى لا يمكن التكهن بنتائجها.
كما أن اللبنانيين ينتظرون منذ عامين معرفة الحقيقة في كارثة انفجار مرفأ بيروت وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة، دون جدوى، بعد أن رفض لبنان إجراء تحقيق دولي، واعتمد على قضائه الخاص رفضاً للتدخلات الخارجية، لكن النتيجة أصبحت معروفة للجميع، وهي تجميد الملف بكامله وتعطيل القضاء منذ أشهر.
المؤسف أن هناك من القوى السياسية، على ما يبدو، من يتعمد طي مشروع تشكيل الحكومة والالتفاف على انتخابات الرئاسة، بينما لبنان في مرحلة أحوج ما يكون فيها إلى التكاتف والتعاون لتشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات والاتفاق مع صندوق النقد للحصول على المساعدات التي وعد بها المجتمع الدولي. كما أنه بحاجة إلى انتخاب رئيس جديد يتمتع بالنزاهة والقوة والاعتدال والحرص على عمق لبنان العربي وعدم السماح بأي إساءة للعلاقات اللبنانية العربية، والخليجية منها بالذات.
فالحضن العربي كان دائماً وأبداً مفتوحاً للبنان، لكن على لبنان أن يساعد نفسه أولاً، وأن يوفر المناخ الملائم لحوار إيجابي وأخلاقي يحقق التوافق بين مختلف القوى السياسية في معالجة خلافاتها الداخلية بنوايا صادقة وروح بناءة لاستكمال الاستحقاقات الدستورية ومواجهة الأزمات والتحديات القائمة والعبور بالبلاد إلى بر الأمان.
زاجل نيوز