بعد 15 عامًا، يترقب لبنان الجريح الحكم في قضية اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري.
ويستعد قضاة المحكمة الخاصة في لبنان التي تدعمها الأمم المتحدة، الثلاثاء، للحكم في قضية اتهام 4 من أعضاء حزب الله بالتآمر لاغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، في هجوم عام 2005.
وأدى اغتيال الحريري إلى أسوأ أزمة في لبنان منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين 1975 و1990، مما أدى إلى انسحاب القوات السورية ومهد الطريق لمواجهة بين القوى السياسية المتناحرة على مدى سنوات.
وكان من المتوقع أن تصدر المحكمة التي تتخذ مقرا لها في هولندا- قرارها يوم 7 من الشهر الحالي، لكنها أجلته بسبب انفجار مرفأ بيروت الذي وقع يوم 4 أغسطس الجاري، وأدى إلى سقوط ما لا يقل عن 177 قتيلا وأكثر من 6500 جريح، إضافة إلى دمار هائل في عدد من أحياء المدينة.
وبعد نحو 13 عاما على تأسيسها بموجب مرسوم صادر عن الأمم المتحدة، تنطق المحكمة بحكمها غيابيا بحق المتهمين الأربعة، وهم أعضاء في حزب الله اللبناني، في قضية غيّرت وجه لبنان ودفعت لخروج القوات السورية منه بعد 30 عاما من الوصاية الأمنية والسياسية التي فرضتها دمشق.
وسيحضر نجل رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري جلسة النطق بالحكم المقرر اليوم في لاهاي.
وأعرب الحريري في بيان أصدره في أواخر يوليو الماضي عن أمله في أن يكون صدور الحكم “يوما للحقيقة والعدالة من أجل لبنان”.
وقال: “لم نقطع الأمل يوما بالعدالة الدولية وكشف الحقيقة”، داعيا أنصاره إلى التحلي بالصبر و”تجنب الخوض في الأحكام والمبارزات الكلامية على وسائل التواصل الاجتماعي”.
وتُعد هذه المحكمة، التي من المفترض أن تُطبق القانون الجنائي اللبناني، بحسب موقعها الإلكتروني، “الأولى من نوعها في تناول الإرهاب كجريمة قائمة بذاتها”، وكلفت منذ تأسيسها 600 مليون دولار، دفع لبنان الغارق في أزمة اقتصادية جزءا منها.
وقتل رفيق الحريري يوم 14 فبراير 2005، في تفجير استهدف موكبه مقابل فندق سان جورج العريق وسط بيروت، وأودى بحياة 21 شخصا آخرين، وأصيب فيه 226.
ويتابع: المتهمون الأربعة، وهم سليم عياش وحسن مرعي وحسين عنيسي وأسد صبرا، باتهامات عدة أبرزها “المشاركة في مؤامرة لارتكاب عمل إرهابي، والقتل عمدا، ومحاولة القتل عمدا”.
وأوضح متحدث باسم المحكمة أنه “إذا كان الشخص المدان طليقا وغير حاضر عند تلاوة الحكم والعقوبة، تصدر غرفة الدرجة الأولى مذكرة توقيف بحقه”.
ولا يعني النطق بالحكم أو العقوبة انتهاء عمل المحكمة كونها فتحت قضية أخرى العام الماضي موجهة تهمتي “الإرهاب والقتل” لعياش في ثلاث هجمات أخرى استهدفت سياسيين بين العامين 2004 و2005.
وخلال المحاكمة، قال الادعاء إنه جرى اغتيال الحريري كونه كان يشكل “تهديدا خطيرا” للنفوذ السوري في لبنان، الذي تنخره الانقسامات الطائفية والسياسية وترتبط قواه السياسية بدول خارجية.
ويقر المدعون بأن القضية تعتمد على أدلة “ظرفية”، لكنهم يجدونها مقنعة وتعتمد أساسا على تسجيلات هواتف خلوية قالوا إنها تبين مراقبة المتهمين للحريري منذ استقالته من منصبه عام 2004 وحتى الدقائق الأخيرة قبل التفجير.
ورفض حزب الله تسليم المتهمين، ونفى الاتهامات الموجهة إليهم، مؤكدا عدم اعترافه بالمحكمة، التي يعتبرها “مسيسة”.
وقال الأمين العام للحزب حسن نصر الله قبل أيام إن حزبه سيتعامل مع القرار الذي ستصدره المحكمة “وكأنه لم يصدر”.
وأضاف في كلمة متلفزة في الذكرى السنوية لانتهاء حرب يوليو مع إسرائيل عام 2006 “إذا حُكم على أي من إخواننا بحكم ظالم، كما هو متوقع، نحن متمسكون ببراءة إخواننا”، مؤكدا أن “القرار الذي سيصدر بالنسبة إلينا كأنه لم يصدر، لأن القرار صدر منذ سنوات طويلة”.
وأضاف “بالنسبة لقرار المحكمة الدولية أيا كان، نعتبر أنفسنا غير معنيين”. وحذر من أن “هناك من سيحاول استغلال المحكمة الدولية، لاستهداف المقاومة وحزب الله”، داعيا مناصريه إلى “التحلي بالصبر” في الشارع بعد صدور القرار.
وأُنشئت المحكمة يوم 13 ديسمبر 2005 بناء على طلب قدمته الحكومة اللبنانية إلى الأمم المتحدة. وتوصل لبنان والأمم المتحدة إلى اتفاق بشأن المحكمة جعلته المنظمة الدولية نافذا من خلال إصدار مجلس الأمن الدولي قرارا برقم 1757.
ودخل قانون إنشاء المحكمة حيز التنفيذ يوم 10 يونيو 2007، وعقدت أولى جلساتها العلنية بلاهاي في مارس 2009.
وتضم المحكمة قضاة لبنانيين ودوليين، وليست تابعة للأمم المتحدة ولا جزءا من النظام القضائي اللبناني، غير أنها تقضي بموجب قانون العقوبات اللبناني. وتتألف من 4 أجهزة، هي: الغرف، والادعاء، ومكتب الدفاع، وقلم المحكمة، وفقا لموقعها الإلكتروني.
وثمة ترقب شديد لحكم الثلاثاء، سواء خارج أو داخل لبنان، الذي يعاني أوضاعا متردية للغاية، جراء أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه الحديث واستقطاب سياسي حاد.
كما تتواصل، منذ 17 أكتوبر 2019، احتجاجات شعبية غير مسبوقة ترفع مطالب اقتصادية وسياسية، وأجبرت حكومتين على الاستقالة، وتصرف الأخيرة الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة.