تعدُّد الزوجات ليس بالأمر الجديد تاريخياً، فقد كان معروفاً عند أغلب الحضارات في السابق. وفي الجاهلية كان التعدُّد موجوداً، فكان الرجل يتزوج ما يشاء من النساء؛ بدون قيدٍ أو شرط. وعندما جاء الإسلام؛ لم يمنع التعدُّد في الزيجات، وإنما قنَّنها ووضع لها شروطاً.
ففي البداية حدَّد التعدُّد بأربع نساءٍ فقط، ومنع الجمع بين الأختين، أو البنت وخالتها أو عمتها، أو ابنة اختها أو ابنة أخيها، أو أن تكون إحدى الزوجات أصلاً أو فرعاً للأخرى، فلا يجوز أن يجمع بين الأم وابنتها، أو الجدة وحفيدتها.
أباح الله سبحانه وتعالى التعدُّد لحكمة؛ وقنَّنه لحكمة، وجعل العدل أساس التِّعداد، قال الله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي اليتامى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مثنى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذلك أدنى أَلَّا تَعُولُوا)، فالأصل في الزواج التِّعداد؛ والاستثناء هو الاكتفاء بواحدة، وكان شرط التَّعدُّد هو العدل بين الزوجات، وهو الاستثناء ليكتفي بزوجة واحدة.
وفي آيةٍ أخرى يقول الله عزَّ وجل (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما).
وهذا جَزْمٌ من الحكيم العليم بأنه لن يستطيع الرجل أن يعدل بين نسائه، فكيف أباح التعدُّد واشترط له العدل في موضع؛ ثم يقول في موضعٍ آخر ولن تعدلوا؟ العدل بين النساء المقصود في الآية الكريمة الأولى، هو العدل في الإنفاق وفي المأكل والمشرب والمسكن، فتسكن جميع نسائه في نفس المستوى، فلا تكون إحداهن في حجرة صغيرة؛ وأخرى تتمتَّع بقصرٍ منيف. ويُعطي كلاً منهن نفس المصروف، فلا يُفضِّل واحدةً ويعطيها أكثر من الأخريات.
والمأكل والمشرب على نفس الشاكلة، فلا يأتي لإحداهن بما لذَّ وطاب؛ بينما الأخرى تقتاتُ على البقايا.
أما العدل الذي أجزَمَ الله سبحانه وتعالى أنه لن يتم مهما حرص الزوج على ذلك؛ فهو العدل القلبي وليس العدلُ المادي.
فلا يمكن لأحدٍ أن يعدل في الحبِّ لجميع نسائه، وقد كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أحب زوجات الرسول إلى قلبه.
فحتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستطع أن يعدل في الأمور القلبية، ولكنه عليه الصلاة والسلام كان عادلاً مع نسائه في كل الأمور الأخرى، وهذا الأمر ليس بيده، فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول بعد أن يقسم بين زوجاته (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)، أي القلب، فلا أحد يملك القلوب إلا رب القلوب.
والميل لزوجة يكون على حساب الأخرى، وهذا نوعٌ من الظلم المنبوذ، وهو منهيٌّ عنه في الآية الكريمة السابقة الذِّكر، وقال رسول الله عن ذلك (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل).
فلا يميل نحو واحدة ويترك الأخرى لا يأتيها، فتكون كالمُعلَّقة، أي كالمحبوسة، أو التي لا تُعرف هل هي متزوجة أو غير متزوجة، فهذا ظلمٌ كبيرٌ لها والنهيُ عنه واضح وصريح، أبعدنا الله وإياكم عن الظلم وحمانا منه.