ولا يتوقف الأمر عند الحزن بالبكاء ولطم الصدور، فيما يعرف بـ”اللطميات”، كما يحدث خلال الأيام العشرة الأولى من محرم، التي تنعقد خلالها مجالس العزاء الحسينية كما تسير المواكب، في محاولة لاستذكار واقعة مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب وأنصاره وسبي أهله، عندما توجه إلى الكوفة للمطالبة بالخلافة، نزولا على دعوات من أهل العراق.
فطقوس عاشوراء تشمل تمثيل الحدث أو ما يعرف بـ”التشابيه” فتقام عروض مسرحية تروي أحداث واقعة كربلاء التي حدثت عام 680 ميلادية.
“لا أصل شرعيا”
لكن من الطقوس الأخرى، التي توصف بالدموية ولا يستثنى منها كبير أو صغير، ولا يفرق فيها بين رجل أو امرأة، ضرب الرأس بأدوات حادة والكتفين بسلاسل حديدية، فيما يعرف بـ”التطبير”، الذي يشجعه بعض “قراء العزاء” ويبتدعون من أجله شتى الطرق لترويج أنفسهم وأحزابهم الطائفية لأغراض دعائية وسياسية، بحسب ما يقول المرجع الشيعي اللبناني علي الأمين.
و”قراء العزاء” هم الذين يذهبون إلى القرى والأرياف خلال شهري محرم وصفر من كل عام لإقامة مجالس التعزية، لكنهم غالبا ما يكونون من ذوي الثقافة البسيطة.
ورغم عدم التزامهم كثيرا بالحقائق التاريخية والعلمية، فهم قادرون على إثارة عواطف المستمعين إليهم وحماسهم عن طريق قراءة بعض القصص عن واقعة كربلاء.
ويقول الأمين لموقع “سكاي نيوز عربية” إن الكثير من الممارسات التي تجري في مناسبة عاشوراء أصبحت على مرور الزمن من العادات والتقاليد التي لا دليل عليها في أصل الشرع، ولم يمارسها أئمة أهل البيت في حياتهم”.
إدماء الرؤوس والأجساد
وأضاف: “كان في عهد الأئمة سيوف وسلاسل من حديد، لكنهم لم يضربوا بها رؤوسهم ولا رؤوس أطفالهم، ولم تفعل ذلك نساؤهم، ولم يُدْمُوا أجسادهم، وكانت لديهم الأيدي ليلطموا بها صدورهم وجباههم، ولم يسيروا على النار، إنهم أصحاب المصيبة ولم يفعلوا شيئا من تلك الأمور التي تجري اليوم”.
وألقى الأمين باللوم على ما وصفه بـ”صمت وعدم جرأة” المرجعيات الدينية خوفا من الإهانة والضرر، في انتشار مثل هذه الطقوس التي قال إنها “خليط من عادات وممارسات شعوب من غير المسلمين انتقلت إلى بعض مجتمعاتنا”.
ويختلف علماء الشيعة أنفسهم على شرعية هذا النوع من الطقوس، لكن المرجع الأمين كان حاسما في عدم شرعيتها، بقوله: “ما يفعله بعض عوام الشيعة في لبنان والعراق وإيران من لبس الأكفان، وضرب الرؤوس والجباه بالسيوف في اليوم العاشر من محرم، عادة مشينة وبدعة في الدين والمذهب، وقد أحدثها لأنفسهم أهل الجهالة من دون أن يأذن بها إمام أو عالم كبير”.
وأضاف: “لا شك في أن التبرع بوحدة دم لإنقاذ إنسان هي الأقرب لله تعالى من إراقتها في الشوارع والطرقات باسم الحزن على الحسين، ولا قيمة لدمع يذرف عليه إذا لم يغسل الأحقاد في الصدور ويزيل ما علق من الأدران في النفوس”.
استغلال سياسي
وبدأ شهر محرم في العراق بانتقادات حادة لمجالس عزاء فاخرة محسوبة على سياسيين عراقيين، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمات متعددة.
وقارن مغردون عراقيون بين السبحة الذهبية التي كان يحملها زعيم ائتلاف دولة القانون، رئيس الحكومة السابق، نوري المالكي، في مجلسه الحسيني، وبين صورة لطفل مشرد ينام أسفل لافتة كبيرة عن ذكرى عاشوراء.
ويعلق الأمين قائلا: “مع الأسف، تحولت مناسبة عاشوراء في بعض البلدان بفعل تخلي المرجعية الدينية عن إدارتها، وتركها لسيطرة الأحزاب والميليشيات على مجالسها، إلى مناسبة للتعبئة الحزبية والترويج للمواقف السياسية”.
وأوضح الأمين أن استغلال كربلاء والحسين وصل “إلى التدخل في الحرب والقتال تحت شعارات مذهبية، كما فعلت تلك الميليشيات والأحزاب في تدخلها للقتال على الأراضي السورية”.
وأشار الأمين إلى تصريح سابق لأمين عام ميليشيات حزب الله اللبنانية، حسن نصر الله، عندما قال، إن “من يترك القتال منا في سوريا هو كمن يترك الإمام الحسين ليلة عاشوراء”، وذلك في محاولة لتعبئة الأنصار وتبرير تدخلاته في سوريا.
وأكد الأمين أن “الإمام الحسين بدعوته وبقيمه الدينية ومبادئه الإنسانية غير موجود في ساحات القتال على الأراضي السورية وغيرها، فالقتال هناك صراع على السلطة والنفوذ بين دول وأحزاب، والمظلوم الوحيد في هذه الحروب الدائرة هو الشعب”.