تسجيل الدخول

عمر بن عبد العزيز والشعر

2016-07-27T11:27:45+02:00
2016-07-27T13:34:53+02:00
واحة الأدب
زاجل نيوز27 يوليو 2016آخر تحديث : منذ 8 سنوات
عمر بن عبد العزيز والشعر

عمر_بن_عبد_العزيز
عرف الناس أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز خليفةً عظيماً، وأميراً عادلاً، وعابداً زاهداً، وعالماً فقيهاً
لكن كثيرين لم يلتفتوا إلى مستوى ثقافته الأدبية، وعلمه بالشعر والأدب، وحفظه لعيون القصائد، وقدرته العجيبة على استحضار الشعر والاستشهاد به في وقته، مما يؤكد أنه تلقى ثقافةً مميزةً في صباه وشبابه، وتربى تربيةً متكاملةً، على مختلف صنوف العلم والأدب التي كانت معروفةً في زمانه. كيف لا وهو الخليفة الراشد، وابن أمير مصر، وحفيد الخليفة مروان بن الحكم.
وهذا حادثة طريفة رواها جمعٌ من المؤرخين والأدباء، تشهد لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بعلو كعبه في معرفة الشعر وروايته وحفظه.
قال الكلبي: لما أفضت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز، وقدمت عليه الشعراء كما كانت تقدم على الخلفاء، فأقاموا ببابه أيامَاً، لم يؤذن لهم في الدخول، حتى قدم عدي بن أرطاة – وكانت له منه مكانة – فتعرض له جرير، وسأله أن يستأذن لهم، فقال: يا أمير المؤمنين، الشعراء ببابك لهم أيام لا يؤذن لهم، وأقوالهم نافذة وسهامهم مسمومة، فقال عمر: يا عدي، مالي وللشعراء؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إن النبي صلى الله عليه وسلم مُدِحَ، وأعطَى، وفيه أسوة لكل مسلم، فقال: ومن مدحه؟ قال: العباس بن مرداس السلمي، فكساه حلة، وقال: يا بلال، اقطع لسانه عني، قال: أتروي قوله؟ قال: نعم، قال عمر: قل، فأنشد:
رَأَيتُكَ يا خَيرَ البريةِ كلهَا … بخيرِ كتاب جئتَ بالحَق مُعلِمَا
وقررتَ بالإسلامِ أمراً مدمسَا … وأطفَأْتَ بالبرهانِ جمراً مُضَرَمَا
فَمَنْ مُبلِغٌ عني الرسُولَ محمدا … فكُلُّ امرئٍ يُجزَى بما قد تَكَلَّما
أقمت سَبِيلَ الحَق بعد اعوجاجِهِ … وكان قديماً وَجهُهُ قد تَجَهمَا
تعالَى عُلواً فوق عَرْشِ إلاهنا … وكان جَلالُ اللّه أعْلَى وأعظَمَا
قال عمر: فمن بالباب من الشعراء؟ قال عدي: يا أمير المؤمنين، عمر بن أبي ربيعة القرشي المخزومي، فقال: لا قرَبه اللّه ولا حياه، أليس هو القائل:
أَلاَ لَيْتَ أني حينَ تدنُو منيتي … شَمَمْتُ الذي ما بَين عينيكِ والفَمِ
وباتَت سُلَيمَى في المنامِ ضجيعَتِي … هنالكَ أو في جَنَّةٍ أو جَهَنمِ
فليته عدو اللّه تمناها في الدنيا، ثم رجع إلى العمل الصالح، واللّه لا يدخل علي، فمن بالباب غيره؟ فقال: كثير عزة، قال: أو ليس هو القائل:
رُهبَانُ مَديَنَ والذين عَهِدتهُمْ … يَبْكُونَ من حَذر العذابِ قُعُودا
لو يسمَعُونَ كما سَمِعتُ كلامَهَا … خَرُوا لعزةَ رُكَعاً وسُجُودا
عَد عن ذكره، من بالباب غيره؟ قال: الأحوص الأنصاري، قال: أبعده اللّه وأسحقه، أليس هو القائل، وقد أفسد على رجل جاريته، حتى أَبَقَتْ من سيدها:
أللهُ بَينِي وَبَين سَيدِهَا … يَفِرُّ مِني بِهَا وَأَتْبَعُهُ
لا يدخل علي، من بالباب غيره؟ قال: الفرزدق همام بن غالب التميمي، قال: أليس هو القائل يفتخر بالزنى:
هُمَا دَلَّيَانِي مِن ثمانينَ قَامَة … كَمَا انْقض باز أَقتَمُ الريشِ كاسِرُهْ
فلما استَوَت رِجلايَ في الأرضِ قالتا … أَحَي يُرَجى أم قتيل نُحَاذِرُهْ؟!
لا يدخل علي، من بالباب غيره؟ قال عدي: الأخطل التغلبي، قال: هو الكافر والقائل:
وَلَستُ بصائم رمَضَانَ عمري … ولَستُ بآكِل لَحمَ الأضاحي
ولست بزَاجِرٍ جَمَلا بكوراً … إلى بطحاءِ مكة للنجاحِ
ولستُ بِقَائِمٍ كَالعَيرِ يدعُو … قُبَيل الصبْحِ: حَي عَلَى الفَلاحِ
ولكني سأشرَبُهَا شمولاَ … وأسجُدُ عند مبتلجِ الصباحِ
والله لا وطئ لي بساطاً، من بالباب غيره؟ قال عدي: جرير بن عطية الخطفي، قال: هو القائل:
لولا مراقبَةُ العيونِ أَرَيْنَنَا … حِدَقَ المَهَا وَسَوالِفَ الآرامِ
طَرَقَتْكَ صائدَةُ القلوبِ ولَيسَ ذا … وَقْتُ الزيارة فارْجِعِي بسَلامِ
فإن كان ولا بد، فائذن لجرير، فخرج عدي فأذن له، فدخل وهو يقول:
وَسِعَ الخلائِقَ عَدْلُهُ ووقارُهُ … حتَى ارعَوَى وأقامَ مَيْلَ المائِلِ
إِني لأَرجُو مِنْكَ خَيراً عاجلا … فالنفْسُ مُولَعَةٌ بحُب العاجِلِ
فلما حضر بين يديه، قال له: اتق اللّه ولا تقل إلا حقاً، فقال:
كَم باليمامة مِن شعثاءَ أرملةٍ … ومِنْ ضعيفٍ سقيمِ الصوتِ والنَظَرِ
مِمنْ يَعُدُكَ تكفي فَقْدَ والدِهِ … كالفَرْخِ في العُشِّ لم يدرجْ ولم يَطِرِ
إنا لنَرْجُو إذا ما الغيْثُ أخلَفَنَا … مِنَ الخليفةِ ما نَرْجُو من المَطَرِ
نَالَ الخلافَةَ إذْ كانَتْ له قَدَرَاً … كما أتى رَبهُ موسَى على قَدَرِ
هذي الأرامِلُ قد قضيْتَ حاجتها … فَمَنْ لحاجةِ هذا الأَرْمَلِ الذَّكَرِ؟

وهي طويلة، فقال: واللّه يا جرير، ما ملك عمر سوى مائة درهم، يا غلام، ادفعها له، ودفع له حلي سيفه، فخرج جرير إلى الشعراء، فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما يسوءكم، رجل يعطي الفقراء، ويمنع الشعراء، وأنا عنه راض، وأنشأ يقول:
رَأَيْتُ رُقَى الشيْطَانِ لا تستفزهُ … وقد كَانَ شَيْطَانِي مِنَ الجِن رَاقيا

وهكذا نجد أن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ضي الله عنه كان يحفظ من شعر كل شاعر من هؤلاء
الفحول ما يقيم به الحجة على منعه من المثول بين يديه، والتزلف إليه بالشعر. فقد ادرك عمر ببصيرته أن هؤلاء الشعراء مستعدون للمديح والكذب في سبيل الحصول على الأعطيات والجوائز كما كانوا يفعلون في عهد من سبقه من الخلفاء، ولما كان غير راضٍ بإضاعة أموال المسلمين في هذا الباطل منع الشعراء من الدخول عليه، بهذه الحجة الواضحة القوية.

منقول

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.