تسجيل الدخول

شعر أن نيته كانت الجاه والشهرة فبدأ صفحة جديدة.. هكذا تكلم أبو حامد الغزالي

واحة الأدب
زاجل نيوز26 نوفمبر 2016آخر تحديث : منذ 7 سنوات
شعر أن نيته كانت الجاه والشهرة فبدأ صفحة جديدة.. هكذا تكلم أبو حامد الغزالي
n-al-ghazali-large570_880976_large

أصبح الرجل ذات يوم وقد أصابه الشك في مساره، شعر بالضياع في الدنيا وظن الهلاك في الآخرة، فمضى في رحلة بحث عن الحق استغرقت 11 عاما وكتب فيها كتابا ظل بعدها نحو ألف عام مرجعا للباحثين عن الحق وصفاء الروح، وتلقاه المسلمون بالقبول على امتداد طيفهم من السلفية إلى الصوفية.. هل تعرفت على أبي حامد الغزالي؟؟ هنا رحلة إلى عالمه وحكايته بأقواله هو.

الملقب بحجة الإسلام ومفتي الأمة وإمام أئمة الدين، هو الطوسي النيسابوري الصوفي الشافعي أبوحامد محمد الغزّالي الذي يعد مجدّد علوم الدين الإسلامي في القرن الخامس الهجري (450 هـ – 505 هـ / 1058م – 1111م) ويكنى بأبوحامد لولد له مات صغيراً، يقال إن لقبه “الغزّالي” نسبةً إلى صناعة الغزل التي كان يعمل بها أبوه، ويقال إنها نسبة إلى بلدة غزالة من قرى طوس (مدينة مشهد بخراسان شمال شرق إيران الحالية)، وقد اختلف الباحثون في اعتباره عربياً أم فارسياً.

كان أبوحامد أصولياً وفقيهاً على المذهب الشافعي وأشعرياً في الاعتقاد، وترك أثراً هائلاً في الفلسفة والفقه الشافعي وعلم الكلام الأشعري والتصوف والتزكية والسلوك والمنطق.

نشأته ورحلته

ولد محمد أبوحامد الغزالي في طوس ورحل بعدها لنيسابور ليدرس على إمام الحرمين أبوالمعالي الجويني، ولما بلغ منتصف الثلاثينات رحل إلى بغداد ليعمل بالتدريس في المدرسة النظامية بأمر الوزير السلجوقي نظام الملك فذاع صيته، وبعد سنوات من التدريس والتعليم اعتزل الناس وتفرغ للعبادة والتأمل وتربية نفسه.

ثم لاحظت أحوالي، فإذا أنا منغمس في العلائق، وقد أحدقت بي من الجوانب، ولاحظت أعمالي – وأحسنها التدريس والتعليم – فإذا أنا فيها مقبل على علوم غير مهمة، ولا نافعة في طريق الآخرة. ثم تفكرت في نيتي في التدريس، فإذا هي غير خالصة لوجه الله تعالى، بل باعثها ومحركها طلب الجاه وانتشار الصيت، فتيقنت أني على شفا جرف هار، وأني قد أشفيت على النار، إن لم أشتغل بتلافي الأحوال.. فلم أزل أتردد بين تجاذب شهوات الدنيا، ودواعي الآخرة، قريباً من 6 أشهر أولها رجب 488 هـ.

وفي هذا الشهر جاوز الأمر حد الاختيار إلى الاضطرار، إذ أقفل الله على لساني حتى اعتقل عن التدريس، فكنت أجاهد نفسي أن أدرس يوماً واحداً تطييباً للقلوب المختلفة إليّ، فكان لا ينطق لساني بكلمة واحدة ولا أستطيعها البتة. ثم لما أحسست بعجزي، وسقط بالكلية اختياري، التجأت إلى الله التجاء المضطر الذي لا حيلة له، فأجابني الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وسهّل على قلبي الإعراض عن الجاه والمال والأهل والولد والأصحاب

وطاف في رحلته المشهورة التي دونها في كتابه “المنقذ من الضلال” لمدة 11 عاماً بين دمشق والقدس والخليل ومكة والمدينة المنورة كتب خلالها مؤلفه الأهم إحياء علوم الدين دون فيه تجربته الروحية ووضع معالم مدرسته الإيمانية قبل أن يعود إلى مسقط رأسه طوس؛ قال الغزالي عن رحلته وخلوته التي تنقل فيها بين الفلاسفة والمتكلمين والصوفية والباطنية حتى استقر منهجه على التصوف بعد خروجه من الشك إلى اليقين حتى انفتح له نور روحاني اكتشف به الطريق إلى الله واليقين:

فأعضل الداء، ودام قريباً من شهرين، أنا فيهما على مذهب السفسطة بحكم الحال، لا بحكم النطق والمقال. حتى شفى الله تعالى من ذلك المرض، وعادت النفس إلى الصحة والاعتدال، ورجعت الضروريات العقلية مقبولة موثوقاً بها على أمن ويقين، ولم يكن ذلك بنظم دليل وترتيب كلام، بل بنور قذفه الله تعالى في الصدر وذلك النور هو مفتاح أكثر المعارف، فمن ظن أن الكشف موقوف على الأدلة المحررة فقد ضيق رحمة الله تعالى الواسعة. ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم، عن “الشرح” ومعناه في قوله تعالى: “فمن يرد الله أن يهديهُ يشرح صدرهُ للإسلام”، قال: “هو نور يقذفهُ الله تعالى في القلبِ”. فقيل: وما علامته؟ قال: “التجافي عن دار الغُرُورِ، والإنابة إلى دارِ الخُلُود”. وهو الذي قال صلى الله عليه وسلم فيه: “إن الله تعالى خلق الخلقَ في ظُلْمةٍ، ثم رشَّ عليهمْ من نُورهِ”، فمن ذلك النور ينبغي أن يطلب الكشف.. ولما شفاني الله من هذا المرض بفضله وسعة جوده، أحضرت أصناف الطالبين عندي في أربع فرق:

1 – المتكلمون: وهم يدعون أنهم أهل الرأي والنظر.

2 – الباطنية: وهم يزعمون أنهم أصحاب التعليم، والمخصوصون بالاقتباس من الإمام المعصوم.

3 – الفلاسفة: وهم يزعمون أنهم أهل المنطق والبرهان.

4 – الصوفية: وهم يدعون أنهم خواص الحضرة، وأهل المشاهدة والمكاشفة فقلت في نفسي: الحق لا يعدو هذه الأصناف الأربعة، فهؤلاء هم السالكون سبل طلب الحق، فإن شذَّ الحق عنهم، فلا يبقى في درك الحق مطمع، إذ لا مطمع في الرجوع إلى التقليد بعد مفارقته، إذ من شرط بالمقلد أن لا يعلم أنه مقلد، فإذا علم ذلك انكسرت زجاجة تقليده، وهو شعب لا يرأب وشعث لا يلم بالتلفيق والتأليف، إلا أن يذاب بالنار، ويستأنف له صنعة أخرى مستجدة.

أفكاره ومقولاته

يمدح الغزالي المنطق ويذم الفلسفة، فيقول عن المنطق في كتابه القسطاس المستقيم “

ولا أدعي أني أزن بها – يعني قوانين المنطق – المعارف الدينية فقط، بل أزن بها العلوم الحسابية، والهندسية، والطبيعية، والفقهية، والكلامية، وكل علم حقيقي غير وضعي فإني أميز حقه عن باطله بهذه الموازين، وكيف لا وهو القسطاس المستقيم

(القسطاس المستقيم، ص188).

لكنه في الفلسفة يرى أن من المستحيل تطبيق قوانين الجزء المرئي من الإنسان لفهم طبيعة الجزء المعنوي وعليه فإن الوسيلة المثلى لفهم الجانب الروحي يجب أن تتم بوسائل غير فيزيائية، يشرح الغزالي منهجه في العقل والنقل فيقول:

الداعي إلى محض التقليد مع عزل العقل بالكلية جاهل، والمكتفي بمجرد العقل عن أنوار القرآن والسنة مغرور، فإياك أن تكون من أحد الفريقين وكن جامعاً بين الأصلين، فإن العلوم العقلية كالأغذية والعلوم الشرعية كالأدوية والشخص المريض يستضر بالغذاء متى فاته الدواء، فكذلك أمراض القلوب لا يمكن علاجها إلا بالأدوية المستفادة من الشريعة وهي وظائف العبادات والأعمال التي ركبها الأنبياء صلوات الله عليهم لإصلاح القلوب، فمن لا يداوي قلبه المريض بمعالجات العبادة الشرعية واكتفى بالعلوم العقلية استضر بها كما يستضر المريض بالغذاء. وظن من يظن أن العلوم العقلية مناقضة للعلوم الشرعية وأن الجمع بينهما غير ممكن هو ظن صادر عن عمى في عين البصيرة نعوذ بالله منه، بل هذا القائل ربما يناقض عنده بعض العلوم الشرعية لبعض فيعجز عن الجمع بينهما. فيظن أنه تناقض في الدين، فيتحير به فينسل من الدين انسلال الشعرة من العجين. وإنما ذلك لأن عجزه في نفسه خيل إليه نقصاً في الدين وهيهات”.

– أبوحامد الغزالي – Al-Ghazali، إحياء علوم الدين

وللغزالي أشعار عدة بعضها مختلف في صحة نسبتها إليه، يقول أبوحامد في إحياء علوم الدين

شَرِبْنا شَرابًا طَيِّبًا عِنْدَ طَيِّبٍ

كَذاكَ شرابُ الطَّيِّبِينَ يَطِيبُ

شَرِبْنا وَأَهْرَقْنا عَلَى الأَرْضِ فَضْلَهُ

وَلِلأَرْضِ مِنْ كأسِ الكِرامِ نَصِيبُ

وفي التزكية والسلوك كتب أبوحامد الغزالي كتباً كثيرة أهمها إحياء علوم الدين.

“اعلم أن مفتاح معرفة الله تعالى هو معرفة النفس، كما قال سبحانه وتعالى: (سَنُريهِم آياتِنا في الآفاقِ وَفي أَنفُسِهِم حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ الحَقُّ). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من عرف نفسه فقد عرف ربه). وليس شيء أقرب إليك من نفسك، فإذا لم تعرف نفسك، فكيف تعرف ربك؟ فإن قلت: إني أعرف نفسي! فإنما تعرف الجسم الظاهر، الذي هو اليد والرجل والرأس والجثة، ولا تعرف ما في باطنك من الأمر الذي به إذا غضبت طلبت الخصومة، وإذا اشتهيت طلبت النكاح، وإذا جعت طلبت الأكل، وإذا عطشت طلبت الشرب”.

– أبوحامد الغزالي – Al-Ghazali، كيمياء السعادة

وفاته وقبره

ينقل ابن الجوزي في تاريخ الملوك فيقول: واتخذ في جواره مدرسة ورباطًا للصوفية وبنى دارًا حسنة وغرس فيها بستانًا وتشاغل بحفظ القران وسمع الصحاح ثم لما حضرته الوفاة سأله بعض أصحابه عن وصيته فقال: عليك بالإخلاص فلم يزل يكررها حتى مات، ويقال إن وفاته كانت يوم الاثنين 14 جمادى الآخرة 505 هـ، الموافق 19 ديسمبر/كانون الأول 1111م، واكتشف حديثاً قبر للإمام الغزالي في طوس (مشهد الإيرانية الحالية) وقد أمر رئيس الوزراء التركي سنة 2009 بإعادة إعماره خلال زيارته لإيران.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.