على الرغم من مرور أكثر من عشرة أشهر على إجراء الانتخابات البرلمانية العراقية، لا توجد شواهد دالة على الخروج من حالة الانسداد السياسي التي وصلت إليها البلاد بعد تعثر التوصل إلى تفاهمات محددة بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، لاسيما بعد النزول إلى الشارع واستخدام القوة المسلحة من الطرفين في مناطق مختلفة والتي نتج عنها سقوط قتلى وجرحى.
زاجل نيوز، ١٦، أيلول، ٢٠٢٢ | عربي دولي
من الواضح حتى الآن أن كل الأبواب باتت موصدة للتوصل إلى حل سياسي بعدما بلغ الخلاف أوجّه بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، ما يشير إلى استمرار المتاهة العراقية.
وهناك مدخلان لفهم استمرار هذه المتاهة. المدخل الأول يتعلق بحال البرلمان العراقي الذي لم يعد معبّراً عن الرأي العام الذي تم انتخابه، بحيث لم يستطع التيار الصدري الذي فاز بالأكثرية أن يشكل حكومة بالتحالف مع أطراف في المكوّنين السني والكردي، بل برزت خلافات فيما بينها بمرور الوقت.
أما المدخل الثاني فيخصّ تركيبة النظام السياسي في العراق في مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، حيث إن الطابع الغالب على الأحزاب السياسية أنها دينية أكثر منها سياسية، نتيجة العلاقة الحاكمة بين رؤساء تلك الأحزاب وقواعدها الحزبية، وهو ما ينطبق على علاقة التيار الصدري بمؤيديه.
المنطقة الخضراء
وكذلك الحال بالنسبة إلى السلاح غير المسيطر عليه من جانب الدولة، على نحو ما هو قائم بالنسبة إلى عناصر منتمية لأحد ميليشيات «الحشد الشعبي»، على نحو ما عكسه مشهد البلاد في 29 أغسطس/ آب الماضي، بعد الاشتباكات في المنطقة الخضراء ومحاصرة حقول النفط في البصرة والناصرية. وكذلك الحال بالنسبة إلى طبيعة النظام السياسي «البرلماني» القائم حالياً الذي لا تشير التجربة إلى صلاحيته للاستمرار في العراق، ما يتطلب التفكير في تغيير دستوري يقود إلى التحول إلى النظام الرئاسي.
ومن ثم، فإن الأفكار، أو المبادرات، أو المقترحات للخروج من حالة الانسداد السياسي تتطلب التفكير في «المرض» قبل «العرض»، أي طرح رؤى من شأنها عدم تجدد الأزمات مرة أخرى، وليس مجرد تجاوز الأزمة الحالية المرتبطة بتعقيدات التوافق على تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية التي دعا إليها مقتدى الصدر، والتي تقاومها جميع أطراف الإطار التنسيقي. غير أن ما طرح من رؤى لا يصب في اتجاه الخروج المستدام، بل السير في اتجاه إعادة تجدد الأزمة مرة أخرى، على النحو التالي:
حكومة كفاءات
1- تشكيل حكومة «انتقالية»: وهو ما يتوافق بشأنه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، ورئيس ائتلاف النصر ورئيس الحكومة الأسبق حيدر العبادي الذي دعا في تغريدة نشرها على حسابه على موقع «تويتر» بتاريخ 12 سبتمبر/ أيلول الجاري، إلى «اتفاق سياسي يفضي لاعتبار المرحلة الراهنة انتقالية، تبدأ بتشكيل حكومة وتنتهي بحل البرلمان وإجراءات انتخابات مبكرة»، على نحو يشير إلى اقترابه مما طرحه الصدر بشأن تشكيل حكومة انتقالية ترعى إجراء الانتخابات، لاسيما بعد أن ردّت المحكمة الاتحادية العليا دعوى مرفوعة لحل مجلس النواب العراقي، وعزت ذلك إلى أن اختصاصاتها المنصوص عليها في الدستور والقانون لا تتضمن حل البرلمان.
وقد جاءت هذه المبادرة بعد رفض نور المالكي رئيس ائتلاف دولة القانون رفض حل البرلمان، واعتبر أن دعوة رئيس ائتلاف دولة القانون، أشبه بالدعوة لكسر الإرادة في البلاد. ووفقاً للعبادي، فإن «مصالح الشعب واستقرار الدولة أعلى وأغلى من أي مصلحة حزبية أو فئوية».
كما قدمت خلال الحوار الوطني في 6 سبتمبر/ أيلول الجاري «قوى التحالف العراقي» وهي مجموعة من الأحزاب والقوى السياسية والمدنية المستقلة خارطة طريق بشأن الأزمة الراهنة مؤلفة من 9 نقاط، وهي: اعتبار الفترة الحالية فترة انتقالية، وتحديد مدتها بما لا يزيد على سنة واحدة، وتشكيل حكومة جديدة مصغرة من الكفاءات الوطنية البعيدة عن أطراف الصراع والنزاع، تأخذ على عاتقها إدارة المرحلة الانتقالية، إضافة إلى الإيعاز لمجلس النواب بإصدار قرار برلماني يدعو لحل نفسه، واعتماد الحوار كأسلوب لحل الأزمات السياسية والابتعاد عن لغة التخوين والتخويف والترهيب.
تعديل الدستور
فضلاً عن الدعوة إلى تعديل قانون الانتخابات بما يضمن اشتراط التحالفات الوطنية المسبقة واعتماد الكتلة الفائزة بأكثرية المقاعد فور إعلان النتائج، ومنع تنقل النواب بين الكتل، وتحديد عتبة الإنفاق الحكومي الانتخابي بما يضمن تكافؤ الفرص، وإعادة هندسة الدوائر الانتخابية بإشراف أممي واسع، وحظر الأحزاب المسلحة من المشاركة في الانتخابات المقبلة، وتشكيل فريق من ذوي الاختصاصات: فقهاء القانون والقضاء الدستوريين ونقابة المحامين ومنظمات المجتمع المدني وغيرهم، يتولى مهمة تعديل الدستور النافذ ويتم عرض النتائج على الاستفتاء الشعبي العام في الانتخابات المقبلة، ودعوة القضاء العراقي المستقل إلى فتح ملفات قتلة المتظاهرين السلميين السابقين والحاليين.
تبكير الانتخابات
2- إجراء انتخابات مبكرة: يدعم هذا الرأي حليفا الصدر، فضلاً عن رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البرزاني، أعضاء تحالف السيادة (رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وخميس الخنجر) بإجراء انتخابات مبكرة ونزيهة، في ظل حكومة قوية مقبولة من جميع الأطراف.
3- عودة جلسات البرلمان: ففي 11 سبتمبر/ أيلول الجاري، أعلن الإطار التنسيقي في العراق (يضم حزب ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي وتحالف الفتح وفصائل وأحزاباً أخرى موالية لإيران)، أن لا انتخابات مبكرة قبل عودة جلسات البرلمان وتشكيل حكومة جديدة مكتملة الصلاحيات.
من العرض السابق يتضح أن ثمة صعوبة في تلاقي الرؤى بين الأطراف السياسية المختلفة على الساحة العراقية نتيجة فجوة الثقة، بل الأكثر من ذلك أن الاستقطاب السياسي في العراق بدأ يتخذ منحى اجتماعياً، ما ينذر بتصعيد مستقبلي يمسّ السلم الأهلي، إن لم يتم التوصل إلى مخرج سياسي للأزمة الحالية.
* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
زاجل نيوز