تفاوتت مواقف النواب الأردنيين من المادة 308 من قانون العقوبات على نحو سجّل فيه بعضهم مواقف متقدمة، فيما فاجأ آخرون الجمهور بـ«مواقف رجعية» من نص قانوني كان يؤمّن للمغتصبين مخرجاً قانونياً من جريمتهم بمجرد الزواج بالمعتدى عليها لنحو أربع سنوات!
ومن المقرر أن تعرض هذه المادة على مجلس الأعيان المقرب من الملك، علماً بأن مشروع القانون قدمته الحكومة إلى مجلس النواب. وكان المدافعون عن إبقائها يميلون إلى تعديلها بإتمام الزواج إذا كان هناك رضى من المعتدى عليها (إذا كان عمرها ما بين 15 و18 عاماً)، ويرجعون ذلك إلى أن المجتمع الأردني لا يزال يغلب عليه البعد العشائري، الذي رأى بعض النواب أنهم يمثلونه، وأن الأفضل هو «الستر على المعتدى عليها وعائلتها وتغليب المصلحة». كما يشيرون إلى أن المادة 308 فيها مخرج لإثبات نسب الطفل وتفادي ظاهرة الأمهات العازبات، وفق ما رصد مندوب «الأخبار» خلال جلسة البرلمان.
على الجهة المقابلة، تضافرت جهود منظمات المجتمع المدني وقوى سياسية وحزبية تقدمية للمناداة بإلغاء هذه المادة التي يرون فيها مخرجاً للمعتدين، وظلماً للفتاة التي تعرضت لجريمة، ثم قد تصير مطلقة في وقت لاحق. حتى إنهم لا يرون في إتمام الزواج سبباً لإسقاط الحق العام للمجتمع مع أنه قد يكون في بعض الحالات قدم حلولاً شخصية.
كذلك يؤكدون أن الزواج المزعوم لا يكون بالرضى الحقيقي لأنه شكلي، ويأتي في حالة إذعان واستجابة لابتزاز المعتدي وأهله للضحية وعائلتها، علماً بأن المعتدى عليها توقف في مراكز إيواء إن كانت قاصراً، وفي مراكز إصلاح وتأهيل (سجن) إن كانت فوق الـ 18 حتى بتّ القضية! أما المعتدي، فيطلق سراحه بكفالة ويمنح حرية لإتمام تجهيزات الزواج الذي سينقذه من العقوبة، وهذا بحد ذاته يشكل ضغطاً على أهل الفتاة لقبول عقد الزواج بسرعة.
وعلى أرض الواقع، غالباً ما تتعرض المعتدى عليها في حالة إتمام الزواج لإساءة نفسية وجسدية من «الزوج» المعتدي، ما يؤدي إلى أن تطلب الطلاق قبل المدة المحددة، وفق حالات كثيرة. وبذلك، تسقط أي ملاحقة قضائية للمعتدي الذي يستطيع تكرار فعلته، كما أن من الصعب إثبات نسب الطفل في حال حدوث حمل، وهذا ما جعل المادة المسقطة تؤجل المشكلة وتفاقمها بدلاً من حلّها.
والمادة 308 من قانون العقوبات ليست جديدة، بل موجودة منذ الستينيات، وهي مشابهة لمواد موجودة في دول عربية وأجنبية ألغيت في بعضها أخيراً، مثل المغرب، حيث أقدمت فتاة على الانتحار حين تم تزويجها بالمغتصب.
ورغم أن الاغتصاب لا يشكل ظاهرة في الأردن، لا تصل القضايا المتعلقة به إلى المحاكم بسبب هذا النص القانوني. كذلك ترتبط «308» بقضايا أخرى متعلقة بالمرأة هي أيضاً محط جدل في الساحة الأردنية، ومنها موضوع إثبات النسب، إذ لا يوجد قانون ملزم لإجراء فحص الحمض النووي. وحتى إن وجد، يجب أن يكون هناك «إقرار بالوطء مرافقاً له». كما تثير هذه المادة تساؤلات حول الإجهاض الذي يعاقب عليه القانون، علماً بأن هناك انتشاراً لحالات إجهاض بعيداً عن الرعاية الطبية المناسبة.
أيضاً، هذه ليست المرة الأولى التي يعلو فيها الجدل في قضايا تمس واقع المرأة في المملكة، وخصوصاً في قانون الأحوال الشخصية والجنسية، وهو متصل بقضايا ذات أبعاد سياسية متصلة بالديموغرافيا وتجنيس الفلسطينيين. فعام 2011، مع بداية الحراك الأردني، دعا الملك عبدالله الثاني إلى تشكيل لجنة لتعديل دستور المملكة، وشكل ذلك فرصة للمنظمات النسوية والأحزاب والقوى التقدمية لتحقيق إنجاز دستوري بإضافة كلمة «الجنس» في المادة السادسة التي تقول الفقرة الأولى منها: «الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين». مع ذلك، لم يتم تحقيق هذا المطلب واستعيض عنه بإضافة الفقرة 4 إلى المادة نفسها: «الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، يحفظ القانون كيانها الشرعي ويقوي أواصرها وقيمها ويحمي في ظلها الأمومة والطفولة ويرعى النشء وذوي الإعاقات…».
ووفق متابعين، فإن العقلية التي أحلّت الأسرة مكان «الجنس» للمرأة في الدستور هي نفسها التي دعمت المادة 308، وهي نفسها التي لم تجد حلًا للجرائم التي تحدث للمرأة باسم «الشرف»، ومن ثم هي العائق أمام منح المرأة جنسيتها لأبنائها. لكن لأن جزءاً من الداعين إلى إلغاء «308» كانوا من منظمات المجتمع المدني، حملت القضية في طياتها أبعاد اتهامات طاولت «المنظمات ذات التمويل الأجنبي» باستغلال مثل هذه المداخل لـ«فرض أجندات خارجية بحلول مستوردة لا تتناسب مع قيم المجتمع وأخلاقه».