يتغذى التراث العمراني في المملكة المغربية على روافد ثقافية متعددة الأصول استفاد منها مصمم رواق معرض “المغرب في أبوظبي”، الذي اختتمت فعالياته مؤخرًا في العاصمة، لبناء مساحة شاسعة أرضها من ذهب وسقفها من خشب الأرز، اختصرت مهارة الصانع التقليدي وفلسفة مصمم الديكور المهندس سعيد برادة، الذي تجاوز حدود إقامة رواق يحتضن فعالية إلى تحفة معمارية جمعت صناعات المغرب على اتساع رقعته الجغرافية، وعكست عبر الشاشات الضخمة ما تتمتع به المملكة من تنوع في الطبيعة والعمارة، واكتملت رؤيته بإضفاء نوع من الفرجة على الرواق الرئيسي بوضع ستائر حمراء انسجاما مع الزوايا الأربعة، التي تتخذها الفرق الموسيقية مسرحا لأداء وصلاتها، بينما استوحى الزاوية التفاعلية للطبخ الحي من ساحة جامع “الفنا” في مراكش الحمراء التي تعد تراثا إنسانيا عالميا.
ويقول برادة، إن التصميم الذي جاء على شكل دار مغربية يشكّل قطعة فنية تعكس فن العيش المغربي، مشيرًا إلى أن البيوت التقليدية في المغرب تتضمن كل ما تحتاجه سيدة البيت من ترفيه، وتشتمل على مطابخ ونوافير وحدائق وجلسات وباحات تدخلها الشمس والهواء، فيما تبرع يد الصانع المغربي في زخرفتها لتشكل أيقونة معمارية. ويضيف أن المدن المغربية العتيقة لاتزال تضم بيوتا يندهش زائرها من اتساعها وروعة عماراتها، وتنوع الزخارف على الزجاج والخشب والرخام فيها، وهو ما انعكس على تصميم الباب الخارجي للرواق.
ويتمتع برادة بحس فني وإبداعي عكسه هذه السنة في تصميم رواق “المغرب في أبوظبي”، الذي نظمته وزارة شؤون الرئاسة، فأضاف لمسات مختلفة عن الأروقة السابقة منها توظيف شاشات ضخمة لنقل مشاهد من جمال الطبيعة والعمارة المغربية، وتناغما مع رؤيته في تحديث الأصيل، أفرد هذا العام جناحا للمبدعين الشباب الذين يقومون بدور فعاّل في الحفاظ على الصناعة التقليدية المغربية ونقلها للعالمية، في حين خصص مساحة للصناع التقليديين في مشهد أدائي يعكس ما يقوم به الصناع في الأسواق المفتوحة بشكل تفاعلي يشكل جزءا من المشهد اليومي في المملكة.
إلى ذلك، يقول “أردت هذه السنة أن يكون الرواق مختلفا، فصممت الرواق الرئيس من “الزليج” البلدي المطلي بالذهب، الذي استعملته للمرة الأولى خصيصا لأبوظبي، واستخدمت ألوانا جديدة من عائلة الألوان الطينية كالأحمر والبني والبيج والعسلي والأبيض ما أضفى على الرواق صبغة تقليدية”.
وفيما يخص رواق المبدعين، يقول براد “فكرت في هذه الفئة لأنهم يشكلون مستقبل الصناعة التقليدية المغربية، واستعملت فيه الصناعة التقليدية بطريقة عصرية ما جعله عصريا بروح تقليدية فجاءت الثريا التي صممت خصيصا للمعرض تشبه الأقراط المتموجة في إشارة إلى أن الحياة كل يوم في حال، ويصل طول الثريا إلى 17 مترا، بينما يصل عرضها إلى مترين وعلوها 3 أمتار لتنير أروقة صغيرة احتضنت معروضات المبدعين الشباب”، مضيفا “فيما يخص الصناع التقليديين حاولت عكس صورة الأسواق والشوارع المغربية التي يمارس فيها الحرفيون صناعاتهم في إطار تفاعلي، وجاءت أعمدة الإنارة أو الشموع التي تحيط بهم لتؤطر المساحة التي يعملون فيها، بينما جمعت النافورة بين المتحف وشارع الصناعة التقليدية المفضي إلى ساحة الطبخ الحي والتي صممتها وفرشتها بطاولات من الفسيفساء الملونة لتعكس أجواء ساحة جامع الفنا في مراكش، كما دمجنا التكنولوجيا في الرواق لتنقل الزوار لأجواء المغرب وتسافر بهم عبر مدنه وطبيعته الخلابة، واستعملنا لذلك ست شاشات ضخمة أربع منها داخل المتحف واثنتين في جناح الطبخ يصل طول الواحدة منها إلى 20 مترا، وعلوها 5 أمتار، وهناك واحدة أخرى بطول 10 أمتار وعلو 5 أمتار، وجاء الرواق الرئيس متوهجا باللون الأحمر وهو لون القصور ولون مدينة مراكش، ليعطي بعدا مسرحيا يتكامل مع اللون الذهبي المتمثل في الثريا الضخمة والنحاسيات التي تزين المكان، أما سقف الرواق فتشكل من خشب الأرز المنقوش يدويًا وتنسدل منه ثريا يصل وزنها إلى طنين وتحمل 56 مصباحا بينما تحمل ثريا المبدعين 900 مصباح”.
البيت التقليدي الملهم
يؤكد المهندس برادة أن البيت المغربي الأصيل كان ملهمه في ابتكار رواق “المغرب في أبوظبي”، فالجلوس في الباحة المحورية المحاطة بأقواس تتدلى منها الستائر الفخمة، سمة سائدة في البيوت التقليدية، بينما أضفى الأثاث المعروض بالزوايا جاذبية على المكان، وهي التي تستخدمها ربات البيوت لاستضافة صديقاتها لتناول الشاي المنعنع على أنغام الموسيقى، ولهذا حضرت الفرق الموسيقية لتكتمل الصورة، مشيرًا إلى أن جناح الصناعة التقليدية صمم ليكرم الصانع المغربي، ويبرز قيمته في المجتمع، ولأن المطبخ المغربي غني وغزير فقد خصص مساحة كبيرة لعروض الطبخ، مزودة بشاشة عرض كبيرة تقدم العروض الحية للطهاة المشهورين.
رواق 2020
وكشف برادة، أنه بصدد تصميم رواق لمعرض “إكسبو 2020″، المزمع إقامته في دبي، ليعكس فيه جمال العمارة المغربية وإبداع الصانع التقليدي المغربي.