الدين الإسلامي دين كامل نوعاً و تام عدداً :
أيها الأخوة الكرام ، من الموضوعات العامة في الدِّين أنَّ الدِّين عقائد ، وعبادات ، ومعاملات ، وأخلاق ، و آداب ، الحِلل مع الآداب ، الرحمة مع الآداب ، الطلاق مع المعاملات ، والحجّ مع العبادات ، التوحيد مع العقائد ، وهناك تقسيم آخر للدِّين ، فالدِّين عقيدة وعبادة ، منطلق نظري وسُلوك عملي ، الإنسان بِخَلْق الله وبأفعاله وبكلامه يعرف الله ، وبِتَشْريعه يعبدُه ، الله عز وجل خلق السموات والأرض بالحقّ ، فالحقّ لابسَ خلق السموات والأرض ، والله عز وجل نور السموات والأرض ، خلقهما بالحق ، ونوَّرَهُما بالوَحي ، فبالدِّين هناك وَحي ، تؤمن بالله وتُطيعهُ ، تؤمن به عن طريق خلقه ، وتُطيعهُ عن طريق تشريعه .
الدرس اليوم تشريعي ، فأوّل سؤال ؛ هل يُعقل أن تكون هناك قضيّة في حياتنا اقتصاديّة ، اجتماعيّة ، دَوليّة ليْسَت مُغطاة بالتشريع ؟ إن كان كذلك فمعناه أنّ التشريع ناقص ! إذا كان هناك قضيّة بحياتنا ، أو الآن ، أو بعد مئة عام ، أو بعد ألف عامٍ ، أو قبل مئة عام ، إذا كانت هناك قضيّة بمُجتمع صِحِيّة ، اقتصاديّة ، أُسريّة ، اجتماعيّة ، نفسيّة ، دوليّة ، سياسيّة ليس لها بالدِّين تشريع فمعنى ذلك أنّ ديننا ناقص ، والله عز وجل يقول :
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾
[ سورة المائدة : 3 ]
إنْ آمنْت بأنّ الله خالق السموات والأرض ، وأنّ هذا القرآن كلامهُ ، وأنَّ إعجاز القرآن دليل كمال الله عز وجل ، وأنّ الذي جاء بهذا القرآن هو رسولهُ ، وأنّ كلام النبي عليه الصلاة والسلام شرْحٌ لقرآن الله عز وجل ، فيقول الله عز وجل :
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾
[ سورة المائدة : 3 ]
ومَن ردَّ آيةً في القرآن فقد كفرَ ، المسلم ينبغي أن يعتقدَ اعتِقادًا جازمًا أنَّ دينَه كاملٌ نوعًا ، تامٌّ عددًا ، لو أنّ الأمر تشريع أرضي يمكن أن يكون فيه نقص .
خِبرة الإنسان حادثة وتنمو أما خبرة الله تعالى فقديمة :
أحيانًا يصدُر قانون ، و واضعو القانون أذكياء وخبراء وعلماء ومُشرّعون ، تفوتهم نقطة ، وقضيّة ، تغيبُ عنهم زاوية ، فإذا بالقانون خلل ، وبذلك يُعدَّل القانون ، ثمّ يُعدّل ، ثمّ يعدَّل ، ثمّ يبدَّل ، وما أكثر التشريعات التي سنَّها الإنسان ، ثمّ عدَّلها وعدَّلها ثمّ ألغاها .
مثلاً ارتفاع أسعار السيارات غير المعقول ، أصبح هناك شيءٌ بالاقتصاد اسمُه المضاربة ، العادة أن يشتري الإنسان مركبةً ليركبها ، هذا هو الأصل ، الآن أصبح يشتري مركبةً ليبيعها مرّة ، وثانية ، وثالثة ، ورابعة ، وخامسة ، يأتي من يريد أن يركبها سابع شخص، يكون سعرها قد تضاعف ثلاث مرّاتٍ ، أساسًا سعرها ثلاثة عشر ألفاً ، يُصبح سعرها مليونًا ونصف ! هذه ظاهرة غير طبيعيّة ، طُبع قانون بِمَنْع بيْع السيارات ، النيّة طيّبة ، ورائعة ، والمنطلق سليم ، وهو الحدّ من مضاربات السيارات لكن أحيانًا الإنسان يهب لزوجته سيارة ، يمكن أن يبيعها ، أو تبيعه سيارتها ، وضعوا استثناءات ، بين الزوج وزوجته ، والأب وأبيه ، والأخ وأخيه ، و قرابات معيّنة وضعوا استثناءات ، ظهرت قضيّة بالمجتمع لم تخطر على المشرّع ببال ، يتمّ زواج شكلي من أجل بيع سيارة !! الزواج لا أصل له إطلاقًا ، عقد زواج شكلي ، أحدهم تزوَّج امرأةً حتى يبيعها سيارة فإذا هي غنيّة جدًّا ، فما رضي أن يطلّقها ! أضعُ بين أيديكم تشريعات أرضيّة ، فالمُشرّع نيّتهُ حسنة ، ولمصلحة عامّة هي الحد من المضاربات في بيع السيارات ، وإذْ يظهر شيءٌ لم يكن في الحُسبان ؛ أن يُعقد عقد قران صوري من أجل بيع سيارة ، وإذا اكتشف الزوج أنّ زوجته غنيّة لا يطلّق ، يحتاج إلى فروغ ! ثمّ أُلغِيَ القانون ، أما حينما يشرّع ربّ السموات والأرض ، هناك بلد بإفريقيا ألْزَم المتزوّج إذا طلّق أن يُعطي نصف ممتلكاته لزوجته ! لي قريب هناك ، قال لي : بار سوق الزواج ، إنسان له معمل وثرْوَة ضخمة ، محصّلها بِجُهْدٍ جهيد ، يتزوَّج امرأة ، لِخِلافٍ بينهما نشب ، تُطالبُه بنِصف أملاكه ، فبار سوق الزواج ، لدرجة أنّ السّفاح حلّ محلّ النكاح ، قال لي : أصبح الأب إذا طلب إنسان ابنتهُ يعمل له سنداً بمليون ليرة ، فنشأَت مشكلة كبيرة .
مُشرّع آخر بشرق آسيا ، قال : يجبُ أن يقتصر الزوجان على ولدٍ واحد في الصّين، أصبحوا ألف مليون ، قال : ملك دولة بسيطة جدًّا ، سكّانها مليونا شخص ، زار الصّين ، ألقى أمام رئيسها كلمة أنّ الشعب الفلاني عظيم ، فقال الرئيس : كم أنتم ؟ فقال الملك: نحن مليونا شخص ، فقال الرئيس : كان عليك أن تأتِ بهم ! لأنّ شعب الصّين ألف ومئتا مليون ، هذا الشّعب أصدر قانوناُ بالاقتصار على ولد واحدٍ قصْرًا ، تأتي البنت يخنقونها ، حتى يأتي صبيّ فيُسجَّل ! غاب عن المشرّع نشوء مشكلة لا حلّ لها ، فالآن بالصّين هناك خمسون مليون شاب بلا أنثى ، والآن بالصّين هناك عصابات لخطف البنات في سنّ الزواج ، لا يوجد توازن ، فالكلّ يريد ذكراً ، والبنت تقتل ، ويخنقها إلى أن يأتي الذّكَر فيُسَجَّل ، في بعض المجتمعات فقِد الإناث ، واختلّ المجتمع ، أنا أضع بين أيديكم نماذج من تشريعات أرضيّة ، المشرّع قد يكون حسَن النيّة ، وقد يكون خبيراً ، ولكن خبرته محدودة ، ولكنّ الخِبرة القديمة هي خبرة الله عز وجل ، خبرتنا طارئة ، والدليل ؛ اُنْظر إلى سيارة صُنِعت سنة ألف وتسعمئة ! أنا أذكر أنّ بالمرجة كان هناك عدد من السيارات ، الفانوس يشعلونه شعلاً ، ولا توجد كهرباء ! وتشغيلها من أمام ، والدواليب صبّ وليست نفخاً ، والبوق مثل بائع المازوت ، وحركة واحدة ، وازنها الآن بسيارة موديل تسعة وتسعين أو ألفين مرسيدس !! هل هناك فرق بينهما ؟ هذه هي خِبرة الإنسان تنمو ، هكذا كانت وهي تنمو ، هل طرأ على الإنسان تعديل ؟ الإنسان كامل ، منذ أن خلقَ الله الإنسان الإنسان كامل ، تطوير وتعديل لا يوجد ، فالنتيجة أنّ خِبرة الإنسان حادثة وتنمو ، بينما خبرة الله تعالى قديمة .
تشريع الإنسان ناقص يعتريه الخطأ و النسيان :
التشريع الشيء نفسه ، فتشريع الإنسان يعتريه الخطأ و الشدة أحيانًا ، بالهند مثلاً التشريع القديم الذي انقلب إلى عادات أنّ الإنسان إذا مات ينبغي أن تُحرق معه زوجتهُ ! ولا يزال هذا مطبَّقًا في بعض قرى الهند ، يموت الزوج تستلقي إلى جانبه زوجتهُ ويُحْرقا معًا ، هكذا تشريع الإنسان ، فيه ظلمٌ ، وجهلٌ ، وانحياز ، والدليل كم تشريعًا يصدر ؟ وكم تشريعًا يُلغى ؟ وكم تشريعًا يُعدَّل ؟ إذًا خِبرة الإنسان حادثة في التشريع بينما خبرة الله تعالى قديمة ، قال تعالى:
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
[ سورة فاطر : 19 ]
إذا كان تشريع الله قديمًا ، وهو من عند الخبير ، فهل يُعقل أن نعاني مشكلة جسديّة ، صحيّة ، أُسريّة ، نفسيّة ، اجتماعيّة ، اقتصاديّة ، سياسية ، دَوليّة ، ليْسَت مغطاة بالتشريع ؟ مستحيل ، الدليل النصّي قوله تعالى :
﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ﴾
[ سورة المائدة : 3 ]
هناك دليل آخر ، قوله تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾
[ سورة النساء : 59]
أطيعوا الله في كتابه ، وأطيعوا الرسول في سنّته ، وأولي الأمر منكم ، فالطاعة تابعة لطاعة الله ، ولطاعة رسوله ، فإذا أُمرْتم من قبل أولي الأمر منكم ، وهم العلماء ، والأمراء، بما يوافق طاعة الله ، وطاعة رسوله فأطيعوهم ، قال تعالى :
﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾
[ سورة النساء : 59]
تنازعتم مع علمائكم ، ومع أمرائكم ، فردُّوه إلى الله والرسول ، لو أنّ قضيَّةً تنازعنا فيها ، فلمّا رجعنا إلى كتاب الله ، وسنّة رسوله لم نجد شيئًا ، معنى ذلك الآية لا تعني شيئًا ! فهل يُعقل أن يقول الله كلامًا لا معنى له ؟ إذا قال إله الكون ، وخالق الكون ، العليم ، الخبير ، القدير ، إذا تنازعتم في قضيّة رُدُّوها إلى الله والرسول ، ارْجعوا إلى كتاب الله ، وإلى سنّة رسوله، معنى ذلك أنّه إذا رجعنا لا بدّ من أن نصل إلى تشريعٍ يُغطِّي هذه المشكلة .
التشريع الإسلامي يُغطِّي كلّ حاجات المجتمع الإسلامي :
أوَّل نقطة في هذا الدرس هذا الوهم أو هذا الخاطر الشيطاني أنَّ التشريع الإسلامي ناقص ، لا يلبِّي حاجات المجتمع ، البارحة أخٌ قال لي : التأمين حاجة أساسيّة ، فقلتُ له : ومن قال لك إنَّه ليس حاجةً أساسيّة ؟ ولكنّ التأمين الذي هو مشروعٌ في هذا الدِّين العظيم هو التأمين التعاوُني ، ليس مباحًا فقط بل واجباً أن نفعلهُ ، كيف ؟ مئة تاجر يستوردون الأقمشة ، أسَّسوا صندوقًا للتأمين ، كلّ تاجر بحسب حجم استيراده ، بالألف واحد ، وضع مبلغًا من المال ، فأيّ واحدٍ من هؤلاء المئة فقدَ بضاعتهُ ، أو احترقَت بضاعته ، نُعطيه من هذا الصندوق ثمَن بضاعته ، هذا هو التعاوُن، و إن لم يصبهم شيء ، هذا المبلغ يبقى لهؤلاء المئة ، يبقونه في الصندوق ، يستردونه ، يستثمرونه في مشروع خيري ، هم أحرار ، وهذا التأمين يحلّ كلّ مشاكل الأمّة الإسلاميّة ، حدَّثني أخ بأمريكا ، هناك الطبيب يعاني من مشكلة كبيرة جدًّا ، نحن لا نعانيها ، لو أخطأ مع مريض ، والمريض أقام عليه دعوى ، قد يحكمُ له القاضي بعشرين مليون دولار ! وهذا فوق طاقة ثمن بيته ، ومركبته ، وكلّ أملاكه ، هذا أكبر خطر يهدّد الطبيب هناك، إذا أخطأ مع مريض فلا بدّ من أن يدفع الثَّمن ، وقد يكون الثَّمَن بالملايين ، فاتَّفق الأطبّاء عن طريق التأمين السابق الحرام أن يدفع كل واحد اثني عشر ألفًا إلى عشرين ألف دولار بالسّنة كتأمين ، اشتغل سنة ، وما حدث معه شيء ، دفع للتأمين كم ؟ عشرون ألفاً ، ألا يتألّم ؟ مقابل ماذا ؟ أما الآن فاتَّفقوا على إقامة شركة ، يضع كلّ طبيب خمسة آلاف دولار بهذا الصندوق ، لو المريض أقام دعوى على هذا الطبيب يعطى من هذا الصّندوق ، لا يوجد أيّة مشكلة مع هؤلاء الأطباء ، فالمبلغ كلّه لهم ، استردُّوه إن شئتم ، هذا هو التأمين التعاوُني ، لا توجد قضيّة يعاني منها المجتمع إلا ولها حلّ إسلاميّ ، أحيانًا العلّة ليس في الإسلام ولكن في المسلمين ، لا يبحثون عن حلّ إسلامي ، لا يُطالبون بِحَلّ إسلامي ، لا يتطلّعون إلى حلّ إسلامي ، يقول لك : ماذا نفعل ؟! وهذا من ضعف المسلم ، ومن تقصيره ، ومن عدم طالبته بِحَقّه ، إذًا التشريع الإسلامي ينبغي أن يُغطِّي كلّ حاجات المجتمع الإسلامي ، التشريعيّة ، والنفسيّة ، والأسريّة ، والأحوال الشخصيّة ، والاجتماعيّة ، والسياسية ، والدّوْليّة ، والحمد لله ، وهذا شيءٌ طيّب ، وهو تحقيقًا لقول النبي عليه الصلاة والسلام : ” لا تجتمع أمّتي على خطأ ” فهذه الأمّة معصومةٌ بِمَجموعها عن أن تخطئ ، لذلك تأسَّس مجمع فقه إسلامي ، جميعُ الدُّوَل الإسلامية مجتمعة في هذا المجْمع ، ولها أعضاء في هذا المؤتمر وهو يُعقدُ كلّ عامين ، تُطْرحُ فيه قضايا معاصرة ، يُعاني منها المجتمع ، وكلّ قضيّة يتولّى دراستها والبحث فيها عدد كبير من فقهاء المسلمين ، يعودون بعد عامَين بدراسات مستفيضة ، تُتلى هذه الدراسات ، ثمّ توضَع القرارات ثمّ تُعمَّم ، وأصبح تقريبًا أكثر من ألفين قرار متعلّق بقضايا المسلمين المعاصرة ، وأنا كما وعدْتكم عقب شهر رمضان المبارك أن نعالج موضوعات نحن في أمسّ الحاجة إليها .
قرارات المجمع الفقهي الإسلامي في الدَّين و السّكن :
اخترتُ اليوم من قرارات هذا المجمع الفقهي الإسلامي ، أشرحها على قدر الإمكان.
المشكلة إذا تأخَّر المدين عن سداد الدَّيْن في المدّة المحدَّدة ، فهل للدائن الحقّ أن يفرضَ على المدين غرامةً ماليَةً جزائيّة بنِسْبةٍ معيَّنةٍ بسبب التأخير عن السداد في الموعد المحدّد؟ بعد البحث ، والبحث استغرق سنَتَين ، وتُلِيَتْ بُحوث طويلة ، واشترك عدد غير قليل في هذه الدراسة ، أما القرار فهو : إنّ الدائن إذا شرط على المدين ، أو فرضَ عليه أن يدفع له مبلغًا من المال ، غرامةً ماليّة جزائيّة محدّدةً ، أو نِسبةٍ معيّنة ، إذا تأخَّر عن السداد في الموعد المحدّد بينهما فهو شرْطٌ ، أو فرضٌ باطل ، لا يجبُ الوفاء به ، بل ولا يحلّ سواء أكان الشرط هو المصْرف أم غيره ، لأنّ هذا بعَيْنِهِ هو ربا الجاهليّة الذي نزل به القرآن تحقيقًا .
فأيُّ قرْض تأخّر إذا فرضَ عليك الدائن مبلغ غرامة بِسَبب التأخير فهذا الشَّرْط باطل لا يتحقّق ، هذا قرار .
القضيّة الثانية ؛ عقارٌ معدٌّ للسَّكَن ، أو أرضٌ معدَّةٌ للزراعة ، لصاحبها ، أو دكانٌ معدّة للعمل ، يعمل بها صاحبها ، الدار المسكونة ، والأرض المزروعة ، والدكان التي يستخدمها صاحبها لعمله ، هذه معفاةٌ من الزكاة يُسمّونها بالتّجارة أُصولاً ، هذه أُصول ثابتة ، تخفيفًا على المؤمن ، ورحمةً به ، المال الثابت مُعفى من الزكاة .
بيتٌ اشتراه المسلم ليؤجّرهُ ، ويعيشَ من أجرته ، نحن عندنا شيء اسمه الرقبة والمنفعة ، أنت قد تملكُ بيتًا ؛ تملكُ رقبتهُ ، ولا تملكُ منفعتهُ ، تؤجِّرهُ ، المستأجر ماذا يملك ؟ يملكُ منفعةَ البيت ولا يملكُ رقبتهُ ، الدار المعدَّة للإيجار ، زكاتها لا على رقبتها ، لا على أصل ثمنها ، بل على غلّتها أو أجرتها ، هذا حكم ثان ، إنسانٌ مؤجّر لبيت ، بالسنة مئتا ألف ليرة ، وهو في غِنى عن إنفاق هذا المبلغ ، فالزكاة على أُجرة البيت ، ولو أخذ هذه الأُجرة تباعًا شهرًا وراء شهر ، وأنفقها مصروفًا لا زكاة عليه ، لأنّه حينما يحول عليه الحَول ، ليس معه ، على كلٍّ زكاة البيوت المعدَّة للإيجار ، على إيجارها لا على أصل ثمنها . أما من يعمل في تِجارة العقارات ، أو في تجارة الأراضي ، أو في تجارة الحوانيت ، فالعقارات والأراضي والحوانيت بضاعةٌ له ، فزكاتها على أصل ثمنها ، وتجِبُ الزكاة كلّ عامٍ ، هذا هو الحكم الشرعي .
العقار المعدُّ للسكنى لا تجبُ فيه الزكاة إطلاقًا ، لا في رقبته ، ولا في قدر أجرته . ثانيًا العقار المعدُّ للتجارة هو عروض التّجارة تجبُ الزكاة في رقبته ، تاجر عمار عنده بناية فيها خمسة بيوت ، العقار المعدّ للتجارة هو من عروض التّجارة ، فَتَجِبُ الزكاة في رقبته ، وتقدَّر قيمتهُ عند مضيّ الحول عليه .
ثالثًا ؛ العقار المعدّ للإيجار ، تجبُ الزكاة في أُجرته فقط دون رقبته ، هذا قرار ثان.
إقرار العلماء أن في سبيل الله عام لكلّ وَجْه من وُجوه البرّ :
هناك موضوع دقيق جدًّا ، كلّكم يقرأ الآية الكريمة ، آية الزكاة ، بل آية مصارف الزكاة ، قال تعالى :
﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ﴾
[ سورة التوبة : 60]
من آخر هذه المصارف في سبيل الله ، هناك دراسة جيّدة جدًّا ، قال : وفي سبيل الله يُقْصرُ معناه على الغُزاة في سبيل الله ، هذا رأي ، هناك رأي ثان ، إنّ سبيل الله عامّ لكلّ وَجْه من وُجوه البرّ من المرافق والمصالح العامّة في بناء المساجد ، والقناطر ، وتعليم العلم ، وبثّ الدعاة إلى آخره ، فيا تُرى في سبيل الله متعلّقة بتجهيز الغزاة فقط أم متعلّقة بكلّ عملٍ بشأنه أن ينشر دين الله عز وجل ؟ الغزْوُ القتالي ما هدفهُ ؟ نشْرُ الدِّين ، إن أُتيح لكم أن تنشروا الدِّين من دون قتال هل هناك مانع ؟ لا مانعَ ، لذلك رأيُ عدد قليل من الفقهاء القدامى وعدد كثير من الفقهاء المعاصرين رأيٌ صائب ، هو أنَّ في سبيل الله تعني نشْر هذا الدِّين ، فقد نؤسِّسُ مركزًا إسلاميًّا في بلدٍ غربي ، وقد نطبعُ الكتب ، وقد نهيّئ الأشرطة ، وقد تلقى الندوات والكلمات ، وقد تُرسل البعثات الدَّعَويّة ، وقد تؤلّف الكتب ، هذا كلّه في سبيل الله ، هذه الفتوى المعاصرة التي أقرّها عدد غيرُ قليل من الفقهاء المتقدّمين ، جاء في القرار أنَّ رأْي جمهور العلماء وأصحاب هذا القول يريد قصْر في سبيل الله على المجاهدين الغزاة في سبيل الله تعالى، هذا القول الأوّل ، والقول الثاني إنّ سبيل الله شاملٌ عامّ لكلّ طرق الخير ، والمرافق العامّة ، من بِناء المساجد ، وصيانتها ، وبناء المدارس ، وفتح الطُّرُق ، وبناء الجُسور ، وإعداد المُؤن الحربيّة ، وبثّ الدعاة ، وغير ذلك من المرافق العامّة ممّا ينفعُ الدِّين ، وينفعُ المسلمين ، وهذا القول قولُ قلّة من المتقدّمين ، وقد ارتضاهُ واختارهُ كثيرٌ من المتأخّرين ، وبعد تداوُل الرأي ومناقشة أدلة الفريقين اتَّخذ المجلسُ قرارًا كالآتي : نظرًا إلى أنّ القول الثاني قد قال به طائفةٌ من علماء المسلمين ، وأنَّ له حظّاً في النّظر في بعض آيات القرآن الكريمة ، مثل قوله تعالى :
﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
[ سورة البقرة : 262]
ومن الأحاديث الشريفة ما جاء في سنن أبي داود :
((أنّ رجلاً جعل ناقةً في سبيل الله ، فأرادَت امرأته الحجّ ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلّم ارْكَبيها فإنّ الحجّ في سبيل الله تعالى ))
[ رواه أبو داود عن ابن عباس]
ونظرًا إلى أنّ القصْد من الجهاد بالسّلاح هو إعلاء كلمة الله تعالى ، وإنّ إعلاء كلمة الله تعالى كما يكون بالقتال يكون أيضًا بالدّعْوة إلى الله تعالى لأنّني كما سمعتُ في مؤتمرٍ عقد قبل شهر أنّ في العصور السابقة كانت هناك حواجز بين الشّعوب ، لا يمكن أن تخرق إلا بالقتال ، والآن العالم كلّه مفتوح ، بإمكانك أن تعقِدَ مؤتمرًا إسلاميًّا في أيّ مكان بالعالم ، وأن تلقي المحاضرات ، وأن تُلقى المحاضرات عبْر وسائل الاتّصال الحديثة ، الشيء الذي يلفت النّظر في العالم الغربي كلّ علماء المسلمين موجودون هناك حكمًا بأشرطتِهم ، الحقّ منتشِر ، والتواصُل تامّ ، والعالم أصبحَ قريةً صغيرة ، بل بيتًا صغيراً ، وأحدث تعريف غرفة صغيرة ! كلّ ما يقع في شرق الأرض يعلمُ به من في غربها ، إذًا كما يكون إعلاء كلمة الله تعالى بالجهاد القتالي يكون بالجهاد الدعوي ، ونحن عندنا دليل قويّ وهو قوله تعالى :
﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ﴾
[سورة الفرقان : 52]
فالله عز وجل سمَّى تعلُّم القرآن وتعليمه جهادًا كبيرًا . وأنّ إعلاء كلمة الله تعالى كما يكون بالقتال يكون أيضًا بالدَّعْوة إلى الله تعالى ، ونَشْر دينه ، وإعداد الدّعاة ودعْمهم ، ومساعدتهم على أداء مهمّتهم فيكون كلا الأمرين جهادٌ لما روى الإمام أحمد والنسائي وصحّحهُ الحاكم عن أنس رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال :
((جاهدوا المشركين بأموالكم ، وأنفسكم ، وألسنتكم ))
[ الحاكم عن أنس ]
ثالثًا : ونظرًا لأنّ الإسلام محاربٌ من غزْو فِكري ، وعقدِيّ ، وأنّ لهؤلاء الأعداء من يدعمهم الدّعْم المادّي والمعنوي ، فإنّه يتعيَّنُ على المسلمين أن يقابلوهم بِمِثل هذا الدَّعْم الذين يغزون به الإسلام ، ولما هو أنكى منه .
رابعًا : ونظرًا لأنّ الحُروب في البلاد الإسلاميّة أصبح لها وزارات خاصّة وبنود ماليّة في الميزانيّة ، ولكلّ دولةٍ بخلاف الجهاد بالدَّعْوَة فإنَّه لا يوجد في ميزانيّات هذه الدُّوَل الإسلاميّة ميزانيّات للدّعوة إلى الله تعالى لِنَشْر الحقّ ، فإنّ المجلسُ يقرّر بالأكثريّة المطلقة دُخول الدعوَة إلى الله تعالى وما يتعيَّنُ عليها ، ودعم أعمالها في معنى وفي سبيل الله .