كان الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -يرحمه الله- يدرك أهمية مشاركة المواطن والمواطنة في أنظمة الدولة وفي مختلف المجالات؛ حيث عَمِل بمبدأ الشورى في أعمال الدولة وقراراتها وانتهج -رحمه الله- في تعامله مع مواطنيه سياسةً قائمةً على الشورى والتناصح مع الرعية واغتنام الفرص لتبادل الرأي؛ مسترشداً بما جاء به ديننا الإسلامي الحنيف؛ فكان لهذا النهج القويم الذي سار عليه أبناؤه من بعده الأثرُ الكبير فيما تعيشه المملكة وأهلها من تلاحم وتطور كبير قائم على تعاضد الدولة والمواطنين.
وتجسيداً لهذا النهج كانت لقاءات الملك عبدالعزيز مستمرةً ومتواصلةً مع المواطنين، يقدم لهم النصح ويُسدي لهم التوجيه. وبرغم أنه كان يعمل أكثر مما يقول؛ فإنه ترك لنا كلمات خالدة تسجل حكمته ورجاحة فكرة وصواب رأيه؛ حيث كانت كلمته موقفاً يلتزم به ونهجاً يسار عليه وحقاً يصدع باطل الأعداء.
وجمعت وكالة الأنباء السعودية “واس” في هذا التقرير فقرات مختارة من أقوال وخطب الملك عبدالعزيز تُبَين وتوضح نهجه السليم وتفكيره العميق ونظرته الصائبة إلى مختلف الأمور.
ففي الخطاب الذي ألقاه الملك عبدالعزيز -يرحمه الله- في الجلسة الافتتاحية لمجلس الشورى في السابع من ربيع الأول من عام 1349هـ الموافق الأول من أغسطس 1930م؛ يتضح مدى إدراكه لأمور الدولة صغيرها وكبيرها، وحرصه التام على تقدم هذه البلاد ورقي شعبها؛ حيث يقول -يرحمه الله- مخاطباً أعضاء المجلس: “إن أمامكم اليوم أعمالاً كثيرة من موازنة للدوائر الحكومية ونظم من أجل مشاريع عامة تتطلب جهوداً أكثر من جهود العام السابق، وإن الأمة تنتظر منكم ما هو المأمول منكم من الهمة وعدم إضاعة الوقت الثمين إلا بما فيه فائدة البلاد المقدسة”.
وقد حرص الملك عبدالعزيز -يرحمه الله – على إرساء مبادئ السياسة السعودية من منطلق تعاليم الدين الإسلامي الحنيف؛ حيث أصبحت هي النهج الذي يتوخاه في كل علاقاته وتعاملاته مع الآخرين، ومن خلال هذا النهج اكتسبت السياسة السعودية الصدق والوضوح الذي تسير عليه حتى اليوم في تعاملاتها مع كل الدول.
وفي ذلك يقول الملك عبدالعزيز مخاطباً أعضاء مجلس الشورى، ومحدداً لهم الطريق الصحيح الذي يسلكونه والمنهج السوي الذي يسيرون عليه: “وإنكم تعلمون أن أساس أحكامنا ونظمنا هو الشرع الإسلامي، وأنتم في تلك الدائرة أحرار في سَن كل نظام وإقرار العمل الذي ترونه موافقاً لصالح البلاد؛ على شرط ألا يكون مخالفاً للشريعة الإسلامية؛ لأن العمل الذي يخالف الشرع لن يكون مفيداً لأحد، والضرر كل الضرر هو السير على غير الأساس الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم”.
كلمات وضع فيها قائد الإصلاح وموحد هذه البلاد تعاليم الإسلام دائماً نُصب عينيه، ويعطيها الأولوية في جميع مناحي الحياة؛ فما يتفق مع الإسلام يأخذ به وما يتنافى مع الإسلام يتركه غير مأسوف عليه.
ويواصل الملك عبدالعزيز خطابه إلى أعضاء مجلس الشورى، يحثهم فيه على تأمين راحة الحجاج؛ حيث يقول: “ولا أحتاج في هذا الموقف أن أذكّركم بأن هذا البلد المقدس يتطلب النظر فيما يحفظ حقوق أهله وما يؤمّن الراحة لحجاج بيت الله الحرام؛ ولذلك فإنكم تتحملون مسؤولية عظيمة إزاء ما يُعرض عليكم من النظم والمشاريع؛ سواء كانت تتعلق بالبلاد أو بوفود الحجاج من حيث اتخاذ النظم التي تحفظ راحتهم واطمئنانهم في هذا البلد المقدس”.
وقد أدرك المؤسس المغفور له -بإذن الله- بثاقب بصره، أن التلاحم والتواصل بين القيادة والشعب وسياسة الباب المفتوح، هما من أفضل السبل وأنجعها لخدمة الوطن والمواطنين ولتقدم البلاد ورقيّها.
ففي الحفل الذي أقامه الملك عبدالعزيز في جدة في الخامس والعشرين من محرم عام 1355هـ الموافق السابع عشر من أبريل 1946م بمناسبة انتهاء موسم الحج وقرب سفره إلى الرياض، قال يرحمه الله: “المقصد من اجتماعنا الليلة أن نتناصح ونتعاضد ويطلع كل منا على ما عند الآخر من جهة، ومن جهة أخرى لنودعكم لأننا على جناح سفر وسنغادر هذا البلد قريباً، وإنه ليعزّ علينا مغادرته؛ ولكن المصلحة تقضي بهذه التنقلات، ثم هناك مسألة أحبّ أن أشرحها لكم؛ لأن في نفسي منها شيئاً: أنا لا أحب أن أشق على الناس؛ ولكن الواجب يقضي بأن أصارحكم.. إننا في أشد الحاجة إلى الاجتماع والاتصال بكم لتكونوا على علم تام بما عندنا ونكون على علم تام بما عندكم، وأود أن يكون هذا الاتصال مباشرة وفي مجلسي لتحملوا إلينا مطالب شعبنا ورغباته، وتحملوا إلى الشعب أعمالنا ونوايانا.. إنني أود أن يكون اتصالي بالشعب وثيقاً دائماً لأن هذا أدعى لتنفيذ رغبات الشعب؛ لذلك سيكون مجلسي مفتوحاً لحضور من يريد الحضور، وأنا أود الاجتماع بكم دائماً لأكون على اتصال تام بمطالب شعبنا، وهذه غايتي من وراء هذا الاتصال”.
واستمراراً على نهجه الكريم في توجيه النصح للرعية وشرح ما لها وما عليها، قال -يرحمه الله- في الخطاب الذي ألقاه في الحفل التكريمي الذي أقيم على شرفه بمناسبة سفره إلى الرياض في الثاني من صفر 1355هـ الموافق الرابع والعشرين من أبريل 1936م: “إن على الشعب واجبات وعلى ولاة الأمر واجبات.. أما واجبات الشعب فهي الاستقامة ومراعاة ما يُرضي الله ورسوله، ويُصلح حالهم، والتآلف والتآزر مع حكومتهم للعمل فيما فيه رقيّ بلادهم وأمتهم.. إن خدمة الشعب واجبة علينا؛ لهذا فنحن نخدمه بعيوننا وقلوبنا، ونرى أن من لا يخدم شعبه ويخلص له فهو ناقص”.
ومن ذات المنطلق الذي أدار به الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن شؤون بلاده ومواطنيه بنى -رحمه الله- علاقات بلاده مع أشقائها العرب والمسلمين، وأقام علاقات قوية مع المجتمع الدولي، وكان صريحاً في تعامله مع مختلف القضايا التي تهم أمته على كل الأصعدة وقد أثبتت الأحداث المتعاقبة حتى يومنا هذا، رؤيته الصائبة ونهجه الصحيح في أقواله وأفعاله؛ فكانت تلك الرؤية وذلك النهج القاعدةَ والأساس القويم، تسير عليها المملكة في جميع تعاملها داخلياً وخارجياً.
ففي الخطاب الذي ألقاه -رحمه الله- في المأدبة الكبرى التي أقامها لحجاج بيت الله الحرام في مكة المكرمة في 9 ذي الحجة عام 1364هـ الموافق 15 نوفمبر 1945م، خصص الجانبَ الأكبر من خطابه للحديث عن قضية فلسطين؛ حيث قال يرحمه الله: “إن مسألة فلسطين هي أهم ما يشغل أفكار المسلمين والعرب في هذه الأيام، وهي المسألة التي يجب أن تكون موضع عناية الجميع ومدار اهتمامهم، ومع أنني لا أحب كثرة الكلام وأفضل العمل الصامت المثمر؛ فإنني أقول بصراحة إن السكوت عن قضية فلسطين لا يوافق المصلحة، وقد سبق لي أن تكلمت مع أركان الحكومة البريطانية كما تحدثت مطولاً مع الرئيس روزفلت، وذكرت بكل صراحة الحيف الذي أصاب إخواننا عرب فلسطين والإعنات والقهر اللذيْن خضعوا لهما، وطالبت وطلبت من الرئيس الراحل إنصاف عرب فلسطين؛ إن لم يكن بالمساعدات الفعلية؛ فعلى الأقل الوقوف على الحياد وعدم مساعدة اليهود عليهم”.
وها نحن اليوم تمرّ بنا ذكرى اليوم الوطني ونحن نعيش واقعاً مشرقاً أرساه المؤسس الباني الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، نستعيد ذلك البطل وهو يقول: “أنا لست من رجال القول الذين يرمون اللفظ بغير حساب، أنا رجل عمل، إذا قلت فعلت، وعيب عليّ في ديني وشرفي أن أقول قولاً لا أتبعه بالعمل، وهذا شيء ما اعتدت عليه ولا أحب أن أتعوده أبداً”.
نعم، كان المؤسس -يرحمه الله- صادق القول، إذا قال عَمِل وإذا عمل أنجز، صاحب مبدأ وصاحب منهج سار عليه أبناؤه من بعده متلمسين خطاه، مع إضافة المزيد من الإنجازات التي تسجل لهم في التاريخ بمداد من ذهب.