تسجيل الدخول

شرح الحديث :((لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكُّله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خِماصًا وتروحُ بطانًا))

دين ودنيا
زاجل نيوز16 نوفمبر 2019آخر تحديث : منذ 4 سنوات
شرح الحديث :((لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكُّله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خِماصًا وتروحُ بطانًا))

عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول اله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكُّله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خِماصًا وتروحُ بطانًا)))330) رواه الترمذي، وقال: ((حديث حسن)). معناهُ: تذهب أول النهار خِماصا: أي: ضَامِرَةَ البُطون من الجوع وترجع آخر النهار بِطانا: أي: مُمتَلِئَة البُطونِ.

الشرح من كتاب شرح رياض الصالحين لابن عثيمين رحمه الله:

يقول النبي عليه الصلاة والسلام حاثًا أمته على التوكّل((لو إنكم تتوكلون على الله حق توَكُّله)) أي: توكُّلاً حقيقيًا، تعتمدون على الله – عز وجل – اعتمادا تاما في طلب رزقكم وفي غيره ((لَرَزَقَكُم كما يرزُقُ الطَّيرَ)) الطير رزقُها على الله عز وجل، لأنها طيور ليس لها مالك، فتطير في الجو، وتغدوا إلى أوكارها، وتستجلب رزق الله عز وجل. ((تَغْدوا خِمَاصًا)) تغدوا: أي تذهب أول النهار، لأن الغدوة هي أول النهار. وخماصًا يعني: جائعة كما قال الله تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: 3]، مخمصة: يعني مجاعة. ((تغدوا خماصًا)) يعني جائعة: ليس في بطونها شيء، لكنها متوكِّلة على ربها عز وجل. ((وتروحُ)) أي ترجع في آخر النهار، لأن الرواح هو آخر النهار. ((بِطَانًا)) أي ممتلئة البطون، من رزق الله عز وجل.

ففي هذا دليل على مسائل:

  • أولا: أنه ينبغي للإنسان أن يعتمد على الله- تعالى – حق الاعتماد.
  • ثانيا: أنه ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، حتى الطير في جو السماء، لا يمسكه في جو السماء إلا الله، ولا يرزقه إلا الله عز وجل. كل دابة في الأرض، من أصغر ما يكون كالذَّر، أو أكبر ما يكون، كالفيلة وأشباهها، فإن على الله رزقها، كما قال الله:﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَه َا﴾ [هود:6]،

ولقد ضلَّ ضلالا مبينا من أساء الظن بربه، فقال لا تكثروا الأولاد، تُضَيّقُ عليكم الأرزاق! كذبوا وربِّ العرش، فإذا أكثروا من الأولاد أكثر الله من رزقهم، لأنه ما من دابة على الأرض إلا على الله رزقها، فرزق أولادك وأطفالك على الله عز وجل، هو الذي يفتح لك أبواب الرزق من أجل أن تنفق عليهم، لكن كثير من الناس عندهم سوء ظن بالله، ويعتمدون على الأمور المادية المنظورة، ولا ينظرون إلى المدى البعيد، والى قدرة الله عز وجل، وأنه هو الذي يرزق ولو كثُر الأولاد. أكثِر من الأولاد تكثر لك الأرزاق، هذا هو الصحيح. وفي هذا دليل- أيضا- على أن الإنسان إذا توكل على الله حق التوكل فليفعل الأسباب.

ولقد ضلَّ من قال لا أفعلُ السبب، وأنا متوكِّل، فهذا غير صحيح، المتوكِّلُ: هو الذي يفعل الأسباب متوكلا على الله عز وجل، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ((كما يرزُقُ الطَّيرَ تغدو خِمَاصًا)) تذهب لتطلُب الرِّزق، ليست الطيور تبقى في أوكارها، لكنها تغدوا وتطلب الرزق. فأنت إذا توكلتَ على الله حق التوكل، فلا بد أن تفعل الأسباب التي شرعها الله لك من طلب الرزق من وجهٍ حلال بالزِّراعة، أو التجارة، بأي شيء من أسباب الرزق، اطلُبِ الرِّزق معتمدًا على الله، ييسِّر الله لك الرزق. ومن فوائد هذا الحديث: أن الطيور وغيرها من مخلوقات الله تعرفُ الله، كما قال الله تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء:44]، يعني: ما مِن شئ إلا يسبِّح بحمد الله ﴿وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [الحج:18].

فالطيور تعرف خالقها عز وجل، وتطير تطلب الرزق بما جبلها الله عليه من الفطرة التي تهتدي بها إلى مصالحها، وتغدو إلى أوكارها في آخر النهار بطونها ملأى، وهكذا دَواليكَ في كل يوم، والله عز وجل يرزقها ويُيَسِّر لها الرزق. وانظر إلى حكمة الله، كيف تغدو هذه الطيور إلى محلات بعيدة، وتهتدي بالرجوع إلى أماكنها، لا تخطئها، لأن الله- عزَّ وجلَّ – أعطى كل شيء خلقه ثم هدَى. والله الموفق.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.