يبدو أن الولايات المتحدة متحمسة بشدة لإنجاز ما يعرف بـ”صفقة القرن” المشؤمة بأسرع ما يمكن، يدعمها ردود الفعل العربية المتخاذلة والضعيفة في مواجهة القرار الأمريكي بشأن القدس الذي اتخده الرئيس دونالد ترامب، حيث يجري نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، جولة تسويقية للصفقة الصهيوأمريكية في الشرق الأوسط، محاولًا جذب المزيد من التأييدات لـ”صفعة القرن”، وسط ترحيب أردني مصري كبير.
القاهرة.. المحطة الأولى
وصل نائب الرئيس الأمريكي، إلى القاهرة في زيارة يفتتح بها جولة شرق أوسطية من المقرر أن تستمر لمدة أربعة أيام، يزور خلالها مصر والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث يحمل في جعبته العديد من الملفات، على رأسها ملف القدس والتسويق لـ”صفقة القرن”، إضافة إلى تطمينات أمريكية بشأن مستقبل المساعدات المالية، التي سبق وهدد مسؤولون أمريكيون بقطعها.
خلال زيارته إلى القاهرة، التقى بنس بالرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي وصف خلافه في الرأي مع الرئيس الأمريكي بشأن مصير القدس بـ”خلاف بين أصدقاء”، فيما أكد الأول أن الولايات المتحدة ستدعم حل الدولتين للإسرائيليين والفلسطينيين إذا وافق الطرفان، وأضاف أن الولايات المتحدة ملتزمة بقوة باستئناف عملية السلام في الشرق الأوسط، مؤكدا للسيسي أن واشنطن ملتزمة بالحفاظ على الوضع الراهن للأماكن المقدسة في القدس، وأنها لم تصل بعد إلى قرار نهائي إزاء الحدود بين الطرفين”، قائلًا: “تصوري أنه اطمأن لهذه الرسالة”، فيما أشار السيسي إلى أن تسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي لن تتحقق إلا من خلال المفاوضات على أساس حل الدولتين، مضيفا أن مصر لن تدّخر جهدًا في دعم هذه التسوية.
في مقابل أجواء الترحيب والاستقبال الحافل بمبعوث الرئيس الأمريكي، انطلقت الدعوات الشعبية لمقاطعة الضيف الثقيل؛ حيث نددت العديد من المنظمات الحقوقية الداعمة لحقوق الفلسطينيين والنشطاء السياسيين في مصر، بزيارة المبعوث الأمريكي، فيما جاءت مواقف المؤسسات الدينية داخل لتضفي المزيد من الإحراج على الإدارة الأمريكية وتعزز الموقف الشعبي، حيث أعلن الأزهر الشرف والكنيسة الأرثوذكسية رفضهما استقبال مايك بنس.
الأردن.. المحطة الثانية
انهى بنس محطته الأولى لينتقل سريعًا إلى الأردن، حيث وصل نائب الرئيس الأمريكي إلى العاصمة الأردنية عمان، ليجري مباحثات مع العاهل الأردني الملك، عبد الله الثاني، فيما يخص تعزيز العلاقات الثنائية بين الطرفين ومناقشة آخر مستجدات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما أكدت بعض التقارير أن بنس سيؤكد للجانب الأردني أنه لا يوجد تغيير كبير سيطرأ على حجم المساعدات الأمريكية المقدمة للأردن، حيث تتلقى المملكة مساعدات أمريكية فى مجالات عديدة، أهمها الدعم العسكرى والدعم المباشر لخزينة الدولة، بلغت خلال عام 2017، مليار و300 مليون دولار، ولوحت واشنطن بوقفها قبل أسابيع.
التزامن مع الزيارة، ذكرت القناة العاشرة الإسرائيلية أن رئيس وزراء كيان الاحتلال، بنيامين نتنياهو، وملك الأردن، عبدالله الثاني، أجريا محادثات هاتفية حديثًا، دون أن توضح القناة فحوى المحادثات، لافتة إلى وجود نوايا للعمل من أجل ترتيب لقاء بين الطرفين قريبًا.
وفي المقابل، أعلن ناشطون أردنيون، على رأسهم “الائتلاف الشعبى من أجل القدس” رفضهم زيارة بنس إلى الأردن، ونظموا سلسلة بشرية أمام السفارة الأمريكية فى عمان رفضًا للزيارة، رافعين لافتات ترفض القرارات الأمريكيةَ المنحازة للاحتلال، وزيارة نائب الرئيس الأمريكي إلى المنطقة.
الأراضي المحتلة.. المحطة الثالثة
من المفترض أن ينتقل بنس، المعروف بميوله الداعمة لإسرائيل في شتى المجالات، وأحد المؤيدين بقوة لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، غدًا الاثنين إلى تل أبيب، حيث يلتقي برئيس الوزراء الإسرائيلى، بينامين نتياهو، والرئيس الإسرائيلى، رؤوفين ريفلين، وإلقاء خطاب في الكنيست، فيما أعلنت السلطة الفلسطينية في وقت سابق، أن نائب الرئيس الأمريكي “شخص غير مرحب به في فلسطين”، الأمر الذي دفعه إلى إلغاء زيارته للأراضي الفلسطينية.
الأهداف الحقيقية للجولة
بعيدًا عن الأحاديث والتصريحات المُعلنة، فإن الهدف الرئيسي لزيارة بنس المنطقة حشد التأييدات لصفقة القرن، خاصة في ظل حماسة صهيونية لإنجاز الصفقة سريعًا لاستغلال حالة الخمول والخذلان العربية، حيث قالت القناة الثانية العبرية، اليوم الأحد، إن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، مُتحمس للخطة الأمريكية للتسوية، وأوضحت القناة أن نتنياهو يحاول تهيئة الأرضية لتطبيق الخطة التي تسعى لإعادة الفلسطينيين إلى الوراء حيث لا تشمل بندًا خاصًا بالعودة إلى حدود الـ67، وتسعى لتهيئة الأرضية إلى إمكانية تسليم مناطق بشرقي القدس وخارج الجدار للفلسطينيين ضمنها.
الوصول إلى هذا الهدف دفع أمريكا إلى مغازلة مصر والأردن كل على حدة، على اعتبار أن البلدين تربطهما اتفاقيات سلام وعلاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني، الأمر الذي يمكنهما من أن يكونا لاعبين أساسيين في إقناع القادة الفلسطينيين بخطة ترامب، أو على أسوأ الاحتمالات يمارسان ضغوطًا على السلطة الفلسطينية وحركة حماس التي تعكر المزاج الصهيوني بتحركاتها المقاومة، في حال فشل المفاوضين السياسيين في تطبيق الصفقة، الأمر الذي يجعل مصر والأردن قوة إقناع ومحور عربي لتدعيم قرارات الولايات المتحدة في المنطقة، خاصة بعدما تمكنت واشنطن من قطع شوط طويل في خطتها الخاصة بتطبيع العلاقات الخليجية الإسرائيلية، وأصبحت السعودية والإمارات أقرب الحلفاء العرب للاحتلال الصهيوني.
على جانب آخر، لا يمكن إغفال الربط بين زيارة بنس إلى الأردن وتزامنها مع تدخل واشنطن لحل الأزمة التي كانت عالقة لمدة أشهر عدة بين الأردن وإسرائيل، على خلفية حادث السفارة الإسرائيلية في عمان، الذي قُتل فيه مواطنان أردنيان على يد حارس السفارة، فما لبث أن تدخلت واشنطن لتحل الخلاف بين عمان وتل أبيب، من خلال تقديم الأخيرة اعتذارًا رسميًا للمملكة ودفع تعويضات لعائلات الضحايا في مقابل إعادة فتح السفارة الإسرائيلية هناك، حتى جاءت زيارة بنس إلى عمان، مستغلة عودة العلاقات الأردنية الإسرائيلية إلى سابق عهدها لتدعم عمان بدورها الصفقة الصهيوأمريكية.
هل تستيقظ الكرامة العربية؟
اللافت للانتباه والمثير للدهشة في الوقت نفسه، أن الدول العربية ترحب بزيارة نائب الرئيس الأمريكي إليها، رغم الإجراءات العدائية والتصريحات الاستفزازية التي خرجت عن الإدارة الأمريكية، على رأسها دونالد ترامب، خلال الفترة السابقة، وهنا يأتي السؤال، كيف تستطيع مصر والأردن أن يغفران للإدارة الأمريكية تهديداتها في 20 ديسمبر الماضي، بقطع المساعدات عن الدول التي صوتت لصالح القرار الذي تقدمت به كل من تركيا واليمن بهدف إبطال قرار ترمب اعتبار القدس عاصمة إسرائيل، والتي كان من بينهما مصر والأردن؟
أيضا، كيف لهما ان يتناسيان أن أمريكا استخدمت سلاح المساعدات المالية مرارًا لابتزازهما وإذلالهما وفرض إملاءاتها عليهم، وكيف لهما أن يغفلان قرار ترامب بشأن القدس الذي أثار مشاعر جميع الشعوب العربية الغاضبة والمتأججة من القرار، على رأسها الشعب الفلسطيني؟ وكيف لهما أن يعصبان أعينهما عن القرار الأمريكي القاضي بتجميد تمويلات بقيمة 65 مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، الأمر الذي يعني تجويع آلاف الفلسطينيين؟ ولماذا لم تحاسب مصر الإدارة الأمريكية على نيتها توطين الفلسطينيين في سيناء؟ ولماذا لم يحافظ الرئيس السيسي والملك عبدالله على ما تبقى من الهيبة والكرامة العربية؟
والإجابة تتلخص في أن الإدارة الأمريكية تمكنت من ابتزاز الدول العربية كافة، على رأسها السعودية والإمارات وقطر ومصر والأردن، من خلال مختلف الملفات؛ فبعضها يتم ابتزازه بالمساعدات المالية والاقتصادية، وبعضها الآخر بالسكوت على جرائمه ودعمه للإرهاب، الأمر الذي جعل حكام هذه الدول دمية في يد واشنطن، يسهل تركيعها وإخضاعها للأوامر الصهيوأمريكية.
ورغم أن جميع المؤشرات ترمي إلى اقتراب بنس من إتمام صفقة بلاده مع الأردن ومصر مثلما أتمها مع السعودية والإمارات، إلا أنه لاتزال هناك بعض الآمال بأن يعود نائب الرئيس الأمريكي إلى واشنطن بخفي حنين، دون أن تأتي جولته بأي جدوى ولا تحقق أيًا من الأهداف الصهيوأمريكية، تكمن في ما تبقى من نخوة وكرامة عربية قد تثور لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.