تسجيل الدخول

جنان خشوف…مسدس سلف

واحة الأدب
زاجل نيوز27 أغسطس 2020آخر تحديث : منذ 4 سنوات
جنان خشوف…مسدس سلف

لم تكترث جنان خاشوف في سيلان حبرها لخواء الروح وفراغ الدنيا، بل أبهجتنا برقص الكلمات فوق سطور كتاب “مسدّس سلف” الصادر عن “دار منتدى المعارف”.
كم كان عذبًا ذاك الأدب المنساب ترنحًا، المدهوش من أفلاك العيون، ليشدّنا إغراء السطور دون كلل.
أفرغ الوقت أحشاء الزمن، وما تيسّر من شغف دافق خارج من قنوط بطلات الرواية، فكن بارعات في قطف العسل من بين الأشواك، ليتذوقن الفرح دون جبن او تردد.
لم يخضع قدرهنَّ لمزاج الأفق الدامي عند مساء العلاقات، فظهر بعد غروبها كترف شجرة كسولة بعد القطاف. وقفن على حافة اللحظة صامتات، يستعدن رنين القلوب، مسافرات على أجنحة طائر مجهول دون اتجاه أو صواب.
الأمنيات هباء، والنشوة قناديل تضيء الأرواح، فتتداعى الأجساد أمام واحات الشغف: “كيف أعرف مدى انجذابي الجسدّي وأنا أتخيل الأجزاء ولا أراها؟”.

خلال القراءة نحتاج لترميمٍ عاجلٍ للحواس وعذرية الكلمات، ويكون المنطق جسر عبور نحو التأمل، عندها سارت المعاني نحو أهدافها بنبضٍ هادرٍ وشهوات فراشة: “منذ بدايتي لم أؤمن أن قيمتي تكمن في غشاء بين ساقيّ”.

أدّى الرجال في الرواية دور الضحية أربعًا وعشرين ساعة باليوم، وهم الحكم والجلّاد طول العمر: “لن يوقفني أحد، ولا غشاء عذرية، ولا زوج (واطٍ)”.

جمال ينشد الانعتاق والمتعة، امرأة تعوّض حبًا قديمًا بحياكة اسطورة جديدة توشمها بدقائق جسدها: “كانت شامتي أحد أسباب شعري المنسدل على الدوام، أعلى عنقي قريبة من أذني، تقف بعنجهية لتعلن تمرّدها على عنقي الابيض، وتعلن حكمها على حاملها، وكم كرهت تواصل عينيَّ مع أحدهم فيما يتلّهى عنيِّ بالتلصّص على شامتي”.

نساء تسامر الليل ببوح زفراتها المتكسّرة على حفافي التعب، ونجوم العتمة تداعب أشواقهنّ المتمردة متزينة بالحياء: “تضاجع أحدًا يسوقك الأدرينالين، والرغبة والهرمونات التي تطفىء دماغك، أمّا أن تغفو بجوار أحدهم، فينطفىء كل شيء سوى الدماغ، وبيقى الجسد يقظًا في حالة عدم الأمان التام الشامل!”.

الغيرة باب كل خصام مع أرق الترحال، تبعث للشهوة إذن الخروج من قمقمها كل يوم: “هل هو مرض نفسي أن أغار من زوجتك عندما تلامسها، كأنك تخونني معها، ولست تخونها معي”.

يسير الرجال مع بطولاتهم بزهو عاشق مهزوم، كأنهم ملائكة تحاكي المستحيل والشياطين: “تطلبين مني حبًا كعبودية وأنت حرّة كمهرة جامحة”، بينما ترتشف النساء القلق مع قهوة الصباح بغصّة من فنجان اللّا ثقة: “هل أغار عليك من فرس؟ وما هذا الحب الطوباوي العابر للقارات”. لكن عند الثقة بالنفس يعاركن عتمة مستترة وراء خيال ساكنٍ، منتصرين عليها، غافلات عن اشلاء متعة تنطفىء وتتلاشى مع بزوغ فجر العودة: “أنظر في عشرين أمرأة ينظرن إليك كالمخلّص، فلا يرف لي جفن، بل أضحك من جهلهنّ”.

فصل قاتم من حياة الوطن، حاولت الكاتبة أن تُظهره برفع الستارة عنه ولو قليلًا، فكان الظلام في كل مكان رغم رفعها. ظلام في النفوس قبل نصوص الفتاوى: “كان أخي بطل حرب ساقطة، يهرب من دكّان جدّه ليسرق موجة هاربة، ويعود بملح الايام يخبره للغرباء وهو طفل وحيد”.

رواية تصف نساء يصارعن طواحين القلق منذ أزمنة، دون أي انتصار أو هزيمة، يسكبن الأفكار في وعاء الأمل بدقة متناهية، لكنهن لم يلمّعن الحقيقة بمساحيق الزيف، لتبقى واقعية، بهية وأكثر وأقل قسوة عليهن وبريقًا للآخرين وخصوصًا لأزواجهنّ.

أطللن من عزلتهنّ خلسة، لاقتناص عبور الفرح على أزقة الغموض، لكنّهنّ رتّبن حياتهنّ من جديد حيث الفجر لا يطرق بابهنّ، بل يمسح هلوسات الليل.

لماذا يا جنان خاشوف لم تعطي القارئ القليل من السكّر لمرارة الوقت، بل جعلتِه يلتحق بسأم قطار العمر السريع، الهارب من أوهام المحطات وغباوة العابرين. لماذا ايتها الكاتبة، جعلتِ سمو الشيخ المقتدر يحيا مع أريج إمراة دون عنوان، نزعت عن كاهلها ركام السنوات حين عانقته بأحاسيس متوهجة، ولم تمهر غدها بإسمها وأمسها؟ لماذا جعلتِ حياة نساء الشرق شهوة فائضة، تهدر في حواس العتمة، فتكبلها الأشواك العتيقة وتتراقص على أنغام الأحلام قبل انفلاش الواقع محذرًا من تشتّت العائلات؟

واقع الرواية كواقع الحياة، جعل النساء يتأرجحن بين ملهمة على الارض لها معنى الوجود، ونسر يهوى التحليق فكرة مع آلهة السماء، فكان قدرهنّ القاتم كانفجارٍ سلف، جعلهنّ أكثر حذرًا بالمشاركة في سيرك البلهاء رقصًا فوق رماد الأرواح.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.