تعتقد الكثير من الأسر الجزائرية أن إحكام قبضتها على الفتاة يحتاج إلى”ترسانة” من الأوامر والنواهي الكفيلة بمصادرة أحلامها التي تنسجها في الظل، وأن أي محاولة لاختراق قوانينها الصارمة يستلزم الحراسة المشددة والأبواب المغلقة، غير أنه غاب عن هذه الأسر أن الأوامر والنواهي التي تصدر كالرصاصات الطائشة ما تلبث أن تسقط في الماء، وأن الأبواب ليست وحدها التي تؤدي إلى عين الشمس. ولعل ما يفسر حركات التمرد التي تحدث في البيوت المتزمتة، أو المتطرفة في تعاملها مع الفتاة، هو هذا الجو المشحون بالضغط وما ينجم عنه من شعور بالاهانة والاستبداد والذي غالبا ما يؤدي إلى التفكير في الثأر للمشاعر التي داسها الأهل دون أن ينتبهوا إلى أنهم يتعاملون مع كائن بشري، وليس آلة بدون أحاسيس.
من الريف إلى أضواء المدينة
تعد البيئات الريفية، من أكثر البيئات التي تنتشر فيها مظاهر العنصرية والاستبداد بالرأي الذي يطال أبسط الحقوق، كالتعليم الذي تحرم منه الفتاة في سن مبكرة حتى ولو كانت متفوقة في دراستها، بل إن هناك أسرا تمنع بناتها من دخول المدارس نهائيا، وربما هذا ما يفسر انتشار الأمية بنسب عالية في الأرياف، والحرمان من الدراسة ليس هو الفاتورة الوحيدة التي تدفعها الفتاة الريفية لكونها أنثى، بل تدفع معها نسمة الهواء التي لا تشتمها إلا في القليل النادر، لذلك يصبح البحث عن الحرية خلف أسوار هذا السجن الصغير الذي يسمى بيتا، مطلبا أساسيا لبعض الريفيات اللواتي طال انتظارهن للفرج.
سعدية أو سعاد واحدة من الريفيات اللواتي ضاق صدرهن بتسلط الأهل الذين لم يشعروا بقسوة ما اقترفت أيديهم بحق هذه الفتاة إلا عندما استيقظوا على خبر هروبها من البيت في ساعة مبكرة من أحد الأرياف التابعة لولاية سطيف دون أن تفكر في عواقب ما أقدمت عليه، فالمهم عندها أن تتحرر من ظلم الإخوة الذين كانوا يعاملونها كما تعامل البهائم، سعاد، هذا هو الاسم الجديد الذي اختارته لنفسها ليتناسب مع المدينة، تعتبر هروبها من البيت ردا للاعتبار وانتقاما لكرامتها.
سرقت المجوهرات وهربت!
منيرة أيضا، فتاة ريفية في ال14من عمرها، لم تجد وسيلة لتنتقم بها من أبيها الذي حرمها من الدراسة بتحريض من زوجته القاسية بدعوى المحافظة عليها من ذئاب الطريق سوى سرقة مجوهرات زوجته والفرار بها إلى أحد أقاربها الذين أوهمتهم أنها جاءت لتقضي عندهم يوما واحدا لتعود إلى بيت أهلها، غير أنها لم تعد إلى البيت، بل توجهت إلى العاصمة على متن الحافلة، حيث تم اكتشاف أمر هروبها من طرف دورية للشرطة وتم استدعاء والدها الذي لم يصدق أن ابنته التي كانت تنفذ الأوامر دون نقاش، يمكن أن تتمرد عليه بهذه الطريقة الخطيرة، وإذا لم يفهم الأب هذه الرسالة فسيبدأ حتما فصلا جديدا من الحصار والمزيد من القسوة التي تؤدي إلى التفكير في طريقة الانتقام من الأسرة التي ينعدم التواصل بينها وبين ابنتها التي تعتبرها “همّا” كبيرا، والتي تستغل أي سبب مهما كان تافها للاعتداء عليها جسديا ومعنويا، فمثل هذه الأسر عليها أن تغير أسلوبها وتحاول أن تحتوي بناتها وأن تتفهم رغباتهن وأن تراعي ظروفهن النفسية، وإلا فإنها ستواجه مشكلة كبيرة لن تجد الوقت ولا الظروف لحلها أو إصلاحها.