تسجيل الدخول

أنطون سعادة… لم يكن سياسياً فقط ولا مؤسس حزب بل مؤسس قضية أمة وكاشف قوة نهضتها

واحة الأدب
زاجل نيوز30 سبتمبر 2020آخر تحديث : منذ 4 سنوات
أنطون سعادة… لم يكن سياسياً فقط ولا مؤسس حزب بل مؤسس قضية أمة وكاشف قوة نهضتها

مدرسة أنطون سعاده الفكرية جاءت بفلسفة عميقة تعبر عن جوهر نفسيتنا وشخصيتنا وتراهن على ما فينا من قدرة وقوة وإبداع، فلسفة ُتعلّمنا انه إذا لم تُنزّه نفسيتنا عن العوامل الخارجية وسيطرة النفسيات الغريبة فإن أمتنا ستبقى فاقدة استقلالها الحقيقي وفاعليتها الذاتية في هذا الوجود.
وإذا حاولنا أن نستقصي التأثير لا بل الآثار التي تركتها مدرسة سعاده والتي ما زالت تنتج عنها في جميع شؤون الحياة لاحتجنا إلى وقت طويل لتعداد هذه الآثار. لذلك أكتفي هنا بالقول إن من نتائج آثار المدرسة القومية الاجتماعية في حقول الفكر والقانون والثقافة والفلسفة والآداب والمسرح والموسيقى والفنون مئات الكتب والمؤلفات والمطبوعات والدراسات الأكاديمية وعدد كبير من النشاطات الأدبية والشعرية والأعمال الفنية والمسرحية والمشاريع القانونية والدستورية والندوات التربوية والفكرية حول مواضيع مختلفة تخص مجتمعنا السوري وكيفية النهوض به.
ولقد كان لظهور المدرسة القومية الاجتماعية أثر بالغ وعميق في المجال السياسي تبدو عوارضه في الخطاب السياسي والمفاهيم السياسية والشعارات الوطنية والحزبية وفي لغة ومواضيع الإعلام ووسائله المختلفة وبرامج المرشحين في الانتخابات النيابية، كما تبدو في مجرى الحياة السياسية والأحداث التي شهدتها ساحتنا القومية منذ عام 1935 ابتداء بمعارك الاستقلال ضد الانتداب ومروراً بالانقلابات العسكرية والمحاولات الثورية حتى أحداثنا الأخيرة بما فيها معارك التحرير والعمليات الاستشهادية ضد العدو اليهودي. وفي المجال السياسي ايضاً، يمكن الإشارة إلى ان مدرسة سعاده لم يقتصر دورها على تخريج المناضلين المنضوين في صفوف الحزب، بل على تخريج أشخاص انصرفوا إلى العمل السياسي خارج صفوف الحزب فبعضهم وصل إلى مواقع السلطة التنفيذية والتشريعية والعسكرية وبعضهم الآخر انصرف إلى تأسيس، أو المساهمة في تأسيس وقيادة أحزاب وتنظيمات أخرى.
اهتم سعاده بالأدب والقضية الأدبية في سورية، وذلك ‏لأن الأدب يشكل إحدى ركائز النهضة القومية التي ‏أرادها لمجتمعه. وخلال انشغاله في هذا الميدان ‏اضطر إلى أن يتناول بالنقد والتحليل أعمال كبار أدباء ‏زمانه وشعرائه وذلك لما رأى في أعمالهم من تقليد ‏وفوضى وعدم إبداع ومن أدب ذليل وعقائد مسمِّمة ‏للنفوس لا بد من مواجهتها من منطلق المصلحة العامة ‏للمجتمع لأنها تمثّل عقلية الانحطاط والسفول والأنانية‏‏. وكما شنَّ سعاده حرباً على أعداء الأمة الداخليين من ‏إقطاعيين ورأسماليين ورجال السياسة النفعيين كذلك ‏شنَّ حرباً على الأدباء والشعراء الرجعيين الذين بدلاً ‏من أن يساهموا في نهضة شعبهم وفي السير به نحو ‏مراتب العزّ والفلاح والتقدم، راحوا يكرّسون حالات ‏الفوضى والذل والشك والانحطاط التي يعاني منها ‏مجتمعنا وذلك بما أثاروه في أدبهم من نعرات مذهبية ‏وفئوية وخصوصية ومن مواضيع لا ترمي إلا إلى ‏حب الذات والأنانية والمجد الشخصي.
لذلك كتب سعاده عن الحاجة إلى التجديد الأدبي في ‏سوريه ودعا الأدباء والشعراء السوريين إلى الأخذ ‏بنظرته الجديدة الى الحياة والكون والفن لينتجوا على ‏ضوئها أدباً جديداً خارجاً من صميم حياتنا السورية ومعبراً ‏عن مطامحنا ومثلنا العليا في الحياة، أدباً جميلاً نكتشف فيه تاريخنا وحقيقة نفسيتنا التواقة ‏الى الإبداع والتقدم والجمال، أدباً يفهم حياتنا ومقوماتها ويرافقنا في تطورنا فيكون ‏لنا منارة هادية بأنوارها وليس مرآة تعكس ما في ‏مجتمعنا من حالات الفوضى والاستكانة والذل.
هذا الأدب الجديد الذي دعا إليه سعاده كي يتحقق النهوض للشعب كله هو أدب الحياة الذي تكمن فيه عوامل التجديد وتنبع منه روئ جديدة تسير بنا إلى تحقيق الحياة الجميلة والسامية التي نطمح اليها. وبهدف إنتاج هذا الأدب الجديد خاطب سعاده جميع شعراء سورية قائلاً:
«تعالَوا نرفع لهذه الأمة التي تتخبط في الظلمات مشعالاً ‏فيه نور حقيقتنا وأمل إرادتنا وصحة حياتنا. تعالوا ‏نشيد لأمتنا قصوراً من الحب والحكمة والجمال والأمل ‏بمواد تاريخ أمتنا السورية ومواهبها وفلسفات ‏أساطيرها وتعاليمها المتناولة قضايا الحياة الإنسانية ‏الكبرى. تعالوا نأخذ بنظرة إلى الحياة والكون والفن نقدر، على ضوئها، أن نبعث حقيقتنا الجميلة العظيمة من مرقدها – حقيقتنا التي لا ترى الحب خدوداً ونهوداً وقدوداً دونها القتاد والقصّ، ولا ترى الشباب أفواهاً ملصقة بأفواه وشرراً محتدماً في المقل وثغوراً لاهبة تضطرم فيها شعلات القبل، بل ترى الحب نفوساً جميلة في مطالب عليا عظيمة تحمل النفوس في سبيلها المشقات الهائلة التي يذللها اتحاد النفوس في وحدة الشعور والمطلب– الحب الذي قرّب فماً إلى فم سكب نفساً في نفس، وكل واحدة تقول للأخرى، إني معك في النصر والاستشهاد من أجل ما تأبه نفسانا إلاه، ولا تستعظمان أمراً ولا تضحية يكون بهما بلوغه والاحتفاظ به».
ويضيف سعاده:
«تعالوا نقيم أدباً صحيحاً له أصول حقيقية في ‏نفوسنا وفي تاريخنا. تعالوا نفهم أنفسنا وتاريخنا على ‏ضوء نظرتنا الأصلية الى الحياة والكون والفن. بهذه ‏الطريقة نوجد أدباً حياً جديراً بتقدير العالم وبالخلود».
سعاده وجّه أنظار الأدباء والشعراء إلى الأساطير السورية الأصلية الراقية واهتم ببعثها والتأمل في مضامينها للأسباب التالية: أولاً، لأنها تعكس عظمة التصوّر السوري، والتفكير السوري في قضايا الحياة وأسبابها وأشكالها. ثانياً، لأنه أراد خلق حالة من الاستمرار الفلسفي بين التراث السوري القديم والإبداع السوري الجديد. وهو القائل بالاستقلال الروحي وضرورة العودة إلى تراثنا الغني لننهل من مآثره الثقافية وكنوزه الروحية الثمينة ولنحقق «التجديد النفسي والأدبي والفني الذي نشتاق ونحنُّ إليه بكل جوارحنا»، لأنه لا نهضة ولا تجديد بالتخبط الفكري والاقتباس عن الآداب الأجنبية وبالانسلاخ عن حقيقتنا وتاريخنا، بل بالعودة إلى ذاتنا الأصلية، إلى جذورنا وماضينا وإلى ما يتكشّف عنه هذا الماضي من فكر ورؤى ومُثلٌ ومن نبوغ ورقي وحافز روحي يحرّك عوامل الحياة والارتقاء. وثالثاً، لأن هذه الأساطير احتوت على معاني فلسفية عميقة مرتبطة بالوجود الإنساني وقضاياهما تضمنت حكماً غنية وقيماً روحية وإنسانية أراد سعاده ترسيخها في النفوس من أجل تحقيق النهوض القومي. وهو قال:
إلى مقام الآلهة السورية يجب على الأدباء الواعين أن يحجوا ويسيحوا فيعودوا من سياحاتهم، حاملين إلينا أدباً يجعلنا نكتشف حقيقتنا النفسية ضمن قضايا الحياة الكبرى التي تناولها تفكيرنا من قبل في أساطيرنا، التي لها منزلة في الفكر والشعور الإنسانيين، تسمو على كل ما عرف ويعرف من قضايا الفكر والشعور.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.