الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، فرضه الله على كل المسلمين ودعاهم إليه على أن يقوم به من إستطاع إليه سبيلا بتمكين من الله عزّ وجلّ، فهو إعلان بتمام نعمة الله على الإنسان بأن الله عزّ وجلّ هو الخالق البارئ الرزّاق الحميد الذي مكّن الإنسان أن يقوم بما عليه حامداً شاكراً مقرّاً له بالعبودية وبقدرته وبعزّته وبتمكينه للعبد المؤمن للحج وإختياره من بين آلاف الناس لتلبية نداء الحج وإعطائه فرصة قد لا تتكرّر في الحياة.
ومن هنا لا بد من ملاحظة أن الحج تميّز عن باقي أركان الإسلام بأمرين، أولهما بأنه الوحيد الذي يعطي المؤمن لقباً، فلا نقول المصلّي أو المزكّي ولكن نقول الحاج لمن حج بيت الله الحرام. أما الأمر الثاني فهو أنه الفريضة الوحيدة المقيّدة في زمان أي شهر ذي الحجة ومكان أي بيت الله الحرام فكانت لمن إستطاع إليه سبيلاً ولذلك كان جزاؤها غفران الذنوب، ففريضة الحج من أكثر الفرائض مشقّة على النفس المؤمنة.
فخلال موسم الحج في كل عام تمتلئ القلوب شوقاً لأداء فريضة الحج لما في ذلك من متعة روحية لا تعادلها متعة أخرى، من إحساس بالقرب من الله ومن انشغال بالله سبحانه وتعالى عن خلقه جميعاً تدخل الإطمئنان في قلب المؤمن. ومن خلال أداء مناسك الحج يتعلّم الإنسان كيف أننا جميعنا متساوون أمام الرحمن، حيث يلبس الجميع لباساً واحداً لا يختلف فيه الواحد عن الآخر.
والحجاج هم ضيوف الرحمن ولذلك فعلى المؤمن أن يقوم لأداء هذه الفريضة وفق ما تقتضي أخلاقيات الضيف المؤمن الذي يريد تجديد عهده مع الله سبحانه وتعالى بالتوبة النصوحة فيترك كل شيء ويتفرّغ لعبادة الله من صلاة وطواف وتلبية وذكر وتسبيح، يترك بيته ووطنه وأهله وثيابه وأشياء كثيرة أحلّها الله له ويلتزم الأدب مع الكون كله.
فكيف نستعدّ للحج خاصة في ظل الظروف الحاضرة التي تمرُّ بها الأمة الإسلامية وما تشهده من نقاط خلاف واختلاف وصراعات تهدّد بالنيل من وحدة الأمة في زمن الفتن التي لا تتوقف؟!
هذا ما حاولنا أن نعرفه من خلال اللقاء مع السادة العلماء لإستكشاف السبل الآيلة إلى تجديد علاقتنا بالله في موسم الحج وإلقاء الضوء على الإستعداد التي يسعى كل مسلم من خلالها للإعداد لهذا الموسم.
الصلح
{ بداية قال مفتي بعلبك الهرمل الشيخ خالد الصلح أن موسم الحج عند المسلمين مرة في العام تأكيداً على إعلاء كلمة الله وإجتماع المسلمين في قبلة واحدة وموقع واحد للتأكيد على وحدة الأمة الإسلامية وتضامنها ومحبّتها لبعضها البعض، وعلى التوبة الصادقة عما مرّ من معاصٍ في حياتهم، متقرّبين إلى الله مبتعدين عن المعاصي، طالبين الغفران من الله مؤدّين لما أمرهم به رافعين أصواتهم بالتلبية والتضامن، رافضين للمعاصي التي تزرع الشقاق والخلافات فيما بينهم وتفرّق البلاد والعباد. فالحج إنما هو تلبية لنداء الله وتوبة عمّا نهى عنه الله وإرتقاء إلى غفرانه وبُعد عن معصيته، نسأل الله الغفران لذنوبنا وآثامنا وعلى هدايتنا إلى سواء السبيل.
وأَضاف: علينا أن ندرك بداية أن شهر ذي الحجة يحمل إلينا الفرصة لتحقيق ما أراده الله لنا وذلك عبر أيام العمل الصالح التي أعلمنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «أن ما من أيام العمل الصالح أفضل منه في هذه العشر – العشرة الأوائل من شهر ذي الحجة –»، لأنها تحمل إستعدادنا لموسم الخير، وتهيّؤنا لموسم الحج بقلب صادق ونيّة كاملة وتصحيح ممارساتنا في علاقاتنا مع بعضنا البعض، ثم الحج إلى بيت الله الحرام حيث يقوم المسلمين من جميع أرجاء الأرض بالإجتماع واللقاء على التلبية للّه وأداء مناسك الحج المستوحاة من حياة سيدنا إبراهيم عليه السلام وما مرّ به في مواجهته للشيطان للتأكيد على وحدة المسلمين وترابطهم وتضامنهم كأمة واحدة، ثم الإحتفال بعيد الأضحى المبارك الذي يجتمع فيه الناس فرحين متضامين مؤكّدين على تواصلهم وتراحمهم وتعاونهم كما أراد الله.
مختتما بالقول إن رحلة الحج هي رحلة العمر التي يقدم عليها الإنسان وهو طاهر القلب والنيّة ساعياً إلى رضى الله بعد أن ينتهي ما عليه من حقوق للعباد التي لا تغفر حتى إن حج الإنسان لأن سداد الحقوق من كل ما عليها، عبر رد المظالم إلى أهلها والحفاظ على الموّدة في المجتمع بين المسلمين حتى لا تبقى نفوساً حاقدة تحمل في نفوسها الضغينة لمن ظلمها وأكل أموالها ولذلك فإن هذا التطهير للنفس هو من أهم أركان إستعداده للحج وتقبّل الله حجته فلا يصح أبداً أن يحج المرء إلى بيت الله الحرام وفي ذمته دين للآخرين دون أن يطهّر نفسه منها، ولعل تبرئة ذمة الحج إلى بيت الله الحرام هي الأساس في حفظ حقوق الناس وإبعاد الضغائن والخلافات عن المجتمع والتوبة إلى الله فإن المعروف أن الخلافات المالية هي أكثر ما يثير الضغائن والأحقاد بين الناس.
{ أما القاضي الشيخ أحمد درويش الكردي فقال: إذا كان الحج إحراما ولا حج من دون إحرام، فلنكن دائمي الإحرام ملبّين للّه حامدين شاكرين. وإذا كان الحج عبادة وفيه الطواف فيه سبعا والسعي سبعا والرجم سبعون، ففيه إعلان الولاء الكامل للّه والحرب على الشيطان، هذا ما يجب أن يكون الأوضح في سلوك المسلم وفي عبادته من إعلان الحرب على الشيطان والولاء لرب العزّة. فإعلان الحرب على الشيطان لا يجب أن تنحصر بأوقات الحج بل في جميع تصرّفات المسلم عبر الإبتعاد عن كل ما ينهاه الله وعدم الإستماع لوسوسة الشياطين، وإذا كان إعلان الحرب على الشيطان في أيام الحج عبارة عن رجم الجمرات، فإنه في خارج أيام الحج ممارسة فعلية ظاهرة في تصرّفاتنا عبر رفض كل ما يسوّله لنا الشيطان في أنفسنا.
وأضاف: كما وانني أتوجه بهذه المناسبة لكل المؤمنين الذين انعقدت نيّتهم لأداء فريضة الحج أن يستعدّوا لأداء هذه الفريضة لتبرئة ذمّتهم أولاً من الحقوق والواجبات وخاصة الديون ثم القيام بصلة الأرحام وتوديع النّاس وطلب المسامحة منهم حتى يخرج الحاج تائباً مقبلاً على الله تعالى، وكذلك ينبغي لمن انعقدت نيّته لأداء فريضة الحج أن يتعلّم أركان هذه الفريضة، وعلى المسلمين استقبال هذه الأيام بالتوبة والإقلاع عن جميع المعاصي حتى يترتب على أعمالهم المغفرة والرحمة والتوفيق، فالتوبة الصادقة النصوحة متأكدة في هذه الأيام كما انها واجبة في كل وقت من كل ذنب، لكنها في مثل هذه المواسم والمناسبات واجبة فإذا أصبح للمسلم توبة نصوحة مع أعمال فاضلة في أزمنة مباركة فذلك عنوان لصلاحه وفلاحه.
كيفية استقبال موسم الحج
رابط مختصر
المصدر : https://zajelnews.net/?p=86585