سنوات طويلة قضاها العالم اليابانى «كازوتوشى موراى» في دراسة الخلايا البشرية، حاول خلالها فهم آليات عمل البروتينات ووظائفها المختلفة، ومؤخرًا، تمكن من الكشف عن أنظمة مراقبة الجودة داخل الخلايا، الأمر الذي مهد الطريق لفهم التدابير التي تتخذها البروتينات للتجمع على نحو ضار داخل الخلية بشكل يُسبب العديد من الأمراض الوراثية الخطيرة، أبحاثه الثورية كشفت جوانب غير متوقعة عن الخلايا الحية، ما جعله مُستحقًا لجائزة «ألبرت لاسكر» للأبحاث الطبية الأساسية التي تُعادل في قيمتها العلمية جائزة نوبل الشهيرة. في حواره مع «المصرى اليوم» يتحدث العالم اليابانى الشهير عن اكتشافه الجديد، وعن خطواته القادمة في مجال البحث العلمى.
يعمل «موراى» في جامعة «كيوتو» اليابانية أستاذا لعلوم الخلايا الجزيئية، ويهتم الرجل الذي يبلغ من العمر 58 عامًا بدراسة وظائف البروتينات داخل الخلية، وهى المكون الرئيسى للعظام والعضلات والأوعية الدموعية، وتُعد البروتينات الدعامة الرئيسية في الأنظمة الحية، إذ تقوم بنقل الإشارات الخلوية وتنظيم العمل داخل الجسم، عبر عملية تُسمى «الطى»، وفيها، تتجمع البروتينات حول نفسها بآلية مُعينة، فإذا ما كان حدث خطأ ما في عملية الطى، فقد يُصاب الشخص بعدد من الأمراض، من ضمنها، ألزهايمر وجنون البقر والتليف الكيسى.
يقول «كازوتوشى موراى» في حديثه لـ«المصرى اليوم» إنه تعرف على البروتينات لأول مرة بشكل علمى عام 1989، وقتما كان يدرس علوم الخلية ضمن برنامج الدكتوراه في جامعة أمريكية بولاية تكساس «كنت حسن الحظ حين أوفدتنى اليابان للدراسة في جامعة تلك الولاية التي كانت تهتم بشكل خاص بعلم جديد يُدعى طى البروتين». وقتها، وقع «موراى» في غرام البروتينات، وفرغ وقته لدراسة آليات عملها في محاولة لفهم أفضل لعالمنا الحيوى. تتكون البروتينات بشكل أساسى من الهيدروجين والكربون والكبريت والنيتروجين، علاوة على عناصر أخرى، وتُبنى البروتينات في خطوتين داخل الخلية، يُعرفان بالنسخ والترجمة، بعدها، يبدأ البروتين في ممارسة مهام عمله، وأثناء عملية تكوين البروتين، يحدث الطى بسرعة مُذهلة، تبلغ جزءا من مليون من الثانية، ويُعد فهم طريقة طى البروتين وسيلة فعالة من ضمن وسائل فهم الأمراض المستعصية على العلاج.
«بدء مشروع العمر حينما كنت في تكساس»، يقول «موراى» في حديثه لـ«المصرى اليوم»، درس اليابانى البروتينات باستفاضة لمدة 4 أعوام كاملة، ثم عاد إلى بلده الأصلى ليؤسس معملاً على أعلى المستويات داخل جامعة «كيوتو» وبدء في إجراء تجاربه الخاصة، في محاولة لفهم أخطاء عملية طى البروتين، كان السؤال الأول الذي يُفترض الإجابة عنه: لماذا تُطوى البروتينات بشكل صحيح في أحيان كثيرة وبشكل خاطئ في أوقات أخرى؟ استطاع الرجل أن يُجيب عن السؤال باكتشاف نظام لمراقبة جودة عملية الطىّ داخل الخلية، فإذا ما كان ذلك النظام مُفعلاً بطريقة سليمة، تخرج عمليات طى البروتين بصورة مثالية، أما إذا ما انتاب ذلك النظام خللاً ما، تُصبح عملية الطىّ خاطئة، ما يتسبب في الإصابة بالأمراض المختلفة.
«التنظيم» هو مفتاح «موراى» السحرى في الحياة، وإدارة الوقت فن «يجب أن يُجيده العلماء بقدر ما يجدون العلم». فالرجل متزوج وله أطفال وهو لا يسمح أن يطغى عمله على حساب عائلته، ففى نهاية المطاف، تبقى العائلة، حسبما يقول. وينصح اليابانى نُظراءه من الباحثين الشباب بضرورة العمل بكد لحل المشكلات والإجابة عن التساؤلات، والاطلاع على نتائج الأبحاث الجديدة، والبناء عليها والتعاون والتشارك، لكن مع أخذ هُدن بين الفينة والأخرى، ليستريح العقل ويسترخى الجسد.
تُعد جائزة «ألبرت لاسكر» الرفيعة التي حصل عليها «كازوتوشى موراى» عام 2014 إحدى الجوائز التي تُمهد للحصول على جائزة نوبل، فأكثر من 65 % من الحاصلين على الجائزة تمكنوا من اقتناص «نوبل» الطب، إلا أن العالم اليابانى يرى أن فُرصه في الحصول على «نوبل» في الوقت الحالى ليست كبيرة: «لا يعنى حصولى على لاسكر أن أرشح لنيل شرف نوبل.. ولكنى بالطبع، وكأى عالم في أي مكان، أتمنى الحصول على نوبل في وقت ما».
في العام الماضى، كان «موراى» ضمن مُرشحى مؤسسة العلوم التابعة لوكالة طومسون رويترز الشهيرة للحصول على نوبل في عام 2015، إلا أنه لم يحصل عليها وذهبت الجائزة لثلاثة علماء طوروا طُرقا جديدة لمحاربة الأمراض الطفيلية الأكثر قسوة- الملاريا، وعمى النهر.
كان الاكتشاف من الصعوبة بمكان لدرجة أنه استغرق نحو 20 عامًا كاملة، ويرى «موراى» النتائج كانت تستحق الانتظار، فـ«كل شىء في ذلك الاكتشاف كان مُثيرًا وجديرا بالاهتمام لسنوات».
تحدى المجهول أحد أهم مميزات العلوم، كما يرى «موراى» الذي يعتبر كشفه الجديد «نقطة صغيرة» في محاولات فهم آليات عمل الخلايا في المستقبل «وضعت اللبنة الأولى في جدار ضخم.. بقية اللغز ستحل في المستقبل».