قال الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، إن “الإمارات والسعودية تملكان رؤية شاملة تجاه التحديات التي قد تواجه المنطقة وفق استراتيجية تعاون وتنسيق مشترك”، مشدداً على “عمق الروابط التاريخية ومتانة العلاقات الاستراتيجية مع المملكة العربية السعودية الشقيقة”، بحسب ما نقل عنه الإعلام المحلي الرسمي. فما هي هذه الرؤية المشتركة، وهل هي طرح جديد أم إحياء لرؤية قديمة، وما مدى صلاحيتها للتحديات من الأساس، وما مدى تطابق الرؤى والمصالح بين أبوظبي والرياض حتى تعبر عنهما رؤية “شاملة مشتركة”، ولماذا لم يصدر هذا التصريح في بيان مشترك من الجانبين؟
الرؤية المشتركة.. طرح قديم
بعد الربيع العربي وفي آخر سنوات الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وتحديدا في (20|5|2014) أعلنت أبوظبي والرياض عن إنشاء لجنة عليا مشتركة “تعمل على تنفيذ الرؤية الاستراتيجية لقيادتي البلدين للوصول الى آفاق أرحب وأكثر أمنا وأستقرارا لمواجهة التحديات في المنطقة”. هذا حرفيا ما صدر عن وكالة البلدين الرسميتين في أعقاب لقاء بين محمد بن زايد ووزير الخارجية الراحل سعود الفيصل و وزير الداخلية آنذك محمد بن نايف، وذلك بعد نحو شهرين من “أزمة سحب السفراء من قطر”.
وبعد تسلم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي لمنصب الرئيس في مصر، تم الإعلان عن انضمام القاهرة للجنة. ولكن هذه الرؤية والاستراتيجية لم تر النور إذ بعد نحو 7 شهور توفي الملك عبدالله وتولى الملك سلمان مقاليد الحكم، والذي كان له مسار آخر كما سنرى بعد قليل.
مضمون الرؤية والاستراتيجية
رؤية أبوظبي والرياض قبل الملك سلمان تم ترجمتها بدعم الانقلاب في مصر ودعم الثورات المضادة وفق ما تشير المصادر الدبلوماسية والإعلامية الغربية فضلا عن الواقع الذي يلمسه الشارع العربي برمته، والتصريحات الرسمية لكلا البلدين.
وقد ساعد الانقلاب على تقدم السعودية والإمارات بطرح هذه اللجنة والرؤية القائمة على فرض سيطرة الأمن -ليس كحالة أمن وأمان- وإنما كإجراءات قمع وبطش بوليسي لردع الشعوب العربية من المطالبة بحقوقهم، إضافة إلى فرض محاربة الإرهاب على أجندة دول العالم حتى لا يدعم المطالب المشروعة للشعوب.
ومن صميم مضمون هذه الرؤية، مشروع تشكيل القوة العربية المشتركة للتدخل في دول الثورات أو الدول التي يمكن أن يقع بها ثورات لقمعها. وكانت قبلة هذه القوة في الأساس إلى ليبيا لإزاحة حكومة الثورة وتنصيب الثورة المضادة. وتضمنت في ساحات أخرى عديدة، نبذ نواتج الثورات العربية وإعادة تأهيل الأنظمة الساقطة بثورات شعبية للحكم مرة أخرى، وتخيير الشعوب بين الفوضى المدمرة أو الاستبداد والقهر.
وقد وصف الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد، هذه اللجنة في مقال بالشرق الأوسط بعنوان” الرياض وأبوظبي والتكتل ضد الفوضى”، قائلا “السعودية والإمارات تمثلان اليوم تجمع قطبين نشيطين، ببرنامج عمل في غاية الأهمية يؤثر إيجابا على المنطقة. التعاون السعودي – الإماراتي لعب أدوارا مهمة جدا وصامتة، خلال السنوات الثلاث، وكان سببا في محاصرة الفوضى الإقليمية، وتأسيس جبهة اعتدال جديدة” على حد زعمه.
أما الكاتب الأمريكي “ستيفن كوك” فتحدث عما سماه “الصعود السياسي لدولة الإمارات العربية”، قائلا،” “إن ما اعتبره الغرب ربيعا عربيًا اُعتبِر في أبوظبي نذير شؤم عليها مما دفعها لتغيير سياستها الخارجية لتصبح لاعبًا فاعلًا في الأحداث”.
مدى تطابق الرؤية بين الرياض وأبوظبي
هل صحيح، أنه يوجد رؤية “شاملة ومشتركة” بين السعودية والإمارات؟ بعد الربيع العربي وفي آخر سنوات الراحل عبد الله بن عبد العزيز، كان هناك بالفعل رؤية مشتركة مضمونها ما سبق بيانه.
ولكن بعد تولي الملك سلمان الحكم في يناير 2015، بدأت تظهر ملامح سياسة خارجية سعودية بعيدة تماما عن أبوظبي والقاهرة على مختلف ملفات المنطقة، خاصة في سوريا واليمن والتعامل مع مكونات الأمة الحية.
فالسعوديون يرفضون إقصاء الإسلام الوسطي في حين تصر أبوظبي والقاهرة على اتباع سياسة “مكارثية” ضد عموم الشعوب العربية.
ونأت الرياض بنفسها عن التورط في ليبيا لأن الهدف كان إشعال بؤرة حرب أهلية وصراع جديدة.
واعترضت السعودية على القوة المشتركة، وقد قال أحمد بن حلي الخميس(10|3) إن مقترح القوة لا يزال قيد النقاش وذلك بعد رفض سعودي لها منذ أغسطس الماضي.
في المقابل، ورغم اشتراك أبوظبي في عاصفة الحزم إلا أنها تسعى لإعادة نجل المخلوع صالح للحكم، وتأهيل الحوثيين وإقصاء الإسلاميين وهو ما ترفضه السعودية تماما. وقد أكد الرئيس اليمني هادي مؤخرا أن الملك سلمان اشترط مقابل دخول اليمن عدم السماح للحوثيين والمخلوع بأن يكونوا جزءا من النظام السياسي في اليمن.
وفي سوريا، تؤيد القاهرة وأبوظبي بدرجات – معلنة وغير معلنة- نظام الأسد والعدوان الروسي وإقصاء الثورة و محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة فقط وفق وجهة نظرهم مع بقاء إرهاب النظام ومليشياته الشيعية دون أي مواجهات.
لذلك، يمكن القول إن الحديث عن رؤية إماراتية سعودية مشتركة ليس إلا إعلان سياسي قد يكون دعائيا من طرف واحد لأن حجم الخلافات بين البلدين مرصود وموثق، ولم يصدر تصريح ثنائي كما حدث في مقترح اللجنة الاستراتيجية الموءودة.