لكل عصرٍ معاييره الخاصة في التقدم والإنجاز، ولكل ثقافة رؤيتها الذاتية في الاعتداد بالذات والتعبير عن ذلك بما ينسجم مع رؤيتها للحياة، ولكل مُجتمعٍ عينٌ بصيرة تسجّل الدقيق والجليل من نبضات الحياة فيه، وربما كان الشعراء هم أصدق القلوب النابضة تعبيراً عن إيقاع الحياة، واقتناصِ اللحظات الفريدة في المجتمع والاحتفاظ بها على شكل قصيدة تختزنها الأجيال في الذاكرة، وتكون وثيقة تاريخية وفنية دالّةً على طبيعة الحياة ومعايير المجد والكرامة الوطنية.
(دُبيّ): لؤلؤة الخليج اللامعة التي تسحر الأنظار، وتمتلك جاذبية عزّ نظيرها بين المدن، تتقدم كل يوم نحو أفقٍ جديد من الإنجاز بفضل الإدارة الباهرة لحاكمها المقدام صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، القائد الذي لا يعرف المستحيل، ولا يطلب من الأمور إلا معاليها، ولا يرضى من المنازل إلا المنزلة الأولى في كل شيء، ها هو اليوم يُخلّد في هذه القصيدة الرائعة لحظةً تاريخية فخمة الشأن في تاريخ دبيّ والوطن حين يكتب عن المسافر رقم (مليار) ممّن زاروا دبي وحطّت رحالهم في مطارها الشهير الذي يعتبر الآن واحداً من أكبر عشرة مطارات في العالم، ويستقبل سنوياً قريباً من مئة مليون مسافر ضمن تجهيزات متحضرة جداً جعلت منه قِبلةً لحركة السفر والشحن الجوي، ومِرْفقاً حيوياً ضخماً جعل وطننا عميق الحضور على خريطة العالم، فجاءت هذه القصيدة تعبيراً عن حفاوة القلب بإنجازات دبيّ التي تسكن في حبّة قلب صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، ويفتديها بالغالي والنفيس ولا يرضى لها إلا أن تكون مثل الحصان الجامح الذي لا يعرف الكسل، ولا يتطرق إليه الهرَمُ ولا الحرَد.
مـــطــارنــا مـــلــيــارْ مــــــرُّوهْ زوَّارْ
سِدْسْ البشَرْ لي يسكنونْ البسيطَهْ
(مطارنا) هكذا بهذه الصيغة اللغوية القائمة على الإضافة إلى نون الجمع في إشارة إلى أنّ دبيّ هي للوطن كلّه، وأنّ الإمارات مثل الجسد الواحد يتنفس جميعه من رئة واحدة، فهذه المدينة الصغيرة المساحة الباهرة الإيقاع والنشاط والفاعلية تستقطب سنوياً ما تعجز عنه المدن الكبرى والعواصم العالمية، ليكون ذلك دليلاً على حيويتها التجارية والثقافية والاقتصادية والإعلامية، فدبيّ مثل خلية النحل لا تكاد تهدأ في ليل ولا نهار، وإيقاعها إيقاع مدينة عالمية متحضرة نشيطة تحتفي بالإنجاز وتكافِئ عليه، وترفض الكسل وتحاربه وتجفف منابعه، وإلا فكيف لها أن تحتمل هذا العدد الضخم من المسافرين الذين يشكلون سدس سكان الكرة الأرضية، فدبيّ مدينة تمّ تجهيزها للدخول في قلب العصر من أوسع أبوابه ضمن رؤية حضارية رحبة الآفاق تنظر للمستقبل البعيد، وتراهن على فاعلية الإنسان في هذا الوطن المعطاء، فالنفط وحده ليس هو السلعة التي تقوم عليها الحياة، ومن هنا أقدمت دبيّ على خوض معركة التقدم ومنافسة عواصم العالم في فكرة اقتصاد الخدمات وحقّقت إنجازات يتحدث عنها العالم ضمن شعور عميق بالانبهار والتقدير والاعتراف لها بالشباب والنضارة والحفاوة بالحياة.
وهـــذا دلــيـلْ أنْ الأوادمْ والأقـطـارْ
إتــدَلْ هــذي الــدَّارْ فـوقْ الـخريطهْ
وإذا كان البيت الأول في قانون الفقه والمحاماة يمثّل الدعوى القضائية فإن البيت الثاني جاء دليلاً على حيوية هذه المدينة، وعمق تأثيرها وفاعليتها بحيث أصبحت (هذي الدار) بمعنى الإمارات كلها معروفة على مستوى الخريطة العالمية، وأنّ دولَ العالم أجمع باتت تعرف ما الذي تعنيه هذه المدينة المكتظّة بالحياة، المكتنزة بالنشاط، فالدول لا تقاس بالمساحات الشاسعة الخاوية بل تقاس بما تقدمه للحياة من العطاء والخدمات، ومدينة دبي الآن هي واحدة من أشهر مراكز التجارة العالمية، ومن يعرف هذه المدينة يلوح له حجم النقلة الحضارية الكبرى التي وصلت إليها هذه المدينة اللامعة في عهد صاحب السمو الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم، وبفضل جهوده الحثيثة التي لا تعرف الكلل ولا الملل ولا تسمح لغير بصمة النجاح بالظهور في سماء دبي ومرافقها المدهشة.
وهــذا الـعـددْ مـاهـوُ دعـايـهْ لـتجَّارْ
ولـوُ مَـبْ عدِلْ فالناسْ ماهي عبيطَهْ
إن هذا الرقم الباهر ليس من باب الدعاية والإعلان عن حركة الحياة في دبي، بل هو حقيقة دالة على إيقاع التقدم ومدى الجاذبية الحضارية لهذه المدينة، فدبيّ مدينة إنجازٍ حقيقي وليست مدينة إعلانات ولا تسلك سبيل الزهو الفارغ والتباهي الخاوي من الحقائق، بل هي منخرطة وضمن معادلة صعبة وقاسية في تحقيق الذات الحضارية للوطن وعدم الركون للكسل والركون إلى خيرات الأرض، فلا بدّ من تأهيل قدرات الإنسان الإماراتي ثم الزجّ به في مواجهة الحياة لأن هذا هو الضمانة الوحيدة لمواصلة صناعة الحياة اللائقة بإنسان هذه البلاد الكريمة المعطاءة. وإذا خطر في بال بعض الحاسدين أن يشكك في مصداقية هذا الإنجاز فإن الناس ليست غافلة عن الحقيقة وليست «عبيطة» كي تخفى عليها شمس الإبداع والإنجاز.
إنجاز العرب
إذا نـجـحـنا لـلـعَـرَبْ صــارْ مـقـدارْ
لأنَّا عـرَبْ مِـنْ الـخـليجْ لْـمـحيطَهْ
وهذا هو قدر الإمارات أن يكون إنجازها إنجازاً لجميع الأشقاء العرب ممن يحملون معها أمنيات التقدم وتحقيق الذات الحضارية، فصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، وكما هو دأبُه وعادته، لا تكتمل فرحته إلا إذا شعر أن إخوته العرب يشاركونه إنجازه وفرحة بلاده، فهو العربي الأصيل الذي لا يُفرّط بحقوق إخوانه ولا يتنكر لمشاعرهم الطيبة، وإلا أن يحمل همّ العرب في قلبه، ويراهم إخوةً له من المحيط إلى الخليج، وهذا هو المعدن الأصيل لهذا الفارس الهُمام الذي لا يرضى بالإنجازات إلا إذا كانت كبيرة يتشرف بها العرب أجمعون.
حكمة
نـعملْ بـصمتْ ومـا نـعلِّمْ بـما صارْ
لـو حَـطْ مِـنْ يـحسدْ عـلينا حـطيطَهْ
وهذه هي الحكمة النافعة التي يتعلمها الأبناء من الآباء، أن يكون فعل الرجل أكثر من كلامه، ومتى زاد الكلام على الفعل كان الميزان خاسراً، وهكذا تقدمّت دبي خاصة والإمارات بشكل عام، عمل دؤوب بصمت وإتقان بعيداً عن ضوضاء الإعلام الذي يقوم على حرف السين (سنعمل وسنعمل وسنعمل)، أما معادلة دبي فهي (عملنا وأنجزنا وهذه إنجازاتنا) مثل الأمم المتحضرة التي تعشق العمل وتجعله ثقافة راسخة الجذور في المجتمع، لأنّ داء الكسل هو السوس الذي ينخر شجرة الوطن فتنهار على رؤوس الكسالى الجالسين تحت ظل الشجرة التي لا يعرفون قيمتها.
وهذا العمل مقرون بالتصميم وعدم الالتفات إلى أقاويل الحساد والشانئين الذين لا ينجزون ولا يحبون لغيرهم أن يكونوا من أهل الإنجاز، فالعقوبة الرادعة لهم هي الإنجاز والمزيد من الإنجاز.
بـتـكـذِّبِـهْ أفـعـالـنـا بــيــضْ وكــبـارْ
ولـسـانِـهْ الـخـادعْ بـنـقطَعْ شـريـطَهْ
إنّ الإنسان الفارغ هو الذي يدمن صنعة الكلام، ويشوّش على أهل الإنجاز والأفعال الكبيرة التي تلمع في سماء النهار مثل شمس الضُّحى فهي أفعال بيضاء لا تخفى على ذي بصيرة إلا على (أكمهٍ لا يعرف القمرا) كما قال أبو الطيّب المتنبّي في معرض التهكم بحاسديه، وأصحاب هذه الألسن الثرثارة يستحقون قطع الألسنة التي لا تعرف سوى القيل والقال وإضاعة العمر فيما لا طائل تحته، فهذا النمط من الناس يسيء للوطن ويكون عقبة في طريق التقدم الرصين للبلاد.
مـبـروكْ يـاشـعبٍ تـعـوَّدْ عَ الأخـبـارْ
الــطـيـبـهْ ودومْ الــمــكـارمْ تــحـيـطَـهْ
وعملاً بقوله تعالى في حق هؤلاء: {وأعرض عن الجاهلين} يتوجّه صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم بقلبه وخطابه إلى شعبه الذي يفتخر به ويشاطره فرحة الإنجاز، فيبارك له هذا الخبر السارّ الذي تستحقه الإمارات كلها، داعياً المولى أن يظلّ هذا الوطن محوطاً بالعزة والمنَعة، منعّماً بالعيش الكريم ومسرّات الحياة الرائعة. سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: نبارك لك هذا الإنجاز ونسأل الله أن يبقيك ذخراً للعباد والبلاد، ودمتَ قائداً حكيماً نباهي به الأمم ونتعلم منه أعلى درجات الطموح.