قصة الله يراني كان هناك فتى ذكي وسريع البديهة اسمه (أحمد) وكان يعيش في قرية، وفي يوم جاء شيخ من غربي المدينة ليسأل عنه، فسأل أحد الرجال عنه: الشيخ: هل يعيش في هذه القرية فتى اسمه أحمد؟ الرجل: نعم، يا سيدي. الشيخ: وأين هو الآن؟ الرجل: لا بدّ أنه في الكتاب وسوف يمرّ من هنا.
الشيخ: ومتى سوف يرجع؟ الرجل: لا أعرف، ولكن لماذا تسأل عنه؟ ولماذا جلبت معك هؤلاء الفتيان؟ الشيخ: سوف ترى قريباً. كان الشيخ قد أحضر معه ثلاث فتيان من غربي المدينة وأربع تفاحات، فالشيخ يريد أن يختبر ذكاء أحمد، ومرّت دقائق ومرّ أحمد من أمام الشيخ.
الشيخ: يا أحمد يا أحمد. أحمد: نعم يا سيدي. الشيخ: هل انتهيت من الدرس؟ أحمد: نعم، ولكن لماذا تسأل يا سيدي؟ الشيخ: خذ هذه التفاحة واذهب وأبحث عن مكان لا يراك فيه أحد وقم بأكل التفاحة. قام الشيخ بتوزيع باقي التفاح على الفتيان، وبعد عدّة دقائق رجع الفتيان ولم يكن أحمد بينهم، فجرى الحوار التالي: الشيخ: هل أكلتم التفاح؟ قال الثلاثة معاً: نعم، يا سيدي الشيخ: حسنا، أخبروني أين أكلتم التفاح؟ الأول: أنا أكلتها في الصحراء.
الثاني: أنا أكلتها على سطح بيتنا. الثالث: أنا أكلتها في غرفتي. مرّت دقائق وسأل الشيخ نفسه: أين هو أحمد يا ترى؟ أما زال يبحث عن مكان؟ فجأه رجع أحمد وفي يده التفاحة؟ الشيخ: لماذا لم تأكل التفاحة؟ أحمد: لم أجد مكانا لا يراني فيه أحد؟ الشيخ: ولماذا؟ أحمد: لأن الله يراني أينما أذهب.
ربت الشيخ على كتف أحمد وهو معجب بذكائه.
قصة العصفوران الصغيران
التقى عصفوران صغيران على غصن شجرة زيتون كبيرة في السن، كان الزمان شتاء، الشجرة ضخمة ضعيفة تكاد لا تقوى على مجابهة الريح، هزّ العصفور الأول ذنبه وقال: مللت الانتقال من مكان إلى آخر، يئست من العثور على مستقر دافئ، ما أن نعتاد على مسكن وديار حتى يداهمنا البرد والشتاء فنضطر للرحيل مرة جديدة بحثاً عن مقر جديد وبيت جديد.
ضحك العصفور الثاني، وقال بسخرية: ما أكثر ما تشكو منه وتتذمر، نحن هكذا معشر الطيور خلقنا الله للارتحال الدائم، كل أوطاننا مؤقتة. قال الأول: أحرام عليّ أن أحلم بوطن وهوية، لكم وددت أن يكون لي منزل دائم وعنوان لا يتغيّر، سكت قليلاً قبل أن يتابع كلامه: تأمل هذه الشجرة أعتقد أنّ عمرها أكثر من مائة عام، جذورها راسخة كأنها جزء من المكان، ربما لو نقلت إلى مكان آخر لماتت قهراً على الفور لأنّها تعشق أرضها.
قال العصفور الثاني: عجباً لتفكيرك، أتقارن العصفور بالشجرة؟ أنت تعرف أن لكل مخلوق من مخلوقات الله طبيعة خاصة تميّزه عن غيره، هل تريد تغيير قوانين الحياة والكون؟ نحن –معشر الطيور– منذ أن خلقنا الله نطير ونتنقل عبر الغابات، والبحار، والجبال، والوديان، والأنهار، لم نعرف القيود يوماً إلا عندما يحبسنا الإنسان في قفص، وطننا هذا الفضاء الكبير، الكون كله لنا ، فالكون بالنسبة لنا خفقة جناح.
رد الأول: أفهم .. أفهم، أوتظنني صغيراً إلى هذا الحد؟ أنا أريد هوية،عنواناً، وطناً، أظنك لن تفهم ما أريد. تلفّت العصفور الثاني فرأى سحابة سوداء تقترب بسرعة نحوهما فصاح محذراً: هيا .. هيا .. لننطلق قبل أن تدركنا العواصف والأمطار، أضعنا من الوقت ما فيه الكفاية. قال الأول ببرود: اسمعني، ما رأيك لو نستقر في هذه الشجرة، تبدو قوية صلبة لا تتزعزع أمام العواصف؟ رد الثاني بحزم: يكفي أحلاماً لا معنى لها، سوف أنطلق وأتركك.
بدأ العصفوران يتشاجران، شعرت الشجرة بالضيق منهما، هزّت الشجرة أغصانها بقوة فهدرت مثل العاصفة، خاف العصفوران خوفاً شديداً، بسط كل واحد منهما جناحيه، وانطلقا مثل السهم مذعورين ليلحقا بسربهما.