العبادات شرع الله سُبحانه وتعالى العبادات وكتبها على عباده، وكانت العبادة هي الغاية من خلق الله تعالى للإنس والجن، كما جاء في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)،وجاءت العبادات على تعدُّدها لتُهذّب نفس المسلم وتزكّيها، وتوثّق علاقته بالله تعالى. إنّ من يلتزم بالعبادة يجني آثاراً وثماراً تؤثّر على صَعيده الشَّخصي وصعيد مجتمعه ومحيطه، وبعض العِبادات خصَّها الله تعالى لتكون مفروضةً على كلِّ مسلمٍ بالغ، وجَعَلها أركاناً يُبنى الإسلام عل وتالياً حديثٌ عن أحد هذه الأركان الخمسة، وهو: الصَّلاة. الصَّلاة وحكمها تعريف الصَّلاة الصَّلاة في اللغة جذرها صلّى، فالصَّاد واللام والحرف المعتل، أصلان دالّان على معنيين كالآتي يها، وهذه العبادات كما جاء في حديث النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام
هي: (بُنِي الإسلامُ على خمسٍ: شَهادة أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، والحجِ، وصومِ رمضانَ)،
الأول: النَّار وما شابهها من الحمى، فيقال: صلى العود بالنَّار، ومنه قول الله تعالى واصفاً وجوه الكافرين يوم القيامة: (تَصْلَىٰ نَارًا حَامِيَةً). الثَّاني: جنس من العبادات، وهي الدُّعاء، ومنه ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: (إذا دُعِيَ أحدُكم إلى طعامٍ فلْيُجِبْ فإن كان مفطرًا فلْيأكلْ وإن كان صائمًا فلْيُصَلِّ) والمراد بقوله -عليه الصَّلاة والسَّلام- إن كان صائماً فليُصَلِّ؛ أي فليقم بالدعاء لمن دعاه لتناول الطعام عنده. أمَّا الصَّلاة في الاصطلاح الشَّرعي، فهي: أقوالٌ وأفعالٌ مخصوصةٌ تؤدّى في أوقاتٍ مخصوصةٍ وبهيئاتٍ وشروطٍ مخصوصةٍ مع النِية، تفتتح بالتَّكبير وتختم بالتَّسليم.حكم الصَّلاة فرض الله تعالى الصَّلاة، وجاء الأمر منه بأدائها وإقامتها في مواطنَ كثيرة من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ)،، وقوله تعالى كذلك في سورة النِّساء: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمْ ۚ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ۚ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)، فالصَّلاة واجبةٌ على كلِّ مسلمٍ بالغٍ، فرَضَها الله تعالى خمس مراتٍ في اليوم والليلة، وهي كما سبق الذكر ركنٌ من أركان الإسلام، كما أنَّها عمود الدِّين، كما روى معاذ بن جبل -رضي الله عنه- عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: (رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُه الصلاةُ، وذروةُ سنامِهِ الجهادُ في سبيلِ اللهِ)، كما أنَّ الصَّلاة أول ما يُسأل عنه الإنسان يوم القيامة ويُحاسب عليه، كما روي عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: (أولُ ما يُحاسبُ به العبدُ الصلاةُ، وأولُ ما يقضى بين الناسِ في الدماءِ) حكم تارك الصَّلاة يختلف حكم تارك الصَّلاة تبعاً لاختلاف حاله، فلتارك الصلاة حالتان، هما:
الحالة الأولى: من ترك الصَّلاة ولم يؤدِّها جاحداً لها ومنكراً لكونها فرضاً وواجباً عليه، فالفقهاء مجمعون في هذه الحالة على أنَّه كافرٌ مرتدٌّ عن الإسلام، يُستتاب ويدعى إلى أداء الصَّلاة، فإن بقي منكراً لها ولم يتب، يُقتلُ؛ كونه جاحداً لفرضٍ معلومٍ من الدِّين بالضَّرورة، واستثني من هذه الحالة من أنكر الصَّلاة جهلاً بها، كمن كان حديث عهدٍ بالإسلام -أي دخل في الإسلام حديثاً-، فهذا يعذر بجهله عند الشافعيَّة والحنابلة.
الحالة الثَّانية: من ترك الصَّلاة لا جحوداً لها، بل تكاسلاً وتهاوناً؛ فالفقهاء مُختلفون في حكمه على أقوالٍ، حيث ذهب الحنفيَّة إلى القول بأنَّ من ترك الصَّلاة متكاسلاً عنها يعزَّر ويحبس حتى يتوب أو يموت ولا يُقتل، وذهب المالكيَّة والشَّافعيَّة إلى القول بأنَّ تارك الصَّلاة تكاسلاً يُقتل حدَّاً ولا يحكم بكفره، أي يأخذ حكم المسلم؛ فيغسَّل ويصلَّى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، وذهب الحنابلة إلى القول بأنَّ تارك الصَّلاة تكاسلاً يُدعى إلى أدائها، فإن استجاب وإلا يحبس ثلاثة أيامٍ ويدعى وقت كلِّ صلاةٍ، فإن لم يصلِّ قُتل كفراً؛ أي لا يُغسَّل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وللحنابلة قول آخر كقول المالكيَّة والشَّافعيَّة بأنَّه يقتل حدَّاً لا كفراً. فضائل الصَّلاة وثمراتها إنَّ للصَّلاة فضلاً عظيماً وثمراتٍ عديدة يكسبها من التزم بها وحافظ عليها وأقامها حقَّ إقامتها، فالصَّلاة صلةٌ بين العبد والله تعالى، يقترب العبد فيها من ربه أكثر، فيُكلّمه ويناجيه ويدعوه، وقد روي عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام قوله: (أقرَبُ ما يكونُ العَبدُ مِن رَبِّه وهو ساجِدٌ. فأكثِروا الدُّعاءَ)،
كما أنَّ في الصَّلاة تنشيطاً للبدن ونظافةً له وسكينةً وطمأنينةً للنَّفس، وتكرار الصَّلاة خمس مراتٍ في اليوم والليلة تطهيرٌ للمسلم ونهيٌ له عن الوقوع في الفواحش والمنكرات، ومن ذلك قول الله تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)،
كما أنَّ لأداء الصَّلاة في جماعةٍ تعزيزٌ لمعاني وقيم الأخوّة الإسلامية والتكافل والتعاون بين المسلمين، كما أنَّ اتجاه المسلمين جميعهم في صلاتهم تجاه قبلةٍ واحدةٍ فيه إشعارٌ بوحدة قلوبهم على طاعة الله وأداء ما فُرض عليهم، فيستذكرون أنَّهم كالجسد الواحد وإن اختلفت أماكنهم وأصولهم وأعراقهم وألوانهم.[