تسبّب التدهور الاقتصادي الذي تشهده مصر، وارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل كبير، في تزايد معدلات العنوسة مقارنة بالسنوات الماضية، بعد أن عجز آلاف الشباب عن توفير نفقات الزواج.
وبحسب تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء، نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، فقد تواصلت ظاهرة انخفاض معدلات الزواج في مصر في عام 2017، حيث بلغ عدد عقود الزواج لشهر تشرين الأول/ أكتوبر 2017 نحو 75.8 ألف عقد، بنسبة انخفاض 11.2% مقارنة بالشهر المماثل له من عام 2016، الذي بلغ عدد عقود الزواج فيه 85.4 ألف عقد، ومقارنة بشهر أيلول/ سبتمبر من عام 2017، حيث سجلت 98.8 ألف عقد.
وفي محاولة لعلاج هذه المشكلة، تقدم أحد نواب البرلمان بمشروع قانون لإنشاء صندوق قومي لتمويل زواج الشباب؛ عن طريق منحهم قروضا دون فوائد، تساعدهم على تخطي هذا العائق الصعب.
قروض حسنة لمواجهة العنوسة
وقال النائب محمد عطا سليم، إن ما دفعه لتقديم هذا المشروع هو الأرقام “المرعبة” لارتفاع معدلات العنوسة في البلاد، مؤكدا وجود 10 ملايين شاب وفتاة في مصر بلغوا سن 35 عاما ولم يتزوجوا، وأن معدل العنوسة وصل إلى 17% من الفتيات في عمر الزواج، وفقا لتقارير الجهاز المركزي للإحصاء.
وأوضح سليم، في بيان له، أن القانون المقترح ينص على إنشاء صندوق يسمى “صندوق تمويل زواج الشباب” يتبع رئيس الجمهورية، وتديره لجنة من عدد من الوزارة، من بينها التضامن والمالية والشباب، بالإضافة إلى البنك المركزي، يتولى تمويل الشباب للزواج بقروض حسنة، وفقا لعدد من الشروط.
وتابع بأن الصندوق يقدم تمويل زواج لكل شاب مقبل على الزواج في صورة قرض دون فوائد، قدره 60 ألف جنيه (نحو ثلاثة آلاف دولار)، ولا يخضع هذا القرض لأي ضريبة أو رسوم تقلل من قيمته، موضحا أن شروط الحصول على القرض هي ألا يقل عمر الشاب عن 19 عاما، وأن يكون الزواج لأول مرة، ويستثنى من ذلك من توفت زوجته الوحيدة، أو من طلق زوجته قبل الدخول بها، على أن يقدم الشاب عقد زواج رسميا لم يمض عليه أكثر من سبع سنوات، ويمنح الحاصلون على قرض الزواج فترة سماح لمدة عام واحد، ويبدأ بعدها في سداد الأقساط بحد أقصى 400 جنيه شهريا، وتكون الأولوية في هذه القروض للزوجات الأكبر سنا وأصحاب الدخل الأقل، على أن يتم سداد القرض عبر أقساط.
نتائج كارثية
ورحب عدد من نواب البرلمان بمشروع القانون، حيث قالت النائبة هبة هجرس إنه سيحد من ظاهرة العنوسة، التي استشرت في المجتمع بسبب ارتفاع الأسعار، وأدت إلى العديد من النتائج الكارثية، من بينها لجوء آلاف الشباب للزواج العرفي، أو الدخول في علاقات غير شرعية ينتج عنه أطفال مجهولو النسب.
وأكدت هجرس، في تصريحات صحفية، أن الوسائل المتاحة حاليا لإقراض الشباب ليست كافية لحل المشكلة، والدليل على ذلك انتشار ظاهرة العنوسة بشكل كبير، مشيرة إلى أن القرارات الاقتصادية القاسية التي اتخذتها الحكومة خلال الفترة الماضية أدت لارتفاع تكاليف الزواج إلى ما يفوق قدرة غالبية الشباب.
بدوره، أشاد النائب سمير البطيخي، وكيل لجنة الشباب بالبرلمان بالقانون المقترح، مؤكدا أن يساهم في القضاء على الانحرافات الأخلاقية الناتجة عن تأخر الزواج، ومن بينها ظاهرة التحرش، التي زادت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وأصبحت مصر من أكثر دول العالم التي ترتكب فيها هذه الجريمة، بالإضافة إلى تقليل جرائم الاغتصاب.
مليون حالة زواج عرفي
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي، شريف الدمرداش، إن تراجع نسب الزواج، وتزايد أعداد الطلاق في مصر في الشهور الأخيرة، يرجع بشكل رئيسي إلى ارتفاع الأسعار، وتدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل عام، مع تحرير سعر صرف الجنيه، والذي أثر على أبناء الطبقة المتوسطة أكثر من غيرهم.
وأضاف الدمرداش، في تصريحات صحفية، أن عقبات الزواج لا تتوقف فقط عند مرحلة التجهيز للزواج، بل تمتد إلى ما بعد الزواج؛ من تجهيز المنزل، والإنفاق على الأسرة الجديدة، الأمر الذي دفع آلاف الشباب إلى تأجيل قرار الزواج، محذرا من أن تلك الظاهرة ستستمر في السنوات المقبلة إذا لم تتحسن الأوضاع الاقتصادية وتتوقف موجات الغلاء المتتالية في البلاد”.
وقال الداعية الإسلامي، أحمد صبري، إن ارتفاع تكاليف الزواج ومغالاة الأسرة في طلباتها المادية من الشباب أدى إلى لجوء آلاف الشباب إلى الزواج العرفي، بعيدا عن رقابة الأهل أو المجتمع، حيث لا يكلفهم هذا الزواج سوى توقيع ورقتين وشاهدين اثنين من أصدقائهم.
وأضاف صبري، في حوار مع قناة “العاصمة” يوم الجمعة الماضية، أن مصر تشهد سنويا نحو مليون حالة زواج عرفي، وفقا لتقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء في عام 2014، مشددا على ضرورة أن يقوم كل طرف بمسؤوليته للحد من هذه الظاهرة، فتقوم الأسر بالتيسير على الشباب، وتقوم الحكومة بإقراض الشباب قروضا حسنة؛ لمساعدتهم على أعباء الزواج.