الذي لاحظ هذا السلوك، ففي عام 1999 نشر الباحثان ديفيد دانينغ وجاستن كروجر دراسة بعنوان «الأكفاء لا يدركون قيمتهم: غير الأكفاء يميلون إلى المبالغة وتضخيم إيجابياتهم».
وخلال تلك الدراسة، أجرى الباحثان سلسلة من التجارب والاختبارات على طلبة بجامعة كورنيل الأمريكية، شملت تقييم مجموعة من الدعابات المضحكة، ومقارنتها بالتقييمات الخاصة بـالكوميديين المحترفين وتحديد الأخطاء النحوية وقواعد اللغة، إلى جانب الإجابة على أسئلة احتمالية تتعلق بالتفكير المنطقي.
وخلال كل اختبار، وجد الباحثان النتيجة نفسها، فالذين قدموا الأسوأ في تلك الاختبارات اعتقدوا أنهم فعلوا الأفضل، أما أولائك الذين ظهروا بشكل جيد، فقد مالوا إلى التقليل من قدراتهم.
لم يكتفِ دانينغ وكروجر بهذا الأمر، بل ذكرا أن الأشخاص الذين يفتقرون للمهارات لديهم قصور في إدراك نقص هذه المهارات واستشهدوا على ذلك بحادثة غريبة ومضحكة لسرقة بنك، بعد إلقاء القبض على لص البنك، ويدعى «مكارثر ويلر» عام 1995، عندما حاول سرقة بنكين في وضح النهار دون ارتداء قناع أو زي تمويه آخر. وعندما واجهته الشرطة بلقطات من كاميرا المراقبة احتج قائلاً «ولكني وضعت العصير»، إذ اعتقد اللص الأحمق بأن فرك الوجه بعصير الليمون سيجعله غير مرئي أمام كاميرات المراقبة بالبنك.
وبعدها توصل الباحثان إلى حقيقة مؤسفة، وهي أن «غير الأكفاء لا يعلمون بأنهم هكذا، ويتوهمون بأنهم أفضل من غيرهم، والسبب في ذلك يرجع إلى قلة خبراتهم، ونقص المهارة وعجزهم عن التعرف على قصورهم، فلا يستطيعون التفريق بين الشخص الكفء وغير الكفء»، وعرفت هذه الظاهرة بعد ذلك بتأثير دانينغ-كروجر، كما يمكننا أن نصفها بمقولة عالم الطبيعة الشهير «داروين»: «قد يُعطي الجهل ثقة أكثر مما تمنحه المعرفة».
وفي عام 2006، أجرى دانيال كاهان، أستاذ في كلية الحقوق بجامعة ييل، دراسة بالاشتراك مع بعض زملائه، فطلب من المشاركين إعطاء تصوراتهم العامة بخصوص تكنولوجيا النانو، وقد وجد الباحثون أن معظم الناس يعرفون قليلا عن هذا المجال، لكن لم يتوقف الجهل عند هذا الحد، فقالوا إن مخاطر تكنولوجيا النانو تفوق فوائدها.
ما عُرف بتأثير دانينغ-كروجر سمّاه علماء النفس المعاصر بمصطلح «ميتاكونييتيون» الذي يعني «إدراك الإدراك»، ومن خلاله يشير علماء النفس إلى ضرورة إدراك المعرفة المحصلة ومحاولة معرفة ما نعرف وما لا نعرف.
ويمكنك أن تجد تأثير دانينغ-كروجر في حياتنا اليومية، ومثال على ذلك عندما يحاول كثير من الأشخاص إعطاء معلومات ونصائح خاطئة بكل ثقة عن موضوع ما، كما لو كانوا خبراء، أو ربما عندما نستمع إلى أحد السياسيين عندما يخاطب جمهوره، فنجد كثيرا من الوعود التي لا يستطيع تلبيتها، لكنه مع ذلك يتحدث بكل ثقة عن قدرته في تنفيذها، لأنه جاهل بجهله.
في النهاية، يوجد كثير من غير المؤهلين، وهم بالطبع لا يتقبلون فكرة وجود أشخاص أفضل منهم، وهذا الأمر يجعلهم لا يدركون ذلك، لذا يجب علينا جميعا أن نعيد التفكير فيما نعرفه، فقد ينطبق تأثير دانينغ-كروجر على أحدنا، دون أن يعلم بذلك. وقديما، صنف العرب الناس أربع فئات، منهم رجل لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري، فذاك أحمق فاجتنبوه، ويوصي دانينغ بالتغلب على تلك الظاهرة، التي قد يقع فيها أي شخص، حتى أنت، بضرورة سؤال نفسك هل يمكن أن تكون مخطئا؟ ويجب إعادة التفكير كذلك فيما تفعله، لأن ما تعتقده قد يكون خاطئا، دون أن تدري بذلك.