من حق الأهل الذين يؤرقهم مستقبل ابنهم من ذوي الإعاقة وهو يكبر أمام أعينهم أن يعملوا منذ اللحظة على أن يحصل على أفضل تعليم وتدريب مهما كانت إعاقته.. ولكنهم في سعيهم لتحقيق هذا الهدف عرضة للوقوع في بعض الأخطاء كقلة معرفة بعضهم بإعاقة ابنه وقدراته،. وسيطرة الرغبة الخاطئة ـ أحياناً ـ بتعويضه المبالغ فيه عما لحق به،. وطموحهم بأن يصل إلى مستوى من الاستقلالية لا يكون معها في المستقبل عالة على أحد… وغيرها من الأسباب التي يمتزج فيها الواقع بالعاطفة الأبوية الصادقة والطموح الإنساني المشروع. حتى الآن فإن التعامل مع رؤية الأهل هذه وتلبية مطامحهم بما تسمح به قدرات أبنائهم أمر ممكن في المؤسسات والمراكز التي تمتلك وسائل التشخيص والقياس الضرورية والبرامج التعليمية والعلاجية والتأهيلية الملائمة، وكذلك في بعض المدارس التي تمت تهيئتها بشكل سليم لدمج بعض حالات الإعاقة ـ وإن كان هذا بمبادرات ذاتية محدودة من إداراتها. ولكن ماذا لو وقع هؤلاء الأهل المدفوعين بأحلامهم وطموحاتهم المشروعة فريسـة ســهلة في يد من لا يجد غضاضة في تلوين الحلم وتسويق الوهم وهو عاجز عن التمييز بين صعوبات التعلم والإعاقة الذهنية! بين التوحد وعرض الاسبرجر! لا يعرف شيئاً عن النشاط الزائد أو فرط الحركة ولا يكترث بالاحباط الذي تسببه الإعاقة الحركية أو الحسية لصاحبها في بيئة مدرسية غير (صديقة).. ولم يسمع بما تسببه إعاقة الشلل الدماغي للطفل من تراجع بسبب صعوبات النطق والحركة وقلة الاحتكاك مع أن قدراته العقلية عادية جداً فيصنفه بأنه معاق ذهنياً!! للأسف إن من يذكي لدى الأهل مطامحهم المشروعة ولكن بدون أي أساس علمي سليم هم بعض ممن ندبوا أنفسهم لمهمة تربية الأجيال إلا أنهم لم يتحصنوا جيداً ضد أسوأ أمراض العصر أو في أفضل تقدير لحسن النوايا أحبوا أن يرضوا هؤلاء الأهل وأبنائهم دون أي تحسب لاحباطات التجارب الفاشلة وآثارها البعيدة المدى التي لا يمكن محوها.. قد يكون هذا حال طفلة ذات إعاقة أفرط أهلها في تدليلها وأحبوا أن يعلموها في (أرقى) المدارس ولكنها لم تتحمل نظرات زميلاتها المستغربة لأسلوب تنقلها أو سخريتهن منها عندما تلكأت في الإجابة على سؤال المعلمة لا لضعف في قدراتها العقلية بل لصعوبة في النطق عندها.. وكان من نتيجة هذا الوضع الخاطىء أن كرهت الطفلة المدرسة وفضلت عليها الانزواء بين جدران المنزل.. الأسوأ من ذلك حال من يقول لأهل طفل من ذوي التوحد ـ على سبيل المثال ـ إن ابنكم (سيشفى) مما هو فيه وسوف يكبر ويتابع دراسته بإذن الله في (أرقى) الجامعات الأجنبية!! قد يجد هذا النوع من تسويق الوهم صداه عند بعض الأهالي الذين لم يصلوا بعد إلى حد التخلص مما يسمى بـ (وصمة الإعاقة) وقد نعذرهم في هذا لأنهم آباء لم يستوعبوا بعد أن أبناءهم مختلفون عن غيرهم وواجبنا في هذه الحالة أن نوصلهم إلى التعامل السليم مع الإعاقة بأقل الخسائر الممكنة.. أما لماذا نعذر من يغذّون الوهم لديهم ويتلاعبون بعواطفهم فلا نستطيع أن نجد إلى ذلك سبيلاً.