تسجيل الدخول

اضطرابات السلوك الاجتماعي عند الأطفال – الجانحون الصغار

زاجل نيوز24 نوفمبر 2016آخر تحديث : منذ 8 سنوات
اضطرابات السلوك الاجتماعي عند الأطفال – الجانحون الصغار
%d8%b9%d9%82%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d9%81%d9%84-%d8%a8%d8%af%d9%84-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b6%d8%b1%d8%a8

يشار بمصطلح اضطرابات السلوك الاجتماعي والتفارق عن الوسط الاجتماعي المحيط إلى مجموعة من الاضطرابات التي تنطوي على نماذج من السلوك الاجتماعي الذي يبديه الطفل ويميل من خلاله إلى كسر القوانين الاجتماعية المألوفة وبطريقة تفوق السوية المتوقعة من هذا الطفل من الناحية العمرية والمعرفية  ، ويمكن أن تبدأ هذه الاضطرابات بشكل مبكر قبل سن 10سنوات ويشار هنا إلى هذه الحالة بالبدء الباكر ، ويمكن في أحيان أخرى أن يبدأ في عمر يتلو سن 10 سنوات ويشار إليه هنا بالبدء المتأخر .

 ويشار في بعض الأدبيات إلى الأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب بمصطلح الأطفال الجانحين الصغار وهو يمثل اضطراباً شائعاً نسبياً حيث يصيب وبشدات مختلفة وفترة زمنية متفاوتة نسبةً  بحدود 5% من مجموع الأطفال في عمر المدرسة الأولى والثانية ، وهو يصيب الذكور أكثر من الإناث بنسبة 9/1.

ويمكن أن نشير فيما يلي إلى المظاهر العامة التي تتفاوت في درجة وضوحها ،  وشدتها، وترافقها فيما بينها، وتشكل بمجموعها جملة الأعراض التي يتميز بها سلوك الاضطراب الاجتماعي لدى هؤلاء الجانحين الصغار ، ويتجلى ذلك بما يلي :

أولاً يمكن أن نلاحظ عداءً غير مفسر تجاه الأقران والوسط الاجتماعي المحيط الأكبر ، والتعامل مع هؤلاء جميعهم وفق نموذج من السلوك يميل لأن يكسر وبشكل مستمر الشروط الأساسية للحقوق العامة للآخرين والمجتمع عموماً ، ويبدو ذلك مستغربا ومفارقاً بشكل يكاد يكون كلياً لنموذج السلوك المتوقع من هذا الطفل وفقاً لعمره والخبرات التي تلقاها في حياته
ونلاحظ أيضاً عدواناً تجاه الأطفال الآخرين والحيوانات أيضاً ، ومحاولة اصطناع الصراعات وحتى القتال المتكرر معهم ومحاولة إيذائهم بطرق قد تكون ذكية وبشكل سلبي يميل إلى الخبث يفوق القدرات الاعتيادية للأطفال .وإنّ تحطيم الممتلكات الشخصية وتلك العائدة للغير ، وعدم الشعور بالارتباط والحميمية مع الأشخاص ومع المكان الذي يعيش فيه ؛ وتعتبر وسيلة إشعال الحرائق من الوسائل المغرية لمثل هؤلاء الأطفال ، لذا يجب الحذر من إمكانية تعاملهم مع الوسائل التي يمكن أن تؤدي لإشعال النار لما يعتور ذلك من خطر كامن .
و من الملامح المشاركة  لتلك الاضطرابات ، الإخفاق والتردي الواضح في الأداء الدراسي للطفل والهروب المتكرر من المدرسة واستخدام الكذب كوسيلة لتبرير الغياب المتكرر عن المدرسة . وغالباً يكون الطفل كثير الحركة لا يستطيع الاستقرار ويتحدث بشكل فوضوي غالباً ولا يستطيع التركيز والمتابعة في الأمور الدراسية لفترة مستمرة تزيد عن نصف ساعة وتراه عديم الاكتراث بالمواضيع التي تهم الأطفال عادة ومهتماً بأمور أخرى قد لا تكون من المواضيع ذات الاهتمام لدى الأطفال .
ويشيع لدى هؤلاء الأطفال الإدمان المبكر (تدخين ـ كحول ـ مخدرات) وخاصة عندما تبدأ تلك الاضطرابات بشكل متأخر بعد سن 10 سنوات كما ذكرنا آنفاً .
ويبدو لدى هذا الطفل عدم وضوح في رغباته وطموحه الشخصي ، وعدم قدرته على توضيح ماذا يريد وماذا يكره ، وإنّما يعتمد على السلوك العدائي أو عدم الإجابة على السؤال أو التهرب منه بشكل فظ عند طرح أسئلة تتناول مثل هذه المواضيع .
ومن العناصر المميزة لهؤلاء الأطفال سرعة تغير المزاج وتقلبه بشكل غير موضوعي وغير قابل للتفسير بشكل منطقي في غالب الأحيان .
ويجدر في هذا المقام الإشارة أولاً إلى أنّ اضطرابات السلوك الاجتماعي عند الأطفال تستدعي منّا رؤية شاملة تنظر بالمنظار الاجتماعي للمشكلة النفسية إذ أنّها تمثل مشكلة كبرى أخذت مظهراً موضعياً في الطفل ، وبمعنى آخر تمثل مشكلة في المجتمع أنتجت فعلها السلبي في اصطناع نموذج قلق من السلوك عند الطفل أصبح هو ضحيته وجلاّده بنفس الوقت إذا جاز لنا  استخدام هذا التعبير المجازي .
وهذا يستدعي منّا الإشارة إلى أنّ العائلة ذات الأداء الوظيفي المشوه والمشوش أو البنية غير المستقرة بالتوازي مع الأوساط المدرسية غير المواتية وخاصة عندما يسيطر نظام قسري مضبوط بشكل صارم، وبحيث يحدد ويؤطر بشكل سلبي ميول وحاجات الطفل ويميل لأن يقولبه وفقاً لأنظمة ومعايير أخلاقية وسلوكية مسبقة وجامدة بنفس الوقت ، لتكون عاقبتها الأساسية والأولى فقدان الطفل للشعور بحريته وقدرته على أن يكون عفوياً كما يشترط للطفل أن يكون ، لتتردى بذلك قدرته على محبة الوسط المحيط به ، لأنّ  تلك المحبة تمثل مفتاح الولوج إلى تكوين الشخصية الصحي من خلال الحرية المرشدة للطفل وممارسة تلك الحرية من خلال اللعب والعفوية أو حتّى محاولة خرق القوانين في محاولة لاكتشاف تفرد الذات ومن ثمّ تعلم القوانين الاجتماعية وتعلم الانضباط لاحقاً .
والذي يستطيع أن يحمي الطفل من هذا الشكل الجامد من الحياة هو الثالوث التربوي المهم والمتمثل بالهدوء والعقلانية والمرونة ، فالهدوء شرط أساسي للتعامل مع كل القضايا المتعلقة بتربية الطفل حيث أنّ الارتكاسات العنيفة التي يبديها المربي تعطي للطفل مثلاً سيئاً عن اتخاذ القرارات وتعلمه أن يكون بنفس الشكل ارتكاسياَ ، وبشكل عنيف في بعض الأحيان  .
أمّا العقلانية تقول بأنّ كل طفل يمثل حالة فردية تستدعي التبصر الجيد والبحث المدقق عن أسباب التطور الطبيعي للنضج النفسي عند الطفل وما يمكن أن يعترض ذلك من إشكاليات وكيفية حلّها بشكل يحمي الطفل من عقابيلها دون الوقوع في شرط العلاج التزويقي أو تغطية العيوب والإشكاليات بالترقيع القسري؛ إذ أنّ المطلوب هو التعامل مع الطفل بشكل يضع صحة الطفل النفسية بالمقام الأوّل والنظر بالمنظار الشامل للتحري عن أسباب أي إشكالية نفسية لحلها بشكل شامل لضمان التطور العضوي والنفسي الصحيحين للطفل .
والمرونة تأتي كمكمّل ضروري ومهم للشرطين السابقين إذ أنّها تعطي المربي والطفل إمكانية التفاعل البنّاء بين الاثنين ضمن شرط المحبة بينهما وليس شرط الرهبة والخوف ، لأنّ هذا الأخير يمكن أن يقود إلى الانصياع من قبل الطفل ولكنه بالتأكيد انصياع آني ومحدود بتغير الزمن وتقدم الطفل بالعمر إلى الحد الذي يصبح معه قادراً على أن لا يهاب المربي وقادراً على معارضته ، أمّا الشرط الأوّل ـ أي المحبة ـ فهو الضامن الوحيد الذي يعطي المربي مدخلاً ينمو ويتطور باستمرار ويصمد دائماً في وجه الزمن ، ويمكّنه من الدخول وبفعالية كبيرة ليقود الطفل إلى أفضل المعايير والأفكار ليكتسبها ويبتني لديه نموذجاً من السلوك الأمثل المناسب لطفل وحاجاته وبحيث يكون ذلك مستمراً وبشكل دائم بين المربي والطفل الذي سيصبح في وقت قادم ناضجاً ومحباً للمربي الذي قدّم له المحبة والحنان في طفولته .
وإنّ المؤثرات الشدية التي تؤثر على الطفل ومحيطه الاجتماعي وخاصة الأسري منه تلعب دوراً جوهرياً في تكوين مثل هذه الاضطرابات ، وأشير هنا إلى أنّ الإفقار الذي تعاني منه الكثير من العائلات والإهمال الاجتماعي لها ، الذي يتظاهر من ضمن ما يتظاهر به ببطالة رب الأسرة ، وما ينجم عن ذلك من مفاعيل سلبية تتناول البنية التي يناط بها تنشئة الطفل والحفاظ عليه في الوقت الذي تعاني هي من الإهمال والإفقار ، وهما كفيلان بجعل كل الشروط والمتطلبات الأساسية لتنشئة الطفل والعناية بصحته النفسية رهناً للسعي المحموم وراء اللقمة الكافرة ؛ و أكثر ما يتظاهر هذا في حالات العمل المبكر للأطفال قبل سن 14 سنة وما يترتب على ذلك من سويات ونماذج متدنية وظالمة من العمل المقرون بأجور زهيدة وضمن شروط سيئة من الاحترام لشخصية الطفل في هذه المرحلة العمرية التي تكون بها الشخصية أحوج ما تكون إلى الدعم والاحترام لضمان تكامل نضجها واتفاقها مع الوسط المحيط بها .
ويؤهب كل ذلك من الإفقار والإهمال الاجتماعي للعائلة والعمل المبكر للأطفال وصولاً إلى كل أشكال الظلم وانعدام العدالة الاجتماعية لتشكل وجهات نظر وآراء عميقة الرسوخ في نفس الطفل تتناول ردود أفعال ارتكاسية عميقة وفق قانون الارتكاس النفسي للظلم القائل (( إنّ الظلم يلد ويعيد إنتاج الظالمين من نفسه ضحايا الظلم )) ، ويكون ذلك من خلال التمرد على قوانين المجتمع عموماً والتخطيط المستمر المتمحور تجاه الدفاع الخاطئ عن الذات من خلال دفع الظلم بنفس الوسائل الخاطئة التي أنتجته وبذلك تنتج الأرض محصولاً جديداً بائساً لتلك البذور العقيمة التي اغترست عنوة فيها فأخرجتها عن صيرورتها الطبيعية التي تميل إلى العطاء واستبدلت ذلك بعكسه .
وهذا جدير بأن يجعلنا نبحث أولاً ليس في إصلاح وعلاج هؤلاء الأطفال الذين يعانون من اضطرابات السلوك الاجتماعي ، وإنّما يجب السعي بشكل علمي وعملي لعلاج واستئصال الأسباب الأولية التي أنتجت مثل هذه الحالة .

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.