تسجيل الدخول

دور المرأة في بناء المجتمعات-العمل التطوعي

زاجل نيوز17 نوفمبر 2016آخر تحديث : منذ 8 سنوات
دور المرأة في بناء المجتمعات-العمل التطوعي

hqdefault

أولا :التحديات التي تواجه المرأة المسلمة في المجتمع

تعاني المجتمعات العربية والاسلامية من مشاكل اجتماعية واقتصادية تنعكس سلبا على الدور المأمول من الرجل والمرأة على حد سواء,فمشاكل العولمة والفقر والامية والظلم والاستبداد وتراجع القيم والتي هي امتداد لثقافة التخلف التي تهيمن على أمتنا منذ قرون تعصف بالأمة فتحيده عن القيام بالدور المأمول وفي سياق هذه الورقة سأحاول طرح أهم التحديات التي تواجه المرأة كجزء أصيل في نسيج هذا المجتمع حيث يشكل النهوض بها مشروعا للنهوض بالمجتمع بل بالامة أجمع. ومن أهم التحديات التي تواجه المرأة وتعيقها عن أداء الدور المطلوب منها مايلي:

1- عدم وعي المرأة بالدور المطلوب منها.

2-السقوط في النظرة الغربية للمرأة (الانبهار بالنموذج الغربي)

3-الخلط بين التقاليد المنافية للإسلام وبين نظرية الاجتماع الإسلامي

1-عدم وعي المرأة بالدور المطلوب منها

لقد كان للمرأة دور بارز ومهم في مسيرة الدعوة الإلهية وحركة الأنبياء، فقد ساهمت المرأة في الكفاح الفكري والسياسي، وتحمّلت التعذيب والقتل والهجرة وصنوف المعاناة كلّها والإرهاب الفكري والسياسي والجبروت، وأعلنت رأيها بحريّة، وانضمّت الى الدعوة الإلهية رغم ما أصابها من خسارة السلطة والجاه والمال، واللمطاردة والقتل والتشريد والإرهاب بها.والذي يدرس تأريخ المرأة في الدعوة الإلهية، يجدها جهة للخطاب كما هو الرّجل، من غير أن يفرِّق الخطاب الإلهي بينهما بسبب الذكورة والأُنوثة .

وبدراسة عيّنات تأريخية من حياة النساء في مسار الدعوة الالهية، نستطيع أن نفهم الموقع الرائد والفعّال الذي شغلته المرأة في حياة الأنبياء ودعواتهم، فتتجلّى قيمة المرأة في المجتمع الإسلامي، ومشاركتها الفكرية والسياسية، وحقوقها الإنسانية والقانونية

انّ المرأة المسلمة لمّا تكتشف مكانتها الحقيقية في الإسلام بعد، وانّ الرّجل المسلم لمّا يعرف مكانة المرأة في الإسلام على حقيقتها أيضاً،لذا اختلّ ميزان التعامل والعلاقة،الذي لا يستقر إلاّ بالعودة الى مبادئ القرآن ليعرف كلّ منهم حقّه ومكانته ومسؤوليّته تجاه الآخر وعلاقته به.

وحتى تكون المرأة -التي تمثل نصف المجتمع المؤثر- واعية بأدوارها، ومتسلحة بالقدر الملائم من المعرفة والثقافة، والخبرات والقدرات والمهارات الفنية والحرفية وغيرها، لا بد لها من عمليّة أعداد وتربية يكون لها الأثر الفعّال في بناء وتكوين شخصيتها وممارسة مهامها في المجتمع وتوجيه الطّاقة الإنسانية الوجهة البنّاءة، وفي حال إهمال الفرد وحرمانه من عملية التربية والتوجيه والأعداد المدروس والمنظّم ينشأ نشوءاً عفويّاً تتحكّم به الظروف والمحيط والحوادث التي كثيراً ما تتسبّب بقتل شخصيّته وهدر طاقاته وإعاقة نموّه الاجتماعي، فيتحوّل إلى شخصية ضعيفة مهزوزة لا يستطيع أن يتعامل مع المجتمع والحوادث والمشاكل والفرص تعاملاً ناجحاً .وقد برز في مشروع إعداد وتربية المرأة ثلاثة اتجاهات هي :

1 ـ الاتجاه الذي أفرزته ظروف التخلّف والوعي الحضاري غير السليم، وهو الاتجاه القائم على أساس الاستهانة بشخصيّة المرأة، وكبت إرادتها، وتغييب دورها الاجتماعي والإنساني إلى جنب الرّجل. وهو الاتجاه المتوارث من التقاليد والأعراف الناشئة عن الجهل بالإسلام وظروف التسلّط، واستعلاء الرّجل، والتخلّف الفكري .

2 ـ الاتجاه المادي : الذي تنادي به الحضارة المادية الغربية، وهو الاتجاه المنادي بالإباحة الجنسية الذي يقود الى تدمير العلاقات الأسرية، وتسليط الاضطهاد والظلم على المرأة بأسلوب وطريقة أخرى، تحت شعار (حقوق المرأة) و (الحقوق الجنسية) … الخ ، والذي جعل المرأة ضحيّة الاستمتاع والاغتصاب الجنسي والأمراض الجنسية .

3 ـ الاتجاه الإسلامي : وهو الاتجاه الذي آمن بأن الرجل والمرأة قد خلقا من نفس واحدة فهما متساويان في الكرامة الإنسانية, ونظَّم العلاقة بين الرّجل والمرأة على أساس الاحترام والتعاون في بناء المجتمع، وتنظيم العلاقات الجنسية لا على أساس إباحة جسد المرأة، والاستمتاع به، وهدم أسس الروابط الأسريّة، كما يحدث الآن في أوربا وأمريكا وروسيا والصين واليابان، وغيرها من بلدان العالم المتأثِّرة بتيّار الحضارة الماديّة، بل على أساس احترام انسانيّة المرأة، ومنحها حقّها كإنسان له خصائصه وحقوقه، ومقوّمات شخصيّته .

 وكثير من النساء يغيب عنهن فهم وفقه الدور المطلوب منهن نتيجة غياب فهم مقاصد التكريم لهن ومقاصد خلقهم كنساء، كما تغيب عنهن معرفة مصادر الأفكار الوافدة مما هو اصيل في ديننا وثقافتنا كأمة عربية واسلامية.وغفلة المرأة عن الدور المطلوب منها قد يكون السبب الرئيسي لغياب الدورا لفاعل للمرأة في المجتمع.

 2-السقوط في النظرة الغربية للمرأة (الانبهار بالنموذج الغربي)

تتخذ بعض النساء من تقليد النساء الغربيات منهجا لها في اللباس والعادات والسلوك وهذا له عدة مظاهر:

– انبهار عدد كبير من النساء بالمظاهر الغربية في اللباس والسلوك

– تقليد النموذج الغربي في نظرته للمرأة، والتي تبدو في ظاهرها حرية ومساواة وتحضرا وانتصارالها بينما في حقيقة الأمر، تُستعبَد المرأة بتحميلها ما لا تطيق، وبإجبارها على العمل لتنفق على نفسها.

– مؤتمرات الأمم المتحدة التي تفرض علينا نسقا متتابعا من التخطيطات للأسرة والمرأة على الخصوص.

– تعظيم دور المرأة خارج المنزل (العمل مدفوع الأجر)على حساب دور المرأة المهم داخل الاسرة.

وهنا لا بد أن تستوعب المرأة المسلمة النقطة الجوهرية التي تميزها عن المرأة الغربية فقد كرمها الله ورفع من قدرها وساوى بينها وبين الرجل في التكليف والحساب وهي بذلك يمكنها أن تواجه تحديات العصر بكل ثبات وأهلية وجدارة، وتستطيع القيام بسد الثغرات التي لا يمكن أن يسدها الرجل لأنها من فطرتها لا من فطرته. فلا يحدث بينها وبين أخيها الرجل تزاحم على أدوار غير مخصصة له أصلا أو مخصصة لها وشاركها فيها، بل تتمكن بوعيها من معرفة مواقع التفاضل بينها وبين الرجل فتتقد في المواقع التي تفضله فيها وتتأخر في المواقع التي يفضلها فيها. كما تدرك مواقع التكامل بينها وبين الرجل فيتقدم كلاهما مدركين أن تلك المواقع مما يحتاج إليهما معا، فلا يقع تزاحم على مواقع وفراغ في مواقع أخرى.

وأن تعمل لأجل تفعيل دورها الرسالي المنوط بها، كأم أولا، وزوجة وأخت وابنة ثانيا، وكمسلمة مستخلفة في هذه الحياة ثالثا،وكلها أدوار تقوم بها المرأة المسلمة على التوازي ويكمل بعضها بعضا. وهذا يستدعي من المرأة أن تتحصن بما يكفي من الوعي الشرعي والواقعي وبما يلزم من العلم والخبرة كي تدافع عن نفسها، أو تتصدى لما يستهدف كيانها وشخصيتها، من برامج الغزو الثقافي والفكري والتربوي لتقوم بالدور المنشود منها.

2-    الخلط بين التقاليد المنافية للإسلام وبين نظرية الاجتماع الإسلامي :

     ان من التحديات التي تواجه المرأة وتقدمها: المغالطات التي يحاول خصوم الفكر الإسلامي، أو المخدوعون بالفكر المادي المنحلّ، أو الذين اختلطت عليهم المفاهيم فتغلّب الخلط وسوء الفهم، الخلط وعدم التمييز بين ما هو اسلامي يقوم على أسس القيم والمبادئ الإسلامية وبين ما هو عادات وتقاليد اجتماعية متخلِّفة نشأت في مجتمعات المسلمين المتخلِّفة، والتي تتناقض وروح الإسلام ومبادئه ومنهاج تنظيمه للمجتمع وأسس العلاقة بين الرّجل والمرأة، فراحوا ينسبون عن جهل أو عمد كل ما يشاهدونه في مجتمع المسلمين من ممارسات خاطئة الى الإسلام. ولا  بدّ لنا أنّ  ندرك أن هناك فرق بين مجتمع المسلمين القائم الآن، وبين المجتمع الإسلامي الذي يجب أن يقوم على أساس الإسلام، فقد سطّرت المرأة في العصور القديمة والحديثة وخاصة في المجتمعات الإسلامية أسطراً من نور في جميع المجالات، حيث كانت ملكة وقاضية وشاعرة وفنانة وأديبة وفقيهة ومحاربة  وراوية للأحاديث النبوية الشريفة. وأنّ هذا التخلّف الاجتماعي في مجتمع المسلمين هو جزء من التخلّف العام في مجال العلم والمعرفة والتنمية والتصنيع والصحّة … الخ .

والتاظر الى المجتمعات الاسلامية والعربية الان يجد كثير من الممارسات ضد المرأة تمارس باسم الاسلام ما هي الا  تقاليد وأعراف اجتماعية زائفة بالية. فالإسلام أعطى للمرأة حقوقها، وأكرمها إكرام الرجل نفسه، فهما شِقَّي الحياة، وخلفاء الله في أرضه، ولم ترد أي إشارة إلى أن الله تبارك وتعالى استخلف الرجل وحده في الأرض دون المرأة، قال تعالى :{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله} (التوبة: 71)، أو أن المرأة تابع للرجل في التفكير، وصنع القرار، والاستخلاف، وحاشا للإسلام أن يغفل عنها وعن أمورها، وهو الذي قرر مقومات تكريمها، قال تبارك وتعالى :{ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا }(النساء:124).

والمتأمل في واقع حال المسلمين اليوم وحال المجتمع خصوصا يلحظ التناقض الصارخ بين مبادئ التعاليم الإسلامية التي أُمروا بها، وبين واقع حالهم حقيقة؛ فالتناقض جلي، والتعارض واضح، المسلمون تركوا تعاليم دينهم واتجهوا نحو العرف وتقاليده البالية وخاصة فيما يتعلق بالتعامل مع المرأة سواء أكانت أختا أم زوجة أم ابنة أم أما، فكان الانتقاص من مكانة المرأة داخل الأسرة أولا، والعائلة ثانيا، والمجتمع ثالثا، والدولة رابعا. فلايقتصر الظلم الذي يمارس ضد المرأة احيانا داخل اسرتها باسم الدين بل اذا ما ارادت الخروج الى العمل فانها تُستهلك في وظائف إما ثانوية بأجر قليل وجهد كثير، وإما في وظائف تأخذ جهد المرأة كله غير تاركة لها  وقتا لتلبية رغبات البيت وواجبات الزوجة والأم وهذا بحد ذاته خطر محدق بالمجتمع.

وتتحمل المرأة جزء من تحمل المسؤولية في هذا الجانب لتقبلها للنظرة السلبية وعدم معرفتها بدورها وحقوقها التي اعطاها اياها الاسلام.فالخلط الحاصل عند المرأة في مفهوم القوامة مثلا فالمرأة تقبل وصاية الرجل على حياتها الأسرية، كونها أما وزوجة وأختا على الخصوص، وتقبل هذه الوصاية على حياتها الفكرية، فلا يكون لها أي رأي في شؤون حياتها! و هناك تعارض واضح بين ما تمليه النصوص الشرعية والقيم الإسلامية من أهمية بل وضرورة إشراك المرأة مع الرجل في  في ادارة مسؤوليات الحياة ، وبين التمييز المخل بين المرأة والرجل، المصطنع من قطاع عريض من المسلمين، وبصفة تكاد تكون غالبة، بالرغم من أن  نصوص القرآن والسنة تؤكد التكامل الفطري بينهما من حيث أنهما يشتركان ويتكاملان في القيام بالمسؤوليات والواجبات التي فرضها الله عليهما في هذه الدنيا فالرحل مثلا هو المسؤول عن العمل والنفاق على اسرته بينمايكون للمرأة مسؤوليات اخرى داخل الاسرة وحتى لو هي خرجت للعمل فمساعدة زوجها في الانفاق هنا تكون اختيارية شرط ان لا يمس ذلك بمسؤولياتها نحو زوجها وابناءها. ولا بد من الاشارة انه لايوجد هناك فرق بين المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والعلمية والفكرية وغيرها بين المرأة والجل إلا استثناءات حددها الشرع بدقة.

ولهذا كان في شرع الله أحكام مشتركة بينهما تتعلق بالواجبات التي يؤديانها ويشتركان فيها، كما أن في الشرع أحكام خاصة بكل واحد منهما مما ينسجم مع فطرته ويحافظ عليه. ولقد أدى الخلط بين الجانبين في ثقافتنا إلى انحسار دور المرأة وحظها من المشاركة الاجتماعية والفكرية والسياسية بشكل ملحوظ.

ثانيا: دور المرأة

       يمكن تقسيم الدور المأمول من المرأة في نهضة المجتمع الى دائرتين رئيسيتين وهما:

1- دائرة الأسرة

2- دائرة المجتمع

1- الدائرة الأولى :دائرة الأسرة

وهي اللبنة الأولى في بناء الأمة والخلية التي يبدأ الاجنماع الانساني ,وللمرأة دور رئيس في الاسرة لا يمكن بحال من الأحوال تغييبه, فالدور الحيوي للمرأة في الحياة، وهو إنجاب الأطفال وتنشئتهم، لا يتوقف هنا ، بل إن المطلوب منها كمسلمة أن تعي وظيفتها الوجودية التي وجدت لأجلها في الحياة الدنيا وهي الاستخلاف، المطلوب منها لتحقيق الاستخلاف أن تنجب لنا خلائف آخرين، جيل المستقبل، فالمرأة أو بالأحرى الأم وهي تؤدي دورها الحيوي في الحياة “الأمومة” أن تستغل هذه الأمومة ومشاعرها، التي لا يمكن بأي حال الاستيعاض عنها بالخادمة أو بيت الحضانة، تستغلها في إعداد جيل المستقبل، خليفة الله في الأرض، بالرعاية الطبيعية الحياتية (المأكل والملبس والنظافة)، ثم بالتربية والتنشئة الاجتماعية الدينية، فتكون الأم هي القيّم على نشر مبادئ وقيم وتعاليم الإسلام بين أولادها، من خلال التدريب اليومي على الأخلاق الإسلامية، والتنشئة الإسلامية.

وللمرأة دورها في تكوين القاعدة النفسية لبناء الاُسرة أكبر من دور الرّجل الذي عبّر عنه القرآن بقوله : (وخلق منها زوجها ليسكن اليها )، فالزوج هو الذي يسكن الى الزوجة، ويستقرّ بالعيش معها، فهي مركز الاستقطاب اطار الاستقرار والودّ والمحبّة .

وهكذا نفهم معنى (السكن) الذي توفِّره الزّوجة لزوجها وأسرتها،وهو:الرّاحة والاستقرار والاستئناس والرّحمة والبركة والوقار، كما نفهم سر اختيار القرآن لهذه الكلمة الجامعة لمعان عديدة .

ولقد أثبتت الدراسات العلمية أثر الوضع النفسي والعصبي للانسان على مجمل نشاطه في الحياة، فمن الثابت علميّاً أنّ المسؤولية الاجتماعية،و مسؤولية العمل والانتاج المادي: الزراعي والصناعي، والعمل السياسي والاجتماعي والوظيفي والخدمي في المجتمع: كالادارة والأعمال الهندسية والتعليم والطبّ والتجارة والفن … الخ، تتأثّر بشكل مباشر بأوضاع العاملين النفسية، وبذا تساهم طبيعة العلاقات الزوجية بين الرّجل والمرأة في مستوى الانتاج والتنمية بانعكاس آثارها النفسية والعصبية على طاقة الإنسان ونشاطه اليومي وعلاقته بالانتاج والعاملين معه .

وليس هذا فحسب، بل وتساهم الأم في تطوير المجتمع وبنائه فكريّاً وماديّاً وأخلاقيّاً من خلال تربية الأبناء وتوجيههم، فالطفل الذي ينشأ بعيداً عن القلق والتوتّر والمشاكل العائلية ينشأ سويّ الشخصية ايجابيّاً في علاقاته وتعامله مع الآخرين وعطائه الاجتماعي، بخلاف الطفل الذي ينشأ في بيئة عائلية تضجّ بالمشاكل والنزاعات والتعامل السيّئ مع الطّفل، فانّه ينشأ عنصراً مشاكساً، وعدوانيّاً في سلوكه وعلاقاته .وهناك مساحة أخرى من مساحات البناء الاجتماعي تساهم فيها الأم كما يساهم الأب، هي مساحة التربية الإيجابية، فالطّفل الذي يُنشّأ على حبّ العمل، والحفاظ على الوقت، ويوجّه توجيهاً مدرسيّاً سليماً من خلال العائلة، فيواصل تحصيله الدراسيّ وينمي مؤهّلاته الخلاّقة، يكون عنصراً منتجاً من خلال ما يحصل عليه من خبرات واختصاص علمي وعملي.

وهكذا تترابط حلقات البناء بين التربية والتنمية والإنتاج والأخلاق واستقرار المجتمع، ويبرز دور المرأة في البناء الاجتماعي في هذه المجالات كلّها .

وللمرأة دور في تدبير شؤون المنزل والاقتصاد المنزلي، في حرصها على ماليّة الأسرة ومراعاتها الاعتدال في الصّرف والكماليّات ووسائل الزينة والمباهات في الصّرف وحبّ الظهور.

فإنّ بإمكان الأم أن توفِّر قسطاً من وارد الأسرة وتخفِّف من تحمّل الديون بتقليل الصّرف، والتأثير على الأبناء بل والزّوج في رسم سياسة انفاق معتدلة للاُسرة توازن بين وارداتها ومقادير الاستهلاك والإنفاق .إنّ كثرة الاستهلاك والإسراف والتبذير في الأسرة ينعكس أثره ليس على الأسرة فحسب، بل وعلى الوضع الاقتصادي العام في المجتمع والدولة.ويلعب تثقيف المرأة على الاعتدال في النّفقة وتخطيط ميزانية الاُسرة دورا في بناء الوضع الاقتصادي وإنقاذه من المشاكل .وبذلك تساهم المرأة في بناء المجتمع عن طريق توجيه وتنظيم اقتصاد الاُسرة، والاعتدال في النّفقة جرياً على منهج القرآن ودعوته الحكيمة، ولتؤدِّي المرأة مسؤوليّتها كراعية لبيت زوجها، ومسؤولة عنه، كما جاء في البيان النبويّ الكريم .

 إن المرأة المسلمة المثقفة الواعية بدورها الرسالي كقيم على البيت تدرك تماما أن ثغر البيت لا يمكن أن يسده الرجل، بل أنها هي المسؤولة الأولى عنه؛ فهي من خلالهتقوم برعاية أبنائها وزوجها ، وبالتالي تساهم في بناء مجتمعها والحفاظ على استقراره وأمنه؛ فهي بالتزامها بنداء الفطرة تكون قد أمنت المرابطة على ثغر من الثغور الحساسة ألا وهو القيام بشؤون البيت وتربية الأبناء .ولا يعني ذلك أن مسؤولية المرأة المسلمة تنتهي عند قيامها على بيتها، بل لها دور اجتماعي مهم ودور حضاري أيضا، غير أنهما لا يلغيان دورها الأساس والجوهري في التنشئة الأسرية.

2- الدائرة الثانية :دائرة المجتمع

ان صورة الامة الاسلامية والمجتمع المسلم هي الصورة الاكبر للأسرةالمسلمة ,يتشارك كلا الرجل والمرأة في ميادين العمل العام مع اختلاف وتنوع درجة الاسهام في ميادين العمل وفق الامكانات والمؤهلات الفطرية والمكتسبة للرجل والمرأة,فكل ما تستطيعه المرأة أو تطيقه فطرتها من العمل العام بابه مفتوح امامها طالما ذلك لم يؤد الى طمس الفطرة أو مخالفة لثوابت الدين التي يستوي الرجل والمرأة في الاحتكام لها.وللمرأة صور عدة للمشاركة في نهضة المجتمع من خلال مشاركتها العامة في مختلف مؤسسات المجتمع سواء كانت هذه المشاركة من خلال العمل الوظيفي المأجور أو العمل التطوعي الخيري او المنظمات غير الحكومية أو المشاركة السياسية وسأتحدث عن مشاركة المرأة ودورها في بناء المجتمع من خلال مشاركتها في العمل التطوعي.

المرأة والعمل التطوعي :

العمل التطوعي ظاهرة اجتماعية صحية تحقق الترابط والتاَلف والتآخي بين أفراد المجتمع حتى يكون كما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم ( كالجسد الواحد ) والعمل التطوعي من أهم الأعمال التي يجب أن يعتني بها كما دلت على ذلك النصوص الشرعية من كتاب الله وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم وكلها تدعو إلى عمل الخير والبذل في سبيل الله سواء بالمال أو الجهد أو القول أو العمل ، فكل إنسان ذكراً كان أو أنثى مطالب بعمل الخير بما يتناسب مع قدراته انطلاقا من قوله تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعانوا على الإثم والعدوان ) .وتعود بدايات العمل التطوعي في العالم العربي القرن التاسع عشر، واستمراره بوتائر مختلفة حسب الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل دولة من الدول العربية، وإسهامه بنسبة كبيرة في تقديم العون والمساعدات للفئات الاجتماعية المحرومة.

ويعتبر البعد الثقافي القيمي عاملاً مهماً في العمل التطوعي، لما للمنظومة الثقافية والقيمية من تأثير على الدوافع والأسباب التي يحملها الأفراد، ولا شك أن الموروث الثقافي العربي الإسلامي يحتوي على العديد من القيم الاجتماعية والثقافية الإيجابية، كالتعاون والتكافل والزكاة والبر والإحسان، وغيرها من القيم التي تحفز المواطن على التفاني من أجل الغير.

ويمكن للمتتبع للتاريخ الإسلامي، أن يلاحظ أثر الأعمال التطوعية في الحياة العامة للمجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية في العهد الأول، إذ لم ينهضا ويقوما بدورهما الحضاري الرائد إلا بفضل الأعمال التطوعية التي كان يبذلها أفراد المجتمع الإسلامي، بل إنها كانت وراء استمرار المجتمع الإسلامي والمحافظة على بقائه وديمومته إلى الآن.

ولو نظرنا إلى التعليم والتربية في المجتمع الإسلامي مثلاً، لوجدنا أنها ما كان من الممكن أن تحرز التقدم المذهل والانتشار الواسع النطاق، لولا نظام الوقف الخيري، الذي هو أحد الأعمال التطوعية، وعن طريقه يتم تمويل عملية التربية والتعليم على جميع المستويات، مدارس وطلبة علم وأساتذة تعليم، وكتابة ومكتبات عامة وغير ذلك.

كذلك الأمر بالنسبة للصحة، فقد لعب العمل التطوعي دوراً مهماً في القضاء على الأمراض والحيلولة دون انتشارها وتفاقمها، وذلك من خلال حركة بناء المستشفيات ودراسة الطب والإنفاق عليه من موارد الأوقاف الخيرية، ومن خلال التوعية والتثقيف الصحي

من هنا تأتي أهمية العمل التطوعي، في كونه أحد السبل المثلى -بل أهمها- التي تُشارك في عملية تحسين الأحوال المعيشية، وإيجاد حياة أفضل لأفراد المجتمع.

فمن المعلوم أن من مجالات العمل الطوعي التي حث الدين الإسلامي على الاهتمام بها، الرعاية الاجتماعية للطبقات المحرومة والمعدومة، كالأيتام والفقراء والمساكين، وكذلك المرضى والمجانين، والعناية بالعجزة والأرامل والمطلقات، مضافاً إلى قضاء حوائج الناس، وإقامة المشاريع ذات النفع العام للمجتمع، كالأسبلة (مواضع استقاء الماء)، والحمامات العامة، والمستشفيات والمدارس والمكتبات، وسائر الأمور الأخرى التي ينتفع بها عموم الناس.

وتلعب النساء المسلمات دوراً بارزاً في مؤسسات العمل التطوعي، سواء في الجهات المَنَّاحة أو المستفيدة.

وتتمتع المرأة بصفات قد لا يطيقها الرجل، ومن أبرزها الصبر، فهي أجلد من الرجل في تحمل العمل في بعض المواقع،مما يحتم عليها أن تقوم بدور في مجتمعها، يوازي دورها في بيتها، ولا يخل به،ونؤكد هنا أؤكد أن إيمانينا بقيمة العمل الاجتماعي للمرأة لا يعني بحال من الأحوال تشجيعها على ترك بيتها، بل هو الأولى بها، ولكن المرأة القوية الفكر، الماهرة في إدارة وقتها، سوف تجد وقتا كافيا لهذا وذاك.

وإن النساء غير المرتبطات بأي عمل أو زوج، مدعوات أكثر من غيرهن أن يمارسن هذا العمل، فالفراغ مغبته وخيمة على النفس، قبل أن يكون على غيرها، وهن يمتلكن طاقات هائلة، فمن الظلم لها أن تنزوي في غرفتها أو تضيع وقتها فيما لا قيمة له،في الوقن الذي يكون المجتمع في أمس الحاجة إليها.

وهناك صور عديدة مما يمكن أن تمارسها المرأة في المجتمع مثل افتتاح جمعيات نسائية أومراكز لتنمية الطفل، أوالتدرب على الإلقاء، أوتدريب فتيات الأسر المحتاجة على مهنة يمكن من خلالها أن يغتنين،أ والقيام بمشروعات متنوعة للفتيات للاستفادة من أوقاتهن، وحفظ حياتهن فيما يعود عليهن بالنفع العاجل، من بناء الروح والعقل والجسد، وآجلا مما يؤهلهن للزواج والتربية، ويمكن تصنيف العمل التطوعي الى نوعين هما:

–         العمل التطوعي الفردي: وهو عمل أو سلوك اجتماعي يمارسه الفرد من تلقاء نفسه، وبرغبة منه وإرادة، ولا يبغي منه أي مردود مادي، ويقوم على اعتبارات أخلاقية أو اجتماعية أو إنسانية أو دينية … في مجال محو الأمية -مثلا- قد يقوم فرد بتعليم مجموعة من الأفراد القراءة والكتابة ممن يعرفهم، أو يتبرع بالمال لجمعية تعنى بتعليم الأميين.

–         العمل التطوعي المؤسسي: وهو أكثر تقدما من العمل التطوعي الفردي، وأكثر تنظيمًا، وأوسع تأثيرًا في المجتمع.في الوطن العربي توجد مؤسسات متعددة، وجمعيات أهلية تساهم في أعمال تطوعية كبيرة لخدمة المجتمع، مثل الجمعيات والمنظمات غير الجكومية والمنظمات الاهلية …الخ

ويمكن للمرأة أن تلعب دورا حيويا ورئيسيا في تنمية المجتمع وتطوره من خلال مشاركتها في التنظيمات الأهلية،الذي لا ينفصل عن وضعها في المجتمع بصورة عامة، وهو الوضع الذي سيتحدد بدوره، بمدى تطور البني الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية بالقدر الذي يتيح للمرأة المشاركة والعمل المجتمعي. ويتمثل النشاط الأهلي للنساء في أنماط متعددة، من أقدمها وأكثرها شيوعاً الجمعيات الخيرية النسائية، وهي الجمعيات التي ترتبط بالبر والإحسان، وتحاول بالتالي ترميم وإصلاح العيوب ومعالجة المشكلات من موقف إصلاحي، وهي أكثر أصناف الجمعيات رواجاً وعراقةً. وهي تارة جمعيات خيرية “مختلطة” تساهم فيها نساء، وتارةً أخرى جمعيات خيرية نسائية صرفة، لا تعمل فيها إلا نساء.بالاضافة الى عمل المرأة من خلال الجمعيات والاتحادات النسائية،والاحزاب السياسية والنقابات المهنية .

وعلى الرغم من أهمية الدور الذي تؤديه المرأة من خلال العمل المجتمعي الا اننا لا نستطيع نقل المرأة من المنزل إلى العمل دون التخطيط لذلك من عدة جهات:

أـ  تهيئة المرأة المسلمة علمياً: وذلك عبر فك العزلة عن عوالم الجهل التي تعيش فيها المرأة، والمراهنة على إيجاد أفضل الصيغ الملائمة لتحقيق مستوى من التعلم، يربطها بتعاقد تواصلي إيجابي مع كافة شرائح المجتمع. فتعليم المرأة يعتبر النواة الصلبة للمشروع التنموي الشامل، ثقافياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ويعد أهم مصنع لإنتاج ثقافة التغيير الاجتماعي من خلال ترسيخ ثقافة مجتمعية شاملة للتغيير تركز على تعليم المرأة.

ب- تهيئة المرأة عملياً وإعلامياً: فالعمل قبل كل شيء مسؤولية، فيجب على المرأة أن تعرف واجباتها وحقوقها الدينية، وتحرر المرأة من تبعيتها لكل ما هو تابع للموروث الثقافي الشعبي السلبي المخالف لتعاليم الاسلام  ، و أيضاً لظواهر مدنية حديثة زائفة (السلوك الاستهلاكي غير الواعي، التقليد في اللباس والعادات.. الخ)، ويخلق (العمل) منها شخصية متكاملة منتجة متميزة، قادرة على تحدي مشاكل الحياة، مع الحفاظ على كرامتها وزيادة تمسكها بالعائلة والمنزل والأولاد، لاسيما وأنها تشعر أنها تشارك في عملية البناء هذه.

مما سبق نجد ان لحركة المرأة وعملها دائرتين رئيسيتين لا تنقص احداهماأهمية على الاخرى الا اننا نجد ان هناك دعاة يغالون فيقولون ان المرأة ليس لها دور الا داخل اسوار المنزل وفي محيط اسرتها بينما يتطرف انصار الرأي الاخر بالمطالبة باخراج المرأة من بيتها وزجها زجا في معترك الحياة سواء كانت مهيأة لذلك ام لا طالبين منها التخلي عن عن دورها داخل الاسرة مقللين من ذلك الدور باسم التنمية والتطور والاقتصاد والفقر والمساواة وانا اقول ان المعادلة الصعبة التي اذا استطعنا نظم رموزها وتحقيقها وهي ايجاد التوازن بين دور المرأة داخل الاسرة وخارجها وقدسية كلا الدورين واهميته عليها اولا وعلى اسرتها ثانية وعلى المجتمع ثالثا وهذا الدور الذي حدده الشرع من خلال القران والسنة وأكدته الشواهد من خلال التاريخ الاسلامي.

ومشاركة المرأة المسلمة لا يتأتى إلا من خلال ” تهيئة المناخ الملائم لإقامة مجتمع ديني مثقف يفتح المجال أمام المرأة للمسلمة مع أخيها الرجل في بناء الحضارة الإسلامية، مراعية في ذلك قدراتها، و(كل ميسر لما خلق له) فلا نطالبها بما لا يليق بها، وهي التي أكرمها العلي القدير من فوق سبع سموات، فلا تخوض النساء فيما لا داعي له مطالبة بالمساواة الكاملة والتامة بدعوى قيامها بواجبها اتجاه أمتها في النهوض الحضاري.. إلى غيرها من الدعاوى الباطلة التي لا تستند إلى أي دليل راجح، والتي في معظمها تُفقِدها دورها الأساس، وهي مخزن العواطف الإنسانية، الشعور بالعاطفة نحو الأسرة، وبذلك تكون قد فقدت وظيفتها من حيث هي وسيلة لحفظ الأسرة، وبقاء المجتمع، فهي شق الفرد، كما أن الرجل شقه الآخر، قال صلى الله عليه وسلم :”إنما النساء شقائق الرجال”، فالمرأة والرجل يكونان الفرد في المجتمع.

 وفيما يلي بعض التوصيات التي تساهم في قيام المرأة بالدور المطلوب منها:

1-  التأكيد عل أهمية دور المرأة في الاسرة وأولوية هذا الدور لأن المرأة عماد الاسرة وقوامها.

2-  التأكيد على أن اضطلاع المرأة في الاسرة بدورها ينعكس على المجتمع ويساهم في تحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي.

3-  تفعيل قدرات المرأة المسلمة الذاتية ودعم مهاراتها وتحقيق التوازن بين دورها الاسري والمجتمعي.

4-  أهمية توعية المرأة لما يحيط بها من تحديات ضروري لتحقيق دور فاعل للمرأة المسلمة.

5-  أن تعي المرأة المسلمة أن التحرر معناه وعيها بذاتها ومسؤولياتها المنوطة بها كإنسان رسالي مستخلف في هذه الأرض.

6-  أن تعي المرأة أن دورها لا ينحسر في الإنجاب -مع أهمية وقدسية هذا الدور- فقط بل في إنتاج  نشء فاعل متميز بالرسالية.

7-  التأكيد على أهمية تعليم المرأة المسلمة للنهوض بها من أجل مواجهة الاستغراب، وترقية الإنسان المسلم عموما في مواجهة العولمة وأخطبوطها.

8-  التأكيد على دور المرأة في المجتمع من خلال العمل التطوعي شرط ان تكون المرأة مهيأة للقيام بذلك الدور.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.