من طبيعي ان يتزوج المرء سواء اكان ذكرا ام انثى لكن غير الطبيعي حدوث الطلاق في مرحلة مبكرة قد تبدأ ليلة الزفاف وقد تقع خلال الاعوام الاولى من الزواج.
الاخطر ان يتحول الطلاق المبكر الى ظاهرة جعلت من الاسرة كائنا هشا وانعكست اثارها على المجتمع باكمله فصار المجتمع ضعيفا لا يستطيع حماية افراده او تقويمهم في ظل زيادة نسبة التفكك التي تحدث بسبب الطلاق الذي ارتفعت نسبته خلال الـ 50 عاما الماضية من 7 بالمائة الى 40 بالمائة طبقا لاحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء والتي تشيرالى وقوع 240 حالة طلاق في اليوم الواحد.
واذا كان اجمالي عدد المطلقات في مصر يصل الى 2.5 مليون مطلقة فان النسبة الاكبر من هؤلاء تخص المتزوجات حديثا ممن تتراوح اعمارهن بين العشرين والثلاثين وهو ما يدعوننا للتوقف لدراسة تلك الظاهرة.
ربما تكون تجارب المطلقات الصغيرات مفتاحا للوقوف على اسباب ظاهرة الطلاق المبكر وقد قابلت كثيرات منهن حكين لي عن دوافع اسباب الطلاق ورغم ان كثيرا من التجارب كانت مبنية على حب الا ان رصاصة الطلاق كانت هي الحل الارحم والبديل لاستمرار نزيف المشاعر الانسانية تحت سقف مهدد بالانهيار وربما الانفجار في اية لحظة.
قالت لي صاحبة تلك التجربة: تزوجت في السادسة عشرة من عمري هربا من الفقر والجوع الذي حاصرنا انا واخواتي بعد وفاة امي بعد رحلة طويلة مع المرض والحسرة التي اصابت امي بعد ان هرب ابي من تحمل مسؤولية الصغار بحجة انه سيسافر للعمل واختفى دون ان نعلم عنه شيئا فقررت الارتباط بأول شخص يتقدم لي بعدما سبقتني اختي الكبرى في الزواج وتم الزواج الذي اسفر عن طفلين في عمر الزهور وبدأت الحياة في الانحدار بعدما عرف زوجي طريقه للمخدرات وبدأ يعاملني بقسوة وامتنع عن الانفاق علي وعلى ابنائه الصغار وفي جلسة معاتبة له محاولة مني لاصلاحه لم يكلف نفسه خاطرا سوى ان يرمي يمين الطلاق واصبحت مطلقة في الواحدة والعشرين.
اما هذه السيدة الصغيرة فتروي بعيون شاردة حزينة تجربتها الماساوية فقد تم طلاقها بعد شهرين فقط من زواجها لتصبح مطلقة في شهر العسل وقالت لي تخرجت في الجامعة لاشق طريقي في الحياة العملية التي كانت بالنسبة لي نافذة للعالم الذي طالما حلمت به لاكون كيانا قويا فعالا وسط المجتمع هربا من الجهل الذي يسود جو عائلتي التي ترى ان البنت مصيرها لبيتها وزوجها وان العمل لن يضيف اليها جديدا بل سوف يعطلها عن تكوين اسرة. وبالفعل تمت خطبتي على الشخص الذي وجدوا انه مناسب ويقدر ان يفتح بيتا وتم الزواج بالفعل لاصطدم بالواقع ويصدق حدسي فالرجل الذي تزوجته لا يصلح للزواج اصلا واضطررت تحت ضغوط المعيشة معه الى طلب الطلاق وهو لم يتردد في التفكير وارسل لي ورقة طلاقي لاصبح مطلقة بعد شهرين من الزواج.
وتلك مجرد نماذج لعشرات الحالات وربما تكون الاسباب والدوافع متعددة لكنها في النهاية تدعونا للتساؤل حول ظاهرة الطلاق المبكر. د. محمد شهاب استشاري الطب النفسي يرى ان الفقر والجهل والتدليل او الرفاهية قد تكون عوامل مساعدة على حدوث الطلاق وليست اسبابا رئيسية ويقول ان الطلاق المبكر ناتج عن زواج مبكر وهو يعني ان الزوج والزوجة قد يكونان في سن صغيرة وهو ما يعني انعدام الخبرة الحياتية وخاصة ان كان سن الزواج صغيرا اما اذا كانت الزوجة صغيرة والزوج يكبرها بسنوات كثيرة فليست هناك مشكلة فقد تمر سفينة الحياة بسلام لان الرجل هو رمز المسؤولية والعطاء ورمز القدوة في اسرته فيستطيع بخبرته وفطنته تجاوز بعض المشكلات والخلافات التي قد تطرأ على الحياة الزوجية.
على جانب اخر يشير د.شهاب الى ان الضغط النفسي على الفتاة لقبول الزواج يتسبب في حدوث القلق والتوتر لها فيغلق عليها دائرة الاختيار بين البدائل فتندفع في الزواج وتفشل وان كان ذلك الاسلوب يرجع الى المستوى الطبقي والثقافي للاسرة.
اما د.يوسف صبري استاذ علم النفس الاكلينيكي بجامعة القاهرة فيقول: ان نسبة الطلاق في ارتفاع بوجه عام وتلك الظاهرة لم تكن موجودة من قبل اما ابرز اسبابها فهي الاسباب الاجتماعية ومنها عدم التوفيق في الاختيار لان الاندفاع والسرعة في اختيار شريك الحياة تؤدي الى مفاجأة وصدمة بعد الزواج بسبب اختلاف الطباع والمزاج والميول فتحدث قطيعة نفسية لا يستطيعون التعايش معها ثم يحدث الطلاق.
ايضا هناك عوامل بيولوجية اي عدم التوافق الجنسي بين الزوجين ومما لاشك فيه ان الزواج نظام اجتماعي جنسي فالجنس حاجة طبيعية مثل الطعام والشراب وعدم التوافق الجنسي بين الزوجين قد يؤدي الى فتور في العلاقة الزوجية التي هي في الاساس علاقة واقعية متكاملة الاركان وحدوث خلل في اي ركن من ركائزها قد يؤدي للفشل.
وترى الدكتورة سامية خضر رئيس قسم الاجتماع والفلسفة بكلية التربية بجامعة عين شمس ان الطلاق منتشر اكثر في الطبقات الراقية عنه في الطبقات المتوسطة او الفقيرة وذلك بسبب انعدام المسؤولية التي تنعدم معها اهم الاسس والمبادىء التي تكفي لاقامة اسرة او بيت وتضيف د.سامية ان نسبة الطلاق في الطبقات الفقيرة قليلة او تكاد تكون منعدمة بالمقارنة بمثيلاتها في الطبقة الراقية وذلك بسبب النظرة المشوهة التي تتعرض لها الفتاة المطلقة في المجتمع الذي دائما ينظر بعين الشك فلاتجد مفرا سوى التحمل حتى لا تحمل لقب مطلقة. وتقول د.سامية هناك اثار اجتماعية تحاصر الفتاة بعد الطلاق فالمجتمع ينظر اليها دائما على انها متهمة وليست ضحية كما يشعر اهل الفتاة انها اصبحت عبئا عليهم وخاصة انها تحمل لقب مطلقة فلن تتمتع بقدر الحرية الذي كان متاحا لها من قبل اضافة الى ذلك فان زميلاتها وصديقاتها يؤثرن تجنبها ولن تجد الترحيب كسابق عهدها حرصا على ازواجهن او من اهلهن الذين يحذرون الفتيات غير المتزوجات من ان يكون لهن صديقات مطلقات فتفتقد الدفء والسند الفكري.