وأما أكثر من حفظ عنه الشعر في الأسر ، فهو أبو فراس الحمداني الذي أسرته الروم , فأنشد قصائد عدة سُميت بالروميات لكثرتها , ومن أجملها , وأشهرها قوله وقد سمع حمامة تنوح بقربه على شجرة عالية(7) :
أقول وقد ناحت بقربي حمامةٌ * * * أيا جارتي هل تشعرين بحالي
معاذ الهوى ما ذقت طارقة الهوى * * * ولا خطرت منك الهموم ببالِ
أتحمل محزون الفؤاد قوادمٌ * * * على غصن نائي المسافة عالي
أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا * * * تعالي أقاسمك الهموم تعالي
تعالي تَريْ روحاً لدي ضعيفةً * * * تردَّدُ في جسم يُعذب بالي
أيضحك مأسورٌ وتبكي طليقة * * * ويسكت محزون ويندب سالي
لقد كنتُ أولى منك بالدمع مقلةً * * * ولكنَّ دمعي في الحوادث غالي
ومن رومياته أيضاً من ” يتيمة الدهر ” للثعالبي :
أراك عصي الدَّمع شيمتك الصبرُ * * * أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمرُ
بلى أنا مشتاق وعندي لوعةٌ * * * ولكن مثلي لا يذاع له سرُ
إذا الليل أضوى بي بسطت يد الرجا * * * وأذللت دمعاً من خلائقه الكبرُ
تكاد تضيء النار بين جوانحي * * * إذا هي أذكتها الصبابة والفِكرُ
وللوزير الكاتب أبي بكر محمد بن سوار الأشبوني الأندلسي , – الأنف الذكر – قصيدة طويلة ومعبرة , قالها وهو أسير في مدينة قورية(8)، يصف بها كيفية القبض عليه حينما هجم عليهم النصارى بالأندلس(9), منها قوله :
ولما بدا وجه الصباح تطلعت * * * خيولٌ من الوادي محجلةٌ غرُ
فقلت لهم : خيل النصارى فشمَّروا * * * إليها وكروا هاهنا يحسن الكرُّ
وكانت حميّا النوم قد صرعتهم * * * ففُلُّوا ولوا مدبرين وما فرّوا
وأفردت سهماً واحداً في كنانة * * * من الحرب لا يُخشى على مثله الكسرُ
وكنت عهدت الحرب مكراً وخدعةً * * * ولكن من المقدور ما لامرئ مكرُ
فطاعنتُهم حتى تحطّمت القنا * * * وضاربتهم حتى تكسرت البُتر
وأضـرِّج أثوابي دماً وثيابهُم * * * كأنّ الذي بينـي وبينهـم عطـرُ
وأحدق بي والموت يكشر نابه * * * ومنظره جهـمٌ وناظره شزرُ
فأعطيتها وهي الدنية صاغراً * * * وقد كان لي في الموت لو يدني عذرُ
فطاروا وصاروا بي إلى مستقرهم * * * يصاحبنـي ذلٌ ويصحبهم فخرُ
ونختم ببيتين لعبد الله بن إبراهيم بن مثنى الطوسي المعروف بابن المؤدب ، المأسور بصقلية(10) :
لا يذكر الله قومـاً * * * حللت فيهم بخيـرِ
جاهدت بالسيف جهدي * * * حتى أُسرت وغيري