عجزاً بالموازنة .. نقص السيولة الدولارية.. إتساع عجز الميزان التجاري..كلها أمور دفعت الحكومة المصرية إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي ،ولكن هل الاقتراض هو الطريق الامثل؟ ما هي الاعباء التي تترتب عليه؟ هل هناك شروط للصندوق للحصول على القرض أم دوره رقابي وهل يجب ان تسحب مصر كامل المبلغ؟.. أسئلة كثيرة يطرحها موقع أخبارمصر ويجيب عليه الخبراء والمسئولون.
تاريخ الاقتراض من الصندوق
تستهدف مصر تمويلًا من صندوق النقد الدولي بنحو 4 مليارات دولار سنويًا لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وضعته الحكومة لمدة 3 سنوات بقيمة إجمالية 12 مليار دولار، وسيصبح هذا اكبر قرض تحصل مصر عليه منذ انضمامها الى صندوق النقد الدولي.
وسبق لمصر التعاون مع صندوق النقد الدولي لتمويل 4 قروض في الفترة ما بين 1987 حتي 1998 بإجمالي 1.2 مليار وحدة حقوق سحب بما تعادل 1.85 ملياردولار، صرفت مصر منها فعليا 421.3 مليون دولار و التي تساوي خمس القيمة الإجمالية من الفترة 1987 حتي 1998.
جدير بالذكر انه عقب ثورة 25 يناير 2011 سعى المجلس العسكري إلى اقتراض 2.3 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وكان الاتفاق على وشك أن يُبرم بين الجانبين بشكل نهائي، ولكنه لم يكتمل، مع انتقال السلطة للرئيس المعزول محمد مرسي، في منتصف 2012.
كما سعت حكومة مرسي لاقتراض 4.5 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، ولكن الاتفاق لم يرَ النور بعد عزله، في الثالث من يوليو عام 2013.
وتتوقع الحكومة الحصول على شريحة أولى بقيمة لا تقل عن ملياري دولار من قرض صندوق النقد الدولي خلال شهرين إذا توصلت لاتفاق مع الصندوق.
جدوى القرض
قالت الدكتورة أمينة غانم مساعد وزير المالية السابق إن التسهيل الائتماني من صندوق النقد الدولي مقابل برنامح إصلاح اقتصادي مصري خالص، ومن المتوقع كما هي العادة انه بمجرد الإعلان عن الإتفاق ان تتغير نظرة الأسواق العالمية تجاه الإقتصاد المصري، ومصداقيته وان تتلقى مصر بناء على هذا القرض عروضا تمويلية اخرى قد لا تحتاج بعدها مصر إلى كامل القرض أو كله.
واشارت غانم إلى انها واكبت 3 برامج اصلاح اقتصادي خلال عملها في وزارة المالية، وخلال البرنامج الأول لم تحصل مصر إلا على 60 %، فيما لم تسحب اي من التمويل المقدم في البرنامجين الاخرين، لتنفيذها سياسات اصلاح وتلقيها قروض من جهات اخرى.
وأردفت “الصندوق سيمثل ” الضمير” لتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري دون تراجع.”
وذكرت مؤسسة “فيتش” للتصنيف الائتمانى ان حصول مصر على قرض من صندوق النقد الدولى، له تأثير إيجابى على تصنيفها الائتمانى، لكن مخاطر التنفيذ مرتفعة، مرجحة أن تستمر البلاد فى مواجهة العديد من التحديات الاقتصادية.
وأضافت فيتش أن الاتفاق مع المؤسسة الدولية يسرع أيضا وتيرة الإصلاحات المالية ويعزز الثقة فى اقتصاد البلاد، التى تكافح حاليا مع عجز موازنة قرب 12% وارتفاع كبير فى التضخم (تضخم من رقمين 14%) ونمو اقتصادى دون المتوسط.
من جانبه، يرى د.هشام إبراهيم استاذ التمويل والاستثمار في جامعة القاهرة ان مصر لديها حقوق سحب ويجب الإستفادة منها خاصة وان الفائدة قليلة، الا انه لا توجد جدوى اقتصادية من القرض اذ انه سيذهب في مصروفات جارية، كعجز الموازنة ومواجهة أزمة الدولار، وهي بنود بلا عائد، وليس في الاستثمار لنحصل في المقابل على عائد منه.
ويرى عبد الخالق فاروق الخبير الاقتصادي ومدير مركز النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية السابق- ان قرض صندوق النقد الدولي لن يكون
كفيل بحل مشاكل مصر مدللا على ذلك بان مصر حصلت خلال العامين والنصف السابقين على مساعدات ومنح وقروض باكثر من 22 مليار دولار من بعض الدول الخليجية ولم نر مردود اقتصادي لهم.
وأضاف فاروق انه خلال ذات المدة الزمنية لجأت الحكومة إلى الإقتراض الداخلي ليبلغ رقم غير مسبوق، ومن المتوقع ان يبلغ في يونيو 2017 نحو 3.3 تريليون جنيه اي ما يعادل 110 % من الناتج المحلي الاجمالي.
واردف ” اللجوء الى الاقتراض حلقة شريرة تؤدي الى مزيد من الاستدانة”
هل هناك شروط؟
نفى وزير المالية عمرو الجارحي وجود شروط لدى صندوق النقد الدولي لاقراض مصر، موضحا أن أولويات الحكومة في التفاوض على قرض صندوق النقد الدوليتتمثل في تطبيق برنامج إصلاح الإقتصاد المصري.
من جانبها، أوضحت د.علياء المهدي الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أن الحكومة المصرية تعلم شروط صندوق النقد الدولي للاقتراض والتي دائما ما تهتم بتحرير سعر الصرف والفائدة، وتحرير أسعار المنتجات العامة الحكومية، بالاضافة إلى معالجة عجز الموازنة من خلال زيادة الايرادات عن طريق ضريبة القيمة المضافة التي من المقرر أن ترفع حصيلة الضرائب.
واضافت ” ومن المعروف ان شروط الاقتراض من صندوق النقد تتطلب برامج الخصخصة اي بيع بعض الأصول المملوكة للدولة لتخفيف الأعباء المالية وكل الشروط السابقة تتسق مع برنامج الإصلاح الأقتصادي الذي أعدته الحكومة.”
فيما أكد فخري الفقي مساعد المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي سابقًا ان الصندوق لا يضع شروطا، وإنما سيتابع معايير الاداء لتنفيذ التدابير والمعاييروسياسات برنامج الاصلاح الذي وضعته مصر، ويقسم القرض على شرائح وفي حال التزام الحكومة بالجدول الزمني يفرج الصندوق عن الشريحة الاخرى.
وتساءل ” هل الحكومة الحالية قادرة على تنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادي في موعده، ففي حال التقاعس عن التنفيذ خوفا من رد فعل الشارع ،فلن تحصل مصر على باقي الشرائح.
وأكد الفقي ان مصر بدأت منذ عامين في تنفيذ خطة اصلاح اقتصادي اي قبل التفاوض على قرض صندوق النقد الدولي، حيث قامت بتخفيض الدعم الموجه للبنزين والكهرباء بالاضافة الى انشاء نظام تمويني جديد ناجح “ببطاقة التموين الذكية”، والآن مجلس النواب اقر قانون الخدمة المدنية، والذي سيعمل على تحجيم مبلغ الاجور في الموازنة العامة وذلك لان التعيينات الجديدة ستقتصر على حاجة العمل الحقيقية فقط، وفي طريقنا لتطبيق ضريبةالقيمة المضافة، وكروت البنزين الذكية.
بدائل الاقتراض؟
يرى فخري الفقي انه لا بديل عن الاقتراض من صندوق النقد الدولي وذلك لتعويض الفجوة التمويلية ما بين المدخرات والاستثمارات الطموحة، في ظل تراجع النقد الأجنبي بنحو 25 % في ظل إنخفاض الصادرات وتحويلات العاملين بالخارج والسياحة والاستثمارات الأجنبية.
وأضاف الفقي ان هذه الفجوة خلقت ازمة في السيولة الدولارية وقفزت بسعر العملة الامريكية إلى أرقام قياسية في السوق الموازية، وزاد الامر سوءا انخفاض الجنيه امام الدولار رسميا والتصريحات التي تصدر عن طارق عامر محافظ البنك المركزي مما ادى الى موجة غلاء ،تجرعها الفقراء.
بينما يرى عبد الخالق ان هناك سبل اخرى بديلة عن صندوق النقد منها إعادة النظر فى النظام الضريبي، وفرض ضريبة على أرباح الشركات والدخول المرتفعة للأغنياء ليصل بالحصيلة الضريبية إلى 35% من الناتج المحلي بدلا من 11% إلى 13%، وذلك في ظل نظام ضريبى صارم وعادل ومراقب.
كما اقترح تصفية الصناديق والحسابات الخاصة الموجودة فى كل الوزارات والمصالح والمحافظات والتى تستنزف المواطنين ولا تدخل إلى الخزانة العامة وتشجيع الناس على الاستثمار فى أسهم الشركات الصناعية ( وبالتالى لابد من دخول الدولة والقطاع العام فى الاستثمار الانتاجى وهذا سنعود إليه فى الخطط المتوسطة الأجل).
أعباء الديون
أكد فخري الفقي مساعد المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي سابقًا ان الفقراء لن يضاروا من قرض صندوق النقد الدولي او من برنامج الاصلاح الاقتصادي نظرا لأن الحكومة لديها شبكة للحماية الاجتماعية والرئيس مهتم بطبقة الفقراء ودائما ما يوصي بها.
في الوقت الذي اشار فيه هشام ابراهيم إلى خطورة تراكم القروض وزيادة الاعباء، فالدين الخارجي بلغ 53 مليار دولار، بالإضافة إلى قرض مشروع الضبعة النووي البالغ 25 مليار دولار- ويبلغ أجل القرض 13 عاما بفائدة 3% سنويا – ، والآن تنشد مصر اقتراض 21 مليار دولار من بينها 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
ووفقا لاحدث تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء فان 27.8 % من سكان مصر تحت خط الفقر، ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم من الغذاء وغيره.
وارتفعت أعباء الديون – الفوائد السنوية – في الموازنة العامة للعام المالى المقبل 2016/2017 بنحو 19.9% عن العام المالي السابق لتبلغ 292.5 مليار جنيه.
الدين-الخارجي
وبلغ اجمالي الديون الخارجية على مصر 53.4 مليار دولار بنهاية مارس 2016 ليبلغ نصيب الفرد من الديون الخارجية نحو 549.3 دولار بما يوازي 5163 جنيها ليرتفع من 491.2 دولار او ما يوازي 4360 جنيها في الربع السابق عليه.
وأكد عمرو الجارحي وزير المالية أن قرض الصندوق سيسهم بشكل كبير في سد عجز الموازنة العامة للدولة، ويساعد في السيطرة على ارتفاع الأسعار الذي شهدناه بشكل ملحوظ خلال الآونة الأخيرة، لافتا إلى أن الحصول على قرض صندوق النقد الدولي هو بمثابة اعتراف بالبرنامج الإصلاحي لدى الحكومة المصرية، وثقة في خطواتها الجادة لضبط السياسة النقدية.
وتعاني مصر من تزايد معدلات عجز الموازنة التي سجلت 12% في المتوسط خلال آخر 4 سنوات، كما ارتفع الدين العام لنحو 2.7 تريليون جنيه منها 53.4 مليار دولار مديونية خارجية وهذه الأرقام تقارب على نسبة 99% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، بجانب ارتفاع في معدلات البطالة لنحو 13.4% والتضخم فوق مستوي 11% وعجز كبير في الميزان التجاري وميزان المدفوعات وأزمة في أسعار صرف العملة المصرية سببها نقص الدولار.
وكان وزير المالية عمرو الجارحي قد أعلن ان برامج الدعم والضمان الاجتماعي المخصصة لمحدودي الدخل ارتفعت بنسبة تتراوح بين 150 إلى 200 % خلال الفترة الماضية.
وأشار الى ان الحكومة استهدفت زيادة مخصصات برامج الحماية الاجتماعية وان يصل الدعم لمستحقيه بالفعل لأنه علي مدار الـ 5 سنوات الماضية كان اكثر المستفيدين من دعم الطاقة هم الشريحة الاعلي دخلا وليست الفئات الاقل دخلا المستهدفة بهذا الدعم.
وأوضح ان انخفاض الدعم المخصص للوقود قابله زيادة فى الدعم الموجه لمحدودي الدخل مثل برامج “تكافل وكرامة” والدعم الخاص بالسلع الاساسية عبر بطاقات السلع التموينية .