عبر المسيرة الإنسانية الطويلة، كانت المعرفة هي معقد الفخر الإنساني، ومنذ اللحظة الأولى لانبثاق النوع الإنساني تمّ تكريم آدم عليه السلام، وتحقيق امتيازه الأكبر من خلال العلم والمعرفة، وحين أصبح هذا المجد إرثاً في ذرّيته كانت القراءة هي وسيلتهم الفضلى للسير في طريق النور والحقيقة، وحين نتأمّل الجوهر العميق للديانات السماوية نجد أنّ فعل القراءة هو الأعمق حضوراً، والأكثر تأثيراً في تشكيل الوعي وبناء الإنسان، وحين أراد الله تعالى أن يختم رسالاته إلى أهل الأرض كانت كلمة {اقرأ} هي مفتاح الخطاب ودليل السائر إلى مدارج الصواب، ومنذ أن حمل العرب مشاعل العلم والمعرفة وأقبلوا على كتاب ربهم قراءة وتدبّراً كان المجد حليفاً لهم، والسؤدد والرفعة استحقاقاً لعمق حضورهم، حتى إذا تراخت قبضتهم عن جمر القراءة والتفكّر والفهم، رجع بهم الزمان، وأدار لهم ظهره، وأفَلتْ شمس مجدهم، وانخسف بدر ليلهم الوضّاء، وإذا كانت شرارة المجد انطلقت من كلمة «اقرأ» فإنّ مجدهم الغابر لن يعود إلا إذا عادوا إلى كلمة «اقرأ» طيّبة بها نفوسهم، ومنشرحة بها صدورهم، وعامرة بها قلوبهم، فهناك تنشأ الأجيال القادرة على مواصلة بناء مسيرة المجد للأمة، وإعلاء شأنها بين الأمم والشعوب.
وإحياءً لهذه الأمجاد الزاهرة للأمة، وتصميماً على استعادة المواقع الرياديّة، أطلق صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، مبادرة كبرى هي مبادرة تحدي القراءة العربي عام 2015م، كأكبر مبادرة عربية لاستعادة فاعليّة القراءة وتنشيط الطاقات الكامنة، وتنمية عادة التواصل مع الكتاب الذي هجرته الأجيال الشابة طويلاً، بحيث يصبح ذلك عادة متأصلة في حياتهم تعزّز الشغف المعرفي لديهم، وتوسّع مداركهم، وتفتح أمامهم الآفاق الجديدة في التفكير وتعزيز الخبرات وقطف ثمار المعارف من الثقافة الأمّ ومن جميع الثقافات، الأمر الّذي سيؤدّي إلى نموّ المهارات الذاتية في التفكير والتحليل والاستنتاج، وامتلاك هذا الجيل الصاعد روح العصر وحيويته بسبب هذا التماسّ المباشر مع ثقافته، ودخوله في هذه الأبواب التي أشرعت أمامه بفعل هذه المبادرة الفاعلة النادرة التي ستنمّي في شخصيّته روح الانفتاح الذكي على الثقافات الأخرى، وإعلاء قيمة التعارف بين الشعوب، وإعادة تأكيد الحضور العربي في المشهد الحضاري.
وتـأكيداً على الأثر القوي لهذه المبادرة في صناعة أجيال المستقبل، وضعت المبادرة على صفحتها الأولى عبارةً ثمينة لصاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد يقول فيها: «أوّل كتاب يمسكه الطلاب، يكتب أول سطر في مستقبلهم» لتكون هذه العبارة المؤثّرة مصدر إلهام لكلّ العاملين في الارتقاء بمهامها، فصاحب السموّ يراهن دائماً على المستقبل، بل إنّ المستقبل هو المنظور الذي يُعاين من خلاله العالم، وزيادة على التأكيد على الاهتمام الاستثنائي من لدن صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد بهذه المبادرة وما تعنيه له في دلالتها المعنوية جعل لها مجموعة قيّمة من الجوائز المعتبرة تمثّلت في الجائزة الأولى بمبلغ مليون درهم للمدارس المتميزة، ونصف مليون درهم جائزة أبطال التحدي، و300 ألف درهم جائزة المشرفين المتميزين، و100 ألف درهم جائزة أبطال الجاليات، لتلتمع الجائزة مثل النجم الثاقب في سماء العالم العربي، وتشهد إقبالاً منقطع النظير تأكيداً على عمق الاحترام والاهتمام الذي حظيت به داخل العالم العربي.
في الموسم الثامن لهذا التحدّي المتميّز داخل الثقافة العربية، احتفى صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد بالنقلة الفذّة لهذه المبادرة، حين بلغ عدد الطلبة المشتركين 28 مليون طالب يمثّلون 229 مدرسة من خمسين دولة، وهذه الجغرافيا المترامية الأطراف، والأعداد الضخمة من المشاركين هي خير تأكيد على النجاح الباهر الذي حقّقته هذه المبادرة المتميزة بالرعاية الحثيثة من لدن صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد الذي نشر على موقعه كلمة قصيرة جدّاً، لكنّها عميقة الدلالة على احترامه لهذه المبادرة ولهذه الأجيال النشيطة التي سمعت النداء فأجابت بالتلبية، فاحتفى بهم صاحب السموّ قائلاً: «فخورٌ بجيل عربيّ عاد للقراءة، متفائلٌ بجيل سلاحه للمستقبل هو العلم والمعرفة والأمل»، لتكون هذه الكلمات أروع تجسيد لمدى اهتمام صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد بأهمية القراءة ودورها الفاعل في صناعة الوعي، وبناء الرؤية وصقل الشخصية، فالقراءة ليست نوعاً من أنواع الترف، ولا تسلية لتزجية الوقت، بل هي مهمّة خطيرة ينبثق منها أعظم المنافع التي ترتجيها الأمة، وتعقد عليها الأمل في بناء أجيال تعرف قيمة القراءة، وتنخرط بقلوب واعية وحماسة مستبصرة في عملية التثقيف الذاتي، وبناء الوعي القادر على فهم العصر، والإجابة عن أسئلته، ومواجهة مشكلاته، والحوار مع ثقافته ومثقّفيه، فيحصل نوع من التوازن الداخلي، ويشعر الإنسان العربي أنه إنسان قادر على الإسهام في رفد ثقافة عصره برؤيته الخاصة وثقافته الذاتية النابعة من أصالته المنفتحة بوعي ورصانة على مختلف الأمم والثقافات.
وتعزيزاً للروح المعنوية لدى هذه الأجيال الطالعة مثل فجر يوم جديد، ختم صاحب السموّ تغريدته الثمينة بقوله: «الجيل العربي القارئ هو جيلٌ عربي واعٍ وقادر على بناء مستقبل أفضل، ولن تغرب شمس أمة جعلت من كلمة اقرأ فعل حياة»، فطوبى لهذه الأجيال الفتيّة بهذه الرعاية المتميزة من لدن صاحب السموّ الشيخ محمّد بن راشد، والتي تبعث فيهم الهمم، وتستنهض منهم العزائم، وتجعل القارئ العربي محلّقاً في مدار الشغف والتفاني في حُبّ العلم وعشق المعرفة.