كانت فاطمة جالسة حين استقبلت والدتها جارتها التي قدمت لزيارتها، كادت الأم تصعق، وهي ترى ابنتها لا تتحرك من مقعدها فلا تقوم للترحيب معها بالجارة الطيبة الفاضلة التي بادرت – برغم – ذلك إلى بسط يدها لمصافحة فاطمة ، لكن فاطمة تجاهلتها ولم تبسط يدها للجارة الزائرة، وتركتها لحظات واقفة باسطة يدها أمام ذهول أمها التي لم تملك إلا أن تصرخ فيها: قومي وسلمي على خالتك، ردت فاطمة بنظرات لا مبالية دون أن تتحرك من مقعدها كأنها لم تسمع كلمات أمها!
أحست الجارة بحرج شديد تجاه ما فعلته فاطمة ورأت فيها مسا مباشرا بكرامتها، وإهانة لها، فطوت يدها الممدودة، والتفتت تريد العودة إلى بيتها وهي تقول: يبدو أنني زرتكم في وقت غير مناسب! هنا قفزت فاطمة من مقعدها، وأمسكت بيد الجارة وقبلت رأسها وهي تقول: سامحيني يا خالة، والله لم أكن أقصد الإساءة إليك، وأخذت يدها بلطف ورفق ومودة واحترام، ودعتها لتقعد وهي تقول لها: تعلمين يا خالتي كم أحبك وأحترمك ؟
نجحت فاطمة في تطيب خاطر الجارة ومسح الألم الذي سببته لها بموقفها الغريب، وغير المفهوم، بينما أمها تمنع مشاعرها بالغضب من أن تنفجرفي وجه ابنتها. قامت الجارة مودعة، فقامت فاطمة على الفور، وهي تمد يدها إليها، وتمسك بيدها الأخرى يد جارتها اليمنى، لتمنعها من أن تمتد إليها وهي تقول: ينبغي أن تبقى يدي ممدودة دون أن تمدي يدك إلى لأدرك قبح ما فعلته تجاهك. لكن الجارة ضمت فاطمة إلى صدرها، وقبلت رأسها وهي تقول لها: ما عليك يابنتي .. لقد أقسمت إنك ما قصدت الإساءة.
ما إن غادرت الجارة المنزل حتى قالت الأم لفاطمة في غضب مكتوم: مالذي دفعك إلى هذا التصرف ؟ قالت : أعلم أنني سببت لك الحرج يا أمي فسامحيني. ردت أمها: تمد إليك يدها وتبقين في مقعدك فلا تقفين لتمدي يدك وتصافحيها؟ قالت فاطم : أنت يا أمي تفعلين هذا أيضا! صاحت أمها: أنا أفعل هذا يافاطمة؟ قالت: نعم تفعلينه في الليل والنهار. ردت أمها في حدة: وماذا أفعل في الليل والنهار؟ قالت فاطمة : يمد إليك يده فلا تمدين يدك إليه! صرخت أمها في غضب: من هذا الذي يمد يده إليّ ولا أمد يدي إليه ؟ قالت فاطمة : الله يا أمي .. الله سبحانه يبسط يده إليك في النهار لتتوبي .. ويبسط يده إليك في الليل لتتوبي .. وأنت لاتتوبين .. لاتمدين يدك إليه تعاهدينه على التوبه.
صمتت الأم، وقد أذهلها كلام ابنتها. واصلت فاطمة حديثها: أما حزنت يا أمي حينما لم أمد يدي لمصافحة جارتنا، وخشيت من أن تهتز الصورة الحسنة التي تحملها عني؟ أنا يا أمي أحزن كل يوم وأنا أجدك لا تمدين يدك بالتوبة إلى الله سبحانه الذي يبسط يده إليك بالليل والنهار. يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها” رواه مسلم .
فهل رأيت يا أمي : ربنا يبسط إليك يده في كل يوم مرتين، وأنت تقبضين يدك عنه، ولا تبسطينها إليه بالتوبة! اغرورقت عينا الأم بالدموع. واصلت فاطمة حديثها وقد زادت عذوبته: أخاف عليك يا أمي وأنت لاتصلين، وأول ما تحاسبين عليه يوم القيامة الصلاة، وأحزن وأنا أراك تخرجين من البيت دون الخمار الذي أمرك به الله سبحانه، ألم تحرجي من تصرفي تجاه جارتنا؟ أنا يا أمي أحرج أمام صديقاتي حين يسألنني عن سفورك، وتبرجك، بينما أنا محجبة.
سالت دموع التوبة مدرارا على خدي الأم، وشاركتها ابنتها فاندفعت الدموع غزيرة من عينيها ثم قامت إلى أمها التي احتضنتها في حنو بالغ، وهي تردد: “تبت إليك يا رب .. تبت إليك يارب”. قال تعالى: “ومن يغفر الذنوب إلا اللـــــه” لقد رآك الله وأنت تقرأ هذه الكلمات ويرى ما يدور في قلبك الآن وينتظر توبتك فلا يراك حبيبك الله إلا تائبا، فعسى أن يكون في هذه القصة عبرة لك تكون باب خير للدعوة إلى التوبة إلى الله.