نظمت الجامعة الأميركية في القاهرة أخيراً حفلة تـكريم للعالم الراحل شهاب أحمد (1966-2015)، أستاذ الدراسات الإسلامية المشــارك في جـامعـات عـدة، تقـديـراً لعلمه ولإسهاماته العميقة في مجال الدراسات الإسلامية المعاصرة. في تلك الحفلة استعادت سامية محرز، مديرة مركز دراسات الترجمة في الجامعة الأميركية في القاهرة، ذكرياتها الإنسانية والمهنية مع أحمد، وأبرزت ألمعيته في مختلف حقول الدراسات الإسلامية، وأظهرت مواقفه الإنسانية العميقة مع أصدقائه.
عاش أحمد حياة حافلة عريضة وثرية، بدأت من أقصى الشرق وانتهت في أقصى الغرب. ولد في سنغافورة في 11 كانون الأول (ديسمبر) 1966 لأبوين باكستانيين مهاجرين. ثمّ نشأ وترعرع في ماليزيا، ولكن أبويه فضّلا أن يدرس في مدرسة داخلية بريطانية، فسافر إلى بريطانيا حيث حصّل تعليمه المدرسي. وحين عاد إلى ماليزيا، حصل على شهادة في القانون من الجامعة الإسلامية العالمية.
خلال سنوات تعليمه المبكّر، استطاع شهاب أن يتقن الأوردو، والألمانية والفرنسية إلى جانب الإنكليزية. أحب أن يدرس العربية ليعمق دراسته للإسلام، فسافر إلى القاهرة، حيث التحق بالجامعة الأميركية، ليحصل على شهادة الماجستير في الدراسات العربية عام 1991. استكمل دراسته العليا في جامعة برينستون، حيث حصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية عام 1999. وبعد الدكتوراه، تقلّد شهاب مناصب تدريسية رفيعة.
بدأ مساره أستاذاً مساعداً للدراسات الإسلامية في الجامعة الأميركية في القاهرة (1998-2000) ثمّ زميلاً باحثاً في هارفارد (2000-2003) ثمّ محاضراً زائراً في برينستون (2004-2005) ثمّ أستاذاً مشاركاً في هارفارد (2005-2015)، وحاضر كذلك زائراً في وطنه الأم، باكستان، في الجامعة الإسلامية العالمية (2007-2008). خلال هذه الرحلة العلمية الرفيعة، حصل أحمد على العديد من الأوسمة، والزمالات، والجوائز. بالإضافة إلى عدد من الأوراق البحثية المهمة المنشورة في المجلات العلمية المحكمة، كان عمل شهاب الوحيد والأساسي والألمعي هو كتابه «ما الإسلام؟»، والذي لم يقدّر لشهاب أن يراه وقت ظهوره للنور، حيث ظهر بعد ثلاثة أشهر من وفاته.
استقبلت الأوساط العلمية الغربية الكتاب الذي صدر العام الماضي بحفاوة بالغة، إذ إنه الأول من نوعه بجسارته وأصالته البالغة، حيث أعاد تعريف وتصور «الإسلام» ذاته. كتبت عنه دار نشر جامعة برينستون أنه العمل الذي أجاب عن سؤال: كيف نفهم الإسلام؟ هل يوجد إسلام واحد، أم إسلامات متعددة؟ ما «الإسلامي» في الفلسفة الإسلامية، أو الفن الإسلامي؛ هل يجب أن نفرق بين «الإسلامي» الدال على دين، و»الإسلامي» الدال على ثقافة؟ أم هل يجب أن نتخلّى عن استخدام مصطلح «الإسلام» بوصفه مصطلحاً تحليلياً؟
كما يتحدّى أحمد المقولة السائدة والمنتشرة بأن صفة «الإسلامية» تتبدّى أكثر في مجالات الفقه والعلوم الإسلامية المتمحورة حول القرآن، ويطرح طرحاً مغايراً لهذا التصور السائد. كما يتضمن العمل فهماً جديداً للتكوين التاريخي للفقه الإسلامي، وعلاقته بالأخلاق والنظرية السياسية.
ينقسم العمل إلى ثلاثة أقسام رئيسة: القسم الأول؛ التساؤلات، والذي فصّل فيه ستة أسئلة تنبع من التساؤل الأساسي، ما الإسلام؟ القسم الثاني، التصورات، والذي احتوى ثلاثة فصول ناقشت العديد من التصورات السائدة عن الإسلام والقانون، الدين والحضارة، الدين والثقافة، الديني والعلماني، المقدس والمدنّس. أمّا القسم الثالث، فجاء تحت عنوان «إعادة بناء التصورات» واحتوى فصلين، ناقش فيهما إعادة بناء التصورات الخاصّة بالنص وما قبل النص، والسياق، والخاص والعام، والشكل والمعنى.
لا يزال العمل في بداية تأثيره، حيث لم يمر على إصداره سوى بضعة أشهر. ولكن من المتوقع أن يحدث أثراً بالغاً ومحورياً في مجال الدراسات الإسلامية على مستوى مناهج مقاربة مختلف حقوله. قال عنه نوح فيلدمان، أستاذ القانون في جامعة هارفارد: «هذا العمل ليس عملاً جذرياً في حقله فقط، بل هو العمل الأكثر جسارة الذي قرأته في أيّ مجال خلال سنين».
بعد أن سلّم شهاب أحمد مسوّدة عمله «ما الإسلام؟» إلى دار نشر جامعة برينستون، وقع صريعاً لمرض عضال، وشُخّصت إصابته بنوع نادر وعنيف من اللوكيميا في حزيران (يونيو) 2015. ولم تفلح محاولات علاجه، فتوفي متأثراً بمضاعفات المرض في 17 أيلول (سبتمبر) 2015 في ولاية ماساتشوستس في الولايات المتحدة الأميركية، حيث شيعه أصدقاؤه ودُفن هناك.
وفاءً لذكرى الراحل الشاب، وتكريماً لإسهاماته في الدراسات الإسلامية؛ قررت الجامعة الأميركية في القاهرة تخصيص قاعة تذكارية له، تحمل اسمه، وعمل فني يذكّر به، وهو المشروع الذي تشرف عليه فريال غزول، أستاذة الأدب الإنكليزي في الجامعة نفسها.
عن شهاب أحمد صاحب كتاب «ما الإسلام؟»
رابط مختصر
المصدر : https://zajelnews.net/?p=10716