يجزم أخصائيون في علم النفس أن الإنسان قادر على تجاوز تجاربه العاطفية مع الوقت، وأنه قادر على نسيان ما قد يصيبه من انتكاسات نفسية في فترة لا تتجاوز الستة شهور. فهل هذا صحيح؟ وما هي أفضل الطرق لتجاوز هذه المدة الزمنية
عندما يصاب قلب شخص ما بانتكاسة عاطفية، تصبح عواطفه ومشاعره مضطربة وتتحول من اليأس إلى العجز ومنه إلى القلق ، إلا أن أعنف التجارب وأقساها على القلب تزول في النهاية . لكن حتى يحدث ذلك، يقول خبراء الصحة العقلية إن أفضل علاج لجراح القلب يكمن في أشكال الإلهاء المختلفة والحديث مع الأصدقاء.
الأخصائي النفسي الألماني المقيم في مدينة هامبورغ، ميشائيل شيلبيرغ، يؤكد أن الأمر يستغرق ستة أشهر على الأقل للتغلب على أزمة ناتجة عن الانفصال عن الشريك. أثناء تلك الفترة العصيبة يمر خلالها الملتاع بمشاعر مختلفة من أسى وشك في النفس وقلق، بل وحتى الكراهية. وتظل هذه التراكمات تشغل باله أو بالها، والشسؤال الوحيد الذي يتردد في الوجدان هو : لماذا؟
كثير من الناس ينكمشون على أنفسهم، بل وإن بعضهم يفكر في الانتحار، فهو يرى أن حياته دون محبوبه لم يعد لها معنى. حول ذلك تقول الأخصائية النفسية كريستا روث-ساكنهايم إن “المشاعر التي يعاني منها الإنسان نتيجة الانفصال هي نفسها التي يشعر بها عندما يموت شخص ما، لذا فمن الطبيعي للغاية أن يبكي”.
من جانبها توضح الطبيبة النفسية دوريس فولف أن الشخص المصاب بسهم الفراق يبدأ في الإحساس بالأسى لنفسه، وهو ما يدل على أنه دخل المرحلة الثانية من مراحل لوعة الحب، بخلاف المرحلة الأولى، التي يعيش الملتاع خلالها إحساساً بالرفض أو الإنكار. وفي هذه المرحلة – المرحلة الثانية –يقل الإحساس بالأمل ويسيطر الإحساس باليأس. لكن عندما يتملكه إحساس الغضب والثورة فذلك مؤشر جيد على أن المرحلة العصيبة في طريقها للانتهاء وأن مرحلة جديدة من حياته بتوجه مختلف سوف تبدأ قريباً.
“على الأصدقاء الاصغاء جيداً”
وتضيف فولف أن “كل شخص يمربمرحلة ما من حياته بأزمة عاطفية”. وتؤثر الظروف المحيطة بالفرد على طول فترة هذه الأزمة وحدتها، عندما ينم سلوك الشريك السابق عن أمل في عودة الطرفين لبعضهما البعض، فقد تتحسن الأحوال على المدى القصير. لكن وقع الأزمة يكون أشد على المدى الطويل.
أما روث-ساكنهايم، التي تشغل أيضاً منصب رئيسة رابطة أطباء النفس في ألمانيا، فتعتبر أن “الأمر يزداد صعوبة عندما يكرس الشخص نفسه تماماً للطرف الثاني وتقل اتصالاته بالآخرين” ، لذا يشعر هؤلاء الأشخاص بأن الانفصال دمر حياتهم تماماً. لكن الأشخاص الذين يعيشون في دائرة اجتماعية نشطة يكون حالهم أفضل بكثير.
وجود الأصدقاء مهم جداً لمن يعاني من انتكاسة عاطفية
وتنصح الخبيرة الألمانية أصدقاء المنفصلين حديثاً بأن “يصغوا السمع … ويعدوا الشاي ويضعوا علبة من المناديل الورقية على مقربة”. ويضيف شيلبيرغ أن اصطحاب الصديق جريح القلب لأحد دور السينما أو المسرح من الحيل الجيدة التي تفيد في إلهائه عن ألمه.
وبالنسبة للأشخاص الذين يريدون أن يتغلبوا على جراحهم العاطفية وحدهم دون مساعدة، فإن عليهم أن يولوا اهتمامهم لأمر ما، كالرياضة مثلاً، أو الاشتراك في دورة تدريبية أو برنامج تطوعي. تلك الخيارات والبدائل دائماً ما يكون لها مردود أفضل من الانزواء على أريكة و”البكاء على الأطلال”.
ويجمع الخبراء على أن أسلوب التعامل مع ألم الانفصال مهم أيضاً في تقليل مدة الألم وحدته، فالأشخاص الذين ينفصلون بهدوء يقل شعورهم بالألم مقارنة بأولئك الذين يتركون بعضهم البعض بعد عراك. وينصح ميشائيل شيلبيرغ ذوي القلوب الجريحة بأن يمعنوا في التفكير في تصوراتهم حول الحب، إذ ربما يسأل أحدهم نفسه إذا ما كان يحب شريكه الذي انفصل عنه بصدق أم أن الأمر مجرد “حب امتلاك”. حينها سيتضح ما إذا كانت العلاقة حباً حقيقياً أم لا، وفي هذه الحالة سيتمنى كل طرف للآخر السعادة.
ويختتم الأخصائي النفسي الألماني بالقول إنه “غالباً ما يكون حب الاستئثار والأنانية الباعث الحقيقي وراء لوعة الفراق وألمه … من يدرك ذلك يملك زمام أمره ثانية بسرعة”.