يشكّل كلّ إصدارٍ جديد للنجم السوري ناصيف زيتون حالةً فنّية جماهيرية بحدِّ ذاته. النجم الذي تصلح تسميته بالنجم الظاهرة استطاع أن يقلبَ المعادلات في زمن فنّي رتيب ويحثَّ عن قصدٍ أو غير قصد كثيراً من النجوم المكرّسين على إعادة حساباتهم، فبعدما حقق أكثر من 50 مليون استماع على تطبيق أنغامي مع ألبومه الأوّل “يا صمت”، ها هو اليومَ يكسر كلّ القيود والتصوّرات مع تحطيم ألبومه الرقمي الجديد “طولَ اليوم” الأرقام القياسية مرّة أخرى وتصدّر أغنياته المراتب الخمس الأولى على الموقع الشهير. كيف حقق هذا الهجوم الفنّي الكاسح؟ وعلى ماذا يراهن اليوم؟ بعض من الأسئلة التي يجيب عنها زيتون في هذا الحوار الخاص لـ “الجمهورية”. تشبه علاقةُ ناصيف زيتون بجمهوره إلى حدٍّ بعيد علاقة عاشق لا يهبّ لملاقاة الحبيبة إلّا بولعٍ ولهفة. يحبّها يحميها ويصونها فلا يناجيها إلّا بكلامٍ حسّاس رقيق ولا يهدهدها إلّا على لحن مضبوطٍ على إيقاع القلب ونبضاته.
في الحزن والحب والوطن نراه يستنهض المشاعر من تحت أنقاض مجتمع يزداد برودةً. حرارته في الغناء والأداء تجعل أغنياته جمراً تذوبُ له قلوبُ المحبّين وهم آلاف من المتابعين الذين يمطرونه بالحب والتقدير والوفاء لموهبة صادقة لم تخذلهم.
رغم ذلك نقابله فلا تفارق الابتسامةُ الخجولةُ وجهَه. يرفض أن يُقال إنه يغرّد وحيداً، إنه الأوّل أو الأفضل على الأقل بين نجوم جيله. يبدو متحسّساً من أفعل التفضيل تلك، يدرك جيّداً أنّ حبَّ الناس له هو الوقود لذاك النجاح المتوهّج.
يقول بدايةً: “سعيد سعيد سعيد، بمحبّة الناس الغامرة وثقتهم ومتابعتهم. قلبي كبير وفرِح بالأصداء الإيجابية التي يحققها الألبوم. بالنسبة لي هي فرحة عارمة ونجاح أفتخر به”.
ويعترف: “بصراحة توقعتُ أن ينجح الألبوم فقد استغرق ثلاث سنوات من العمل وأقولها بكلّ طيبة قلب وصراحة: لم أختر أيّ أغنية منه «كمالة عدد” بل على العكس تماماً تأنّيتُ إلى أقصى الحدود في اختيار الأغنيات واحدةً تلوَ الأخرى.
أحبها كلّها دون استثناء، وكنتُ أتوقّع أن يبادلني الناس هذا الحبَّ تجاه الأغنيات، ولكن لدرجة أنّ جميع أغنيات الألبوم تنافس نفسها على المراتب الخمس الأولى على “أنغامي” فهذا ما يفوق الحلم وأحمد الله عليه والمحبّين ودعوات الأم والقلوب الصادقة”.
تفوّق ناصيف على نجومٍ معروفين فلم ينل المرتبة الأولى وحسب وإنما المراتب الطليعة كلها فهل هذا يعني أن لا منافس له اليوم؟ يجيب: “أنا أصغر من أن أتحدّث بهذا الشكل والمنطق. على الساحة فنانون كبار أنا من المعجبين بمعظمهم. نجاحي هو نتيجة أمر واحد لا غير: محبة الجمهور الذي انتظرَ هذا الألبوم بشوق. فلا رهان لي سوى على محبة الناس.
والحقيقة أنني كنتُ مُقِلّاً في الإصدارات الغنائية ولكن الحمد لله صبرنا وحصدنا. أنا وعدتُ الجمهور بهجوم كاسح ولكنه هجومٌ حبّي وليس الهدف منه إلغاء الآخرين بل على العكس تماماً حبّي وتقديري لكثير من أساتذة الغناء الموجودين مستمرّ ومحبّتي كبيرة لكثيرين”.
وعن أغنيات الألبوم المنوّعة في موضوعاتها وحالتها العاطفية يقول: “الهدف من ألبوم «طول اليوم» كان أن أشارك الناس أحاسيسهم وأحاكيها في حالات الحزن والفرح فإن تماهوا معها نجحت وإن صدقوها وصلت”.
ناصيف الذي يغنّي الحبَّ والخيبةَ بصدقٍ وإحساسٍ عالٍ في الحالين، يجيب بخجل على سؤال حول حياته العاطفية وإذا ما كانت أغنيته تعني أنه مغرمٌ أو مظلومٌ في الحب، فيقول: “أنا أغنّي الصدق ولا أغنّي نفسي بالضرورة وإنما حالات وأحاسيس موجودة ويشعر بها كلّ إنسان فأنا لا أسعى سوى إلى الكلمة القريبة واللحن السَلس الذي يعرف كيف يتسلّل إلى القلب”.
ويعترف: “كنتُ أتمنّى أن يضمّ الألبوم أغنياتٍ مصرية أو خليجية ولكن ببساطة لم يحالفني الحظ بإيجاد أغنياتٍ مناسبة ولا أريد أن أؤدّي أيَّ لهجةٍ عربية لمجرّد أدائها من دون أن أكون مقتنعاً تماماً بكلّ مقوّماتها لناحية الكلام واللحن.
أما على صعيد الموسيقى فقد سعيت إلى التنويع وقدّمت لوناً يكمل ما كنت بدأته في أغنية “قدّها وقدود” ويضيف إليه، فقدّمت الـ Deep House في “عندي قناعة”، والـ music trap في “طول اليوم” مثلاً وحاولت أن أكون قريباً في الكلمات وفي اللحن من ذائقة الجمهور ومن شخصيّتي الفنّية وما يشبهني”.
في ألبومه الأوّل اعتبر ناصيف زيتون أنه كسر صمتَ عامين قبل أن ينطق بلغته الفنّية الخاصة، أما في “طول اليوم” فيقول للجمهور: “على قدر ما أحببتهم وعلى قدر ما دعموني غنّيت. غنّيت للحبِّ، للسلامِ، للوطنِ والفرح والأحلام. غنّيت لمَن يحبني ولمَن لا يحبّني. وعملت 3 سنوات على ألبوم يأتي فيكمّل ما كنت بدأته، فبلا ماضيّ لا حاضر لي. كسرتُ جدار الصمت من عامين في وقت كنت أشعر فيه أنّ الدنيا لم تعد تبتسم.
ورغم أنّ الدنيا لا تضحك اليوم كثيراً، وعلى كلّ المتسويات الفنّية والإنسانية إلّا أننا كبشر لا نملك قدرة على التحكّم إلّا بأفعالنا الصغيرة. الشعب العربي عموماً والسوري خصوصاً شعبُ فرَح وأمل وطريقتي الوحيدة لأكون مواطناً صالحاً هي أن أفعل ما أجيده فعلاً وهو أن أغنّي وأن أرافق الناس في أحزانهم وفرحهم وحنينهم ومختلف مشاعرهم «طول اليوم» على أمل أن أتمكّن من رسم ولو ابتسامة صغيرة في مكانٍ ما”.
وعن انقلابه على الإصدارات الفنّية التقليدية باختياره أن يطلق ألبومه على المنصات الرقمية من دون أن يجري على عادة إطلاقه لاحقاً بنسخة مطبوعة، يقول: “هذه خطوةٌ جريئة للناحية التسويقية نقوم بها للمرة الأولى في العالم العربي مع شركتي Music is my Life و Watary.
فهذا الألبوم يمكن شراؤه عبر المنصات الرقمية حصراً ولن نتبعه بنسخة على CD مثلما كان يحصل عادةً حيث تصدر نسخةٌ رقمية ثمّ تأتي خطوةُ إصدارالألبوم على CD. فهذه الوسائط التقليدية زال معظمها والباقي إلى زوال سريع فقلت لمَ لا أكون أوّل مَن يفعلها. قلبنا قوي ونعرف أنّ بين أيدينا عملاً جميلاً، فلم لا؟ حتى وإن فشلت وانشاء الله لا أفشل، على الأقل أكون أوّل مَن تجرّأ. المهم أن تصل أغنياتي ويعرف الناس أنها هديّتي لهم عن صدقٍ وكثيرٍ من الحب”.