وقعت مواجهات عنيفة أمس الثلاثاء في باريس عندما قام مئات الملثمين برشق عناصر الشرطة بكل ما وصلت إليه ايديهم، على هامش تظاهرة ضمت عشرات آلاف الاشخاص احتجاجا على إصلاح قانون العمل، ما اسفر عن 26 جريحا.
وتشهد فرنسا تظاهرات وحركة احتجاجات واسعة ضد إصلاح قانون العمل منذ مارس الماضي، وغالبا ما تتخلل هذه التحركات مواجهات مع قوات الامن التي هي اصلا في حالة جهوزية خوفا من اعتداءات إرهابية، على غرار ما حصل الاثنين عندما قتل شرطي مع زوجته في ضواحي باريس على يدي شخص يدور في الفلك الإسلامي المتشدد.
وأعلنت السلطات الفرنسية ان 26 شخصا اصيبوا بجروح بينهم ستة متظاهرين و20 من عناصر الامن خلال صدامات عنيفة وقعت خلال تظاهرة باريس. وتم توقيف 16 شخصا خلال هذه التظاهرة. وقالت الشرطة ان «مئات الملثمين» اصطدموا مع الشرطة بعيد انطلاق التظاهرة، وأطلقوا باتجاه عناصرها الحجارة وغيرها. واستخدمت الشرطة خراطيم المياه لتفريقهم.
وأعلنت النقابتان «اف او» و«سوليدير» ان تظاهرة باريس جمعت نحو مليون شخص، في حين لم تقدم السلطات اي عدد بعد للمشاركين. وقال اورليان بوكلمون (26 عاما) وهو تقني يعمل في قطاع الطاقة: «انا اشارك في كل التظاهرات منذ مارس لأنني اريد ان اعيش بكرامة وأريد السحب الكامل لقانون العمل. ولن تتوقف الاحتجاجات طالما لم يسحب هذا القانون».
وأعلنت النقابات وعلى رأسها الكونفيدرالية العامة للعمل (سي جي تي) حشد مئات الآلاف أمس الثلاثاء ضد إصلاح قانون العمل. من جهتها، تأمل الحكومة الاشتراكية ان يكون هذا التحرك الذي سيتركز في باريس الأخير في سلسلة الاحتجاجات غير المسبوقة خلال حكم اليسار منذ 1981.
الا ان الأمين العام للكونفيدرالية العامة للعمل (سي جي تي) فيليب مارتينيز رد على الذين «يتوقعون» تراجع حركة الاحتجاجات بالقول ان تظاهرة أمس الثلاثاء «ستضم حشودا لم نشهد مثلها» منذ فبراير؛ فالكونفيدرالية التي خصصت أكثر من 600 حافلة من جميع انحاء فرنسا للنقل إلى العاصمة تحدثت عن جمع مشاركين يفوق عددهم يوم 31 مارس، حيث احتشد نحو 390 ألف شخص في 250 مدينة بحسب السلطات و1.2 مليون بحسب المنظمين.
ودعي إلى التظاهر في نحو 50 مدينة وبلدة في انحاء فرنسا كافة. ففي ليون (شرق الوسط) هتف المتظاهرون «الشبان يقاسون والمسنون بائسون، لا نريد مجتمعا كهذا»، وعندما مروا قرب مشجعي منتخب بلجيكا في كأس أوروبا هتفوا «بلجيكا معنا».
صباحا، اقيمت حواجز في برست (غرب) وعم الاضراب ميناء مرسيليا (جنوب). كما طالت التحركات قطاع الطاقة مع انخفاض الانتاج في عدد من المحطات وقطع خطوط التوتر العالي في منطقة باريس بحسب النقابة. كما اغلق برج ايفل ابوابه في العاصمة نتيجة اضراب جزء من موظفيه، وارتفعت نسبة المضربين في السكك الحديدية بعد 14 يوما على بدء تحركهم إلى 7.3% الثلاثاء من جميع الفئات، مقابل 4.6% الاثنين.
يأتي ذلك بينما بدأ مجلس الشيوخ الفرنسي الذي يهيمن عليه اليمين دراسة مشروع قانون العمل الاثنين. وسيناقش أعضاء المجلس حتى 24 يونيو مشروع القانون الذي فرضته الحكومة على الجمعية الوطنية بموجب بند في الدستور (المادة 3-49)، ثم يفترض ان يجرى تصويت في مجلس الشيوخ، حيث لا يمكن اللجوء إلى الإجراء نفسه، في 28 يونيو.
بالتالي تقرر تنفيذ يومين من الاضرابات والتظاهرات في جميع انحاء البلاد في 23 و28 يونيو. ومن المقرر عقد اجتماع الجمعة القادمة بين زعيم الكونفيدرالية ووزيرة العمل ميريام الخمري. وقبل عام من الانتخابات الرئاسية تؤكد الحكومة الفرنسية ان هذا الإصلاح الكبير الأخير في عهد الرئيس فرانسوا هولاند يهدف إلى توفير مرونة للشركات لمكافحة بطالة مستشرية تصل إلى نحو 10%. لكن معارضي المشروع يرون انه يضعف الامن الوظيفي. وأبدت الكونفيدرالية العامة للعمل بعض المرونة في الأيام الأخيرة؛ فبعد ان كانت تطالب بسحب المشروع باتت تأمل في إلغاء بنده الاكثر اثارة للجدل، والذي يخفف القيود القانونية حول تحديد ساعات العمل عبر اعطاء افضلية للاتفاق عليها داخل الشركات.