منذ 10 سنوات يبحث عبد الرحيم إبراهيم عن المجهول دون كلل أو ملل، متسلحاً بالقصص والأساطير التي يتناقلها الناس عن وجود كنوز تحت الأرض تعود إلى العهد العثماني في فلسطين.
إبراهيم الذي يعمل في صناعة الحلويات براتب متواضع في الضفة الغربية، على قناعة تامة بوجود كنوز من الذهب التركي “العصملي” تحت الأرض ستغير حياته.
يقول الشاب الفلسطيني لـ “هافنغتون بوست عربي”، إنه ومنذ بدأ أعمال البحث تعلق بآمال العثور على كنوز في باطن الارض مستعيناً بأصدقائه، سيما وأن غالبية عمليات البحث تحتاج للحفر وجهد بدني كبير.
لكنه وخلال رحلته لم يعثر على شيء سوى بعض الأواني الفخارية وأخرى زجاجية لها قيمة أثرية، غير أن قيمتها المادية متدنية قياساً لما يطمح إليه.
حالة إبراهيم ليست فريدة، فهناك مئات الأشخاص الذين يحذون حذوه رغم وجود قيود قانونية تمنع هذا النوع من الأعمال وتعاقب عليه، فيما تتباين الآراء حول “الدفائن” بين مصدق ومشكك.
“الدفائن”.. حقيقة أم وهم
“الأرض لا تحكي ما في داخلها”، هكذا يقول المثل الشعبي الفلسطيني، لذا فهم يقنعون أنفسهم بوجود تلك الكنوز التي لا يعلمون عنها شيئاً سوى ما قاله أجدادهم، معتقدين باستحالة استخراج ما بقي منها، والذي يحميه الجن منذ مئات السنين.
عَرف الإنسان الدفائن منذ القدم، إذ يعود تاريخها إلى فترة الفراعنة الذين حكموا مصر. كان الفراعنة يدفنون مع الموتى أموالهم وحليهم ويضعون حراساً على تلك القبور.
أما في العهد العثماني، فيرى المختص في تاريخ الدولة العثمانية وخبير الآثار أمين أبو بكر، أن ما دفع الناس إلى استخدام هذا الأسلوب هي الظروف التي عاشوها بعدما كثر قطاع الطرق والحروب.
ويقول أبو بكر لـ “هافنغتون بوست عربي” إن هذه الظاهرة “ازدادت في الحرب العالمية الأولى، إذ وزعت الدولة العثمانية الأموال على ما يعرف بضباط الصرف لتسهيل عمليات الجيش العثماني كالرواتب والمساعدات والمشتريات وعندما كانت تتعرض الوحدات العسكرية إلى ضغط عسكري أو لصوص، كانوا يدفنونها في الأرض على أمل العودة إليها بعد انسحابهم من تلك المناطق”.
ويضيف أن كثيراً من تلك الوحدات ضلت الطريق بسبب تغير المعالم الجغرافية، وبعضهم قتل أو مات فظلت هذه الأموال مدفونة في باطن الأرض.
وأضاف “كان المسافرون أيضاً يدفنون نقودهم عند سماعهم بوجود قطاع طرق ولصوص على أمل العودة لها، لكن في كثير من الأحيان كان قطاع الطرق يقتلون المسافرين إذا لم يجدوا بحوزتهم الأموال”.
أما قصص وأساطير الجن والرصد، فيعتقد أبو بكر أنها من الخرافات التي يتداولها الناس، وهي كثيرة. وأضاف أن كثيراً من المناطق تخلى عنها أصحابها لاعتقادهم بوجود جن أو غول وغيرها من الأساطير، وحتى الآن كثير تسمى الأراضي بـ “أرض الغول” و”تلة الضبع”.
الاكتشاف بالصدفة
ورغم كثرة المنقبين المتخفين تحت جنح الظلام، فإن معظم ما وجد من تلك الدفائن كان بالصدفة كما يؤكد أبو بكر قائلاً، “لا توجد خرائط ولا علامات لها، وما يكشفها إما السيول أو المزارعون أو الحيوانات المفترسة التي تنقلها من مكان إلى آخر”.
ويضيف أبو بكر يمكن تتبع أماكن تلك الدفائن من خلال تتبع الآبار وطرق القوافل، وقد يعثر الباحثون على العديد من الآثار والدفائن، وإن قل العمل على هذا حتى الآن في فلسطين.
تدمير الآثار
وأكد مدير عام الحماية في وزارة الآثار الفلسطينية صالح طوافشة أن الحديث عن دفائن وكنوز لا يوجد له أي تأصيل علمي، لكن سارقي الآثار والباحثين عن الذهب يستخدمون هذه القضية لتبرير سرقتهم للآثار وبيعها.
ويضيف طوافشة لـ “هافنغتون بوست عربي”، أن الفترة العثمانية الممتدة من القرن الـ 16 تركت آثاراً عثمانية في فلسطين من مبانِ ومواقع وأصبح التراث العثماني جزءاً من الهوية والثقافة الفلسطينية.
أمين أبو بكر يرى أن الشريك الحقيقي للمنقبين هي إسرائيل، مشيراً إلى أنها تمتلك القدرة على اكتشاف تلك الآثار والدفائن من خلال المسح الجوي إذ “قاموا منذ احتلال فلسطين بالتنقيب عنها ومصادرة الكثير منها وتدمير ما تبقى من تراث عثماني في فلسطين، بالإضافة إلى شراء الكثير من تلك الآثار من مواطني المناطق”.
فيما اتهم مدير عام الحماية في وزارة الآثار الفلسطينية، رموزاً إسرائيلية انخرطت في نهب الآثار الفلسطينية طوال فترة الاحتلال، “وقد تم نهب تلك الآثار وتغيير معالمها وتهريبها إلى الخارج، ويتم الآن سرقة للمنازل التقليدية التي بنيت في العهد العثماني ونقلها الى المستوطنات من أجل تزوير حقائق تاريخية وحضارية”.