يرتبط خوفنا من الظلام بما يطرأ من تغيرات على نظامنا الحسي المسيطر، أي البصر. ولهذا السبب تطغى الأفكار الخيالية على الواقع، حيث تلعب الحواس الأخرى دوراً في ذلك، وخاصة حاسة السمع.
وتتبادر إلى أذهاننا العديد من الأسئلة؛ من بينها: هل هناك شبح؟ أم هو لص ما؟
ولا يعتبر الليل مجرد غياب لمصدر الضوء؛ بل أيضاً يعد أيضاً حضوراً عناصر طبيعية أخرى، على غرار السكون والوحشة. وفي هذا السياق، ذكر الكاتب، بوفون، في كتابه “التاريخ الطبيعي”، أنه “من هنا يأتي الإحساس بالخوف والهلع النفسي الذي تفرضه ظلمة الليل على كل البشر تقريباً”.
وفي حين يقدر أغلب البالغين على التعامل مع هذه الأحاسيس، يعجز الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 شهراً، عن مقاومة الشعور بالخوف من الظلمة.
ويعتبر الإحساس بالخوف من الظلمة لدى الأطفال جزءاً من مرحلة التطوير النفسي لديهم. وعادة ما يرتبط هذا الإحساس بالخوف بمشاعر الوحدة التي تنتابهم في الأماكن المظلمة.
وفي مرحلة عمرية ما، سيحاول الطفل ترك فراشه ليلاً، إلا أن الظلمة ستسبب له خللاً فيما يتعلق بتقديره الفضاء الخارجي. ومن المرجح أن يختفي هذا الإحساس شيئاً فشيئاً عندما يبلغ الطفل 6 سنوات.
وفي المقابل، لا يمكننا التجرد من غريزة البقاء التي تجبرنا دائماً على التصرف بحذر لحظة وجودنا في العتمة.
وفي هذا السياق، أكد أخصائي علم الأنثروبولوجيا جاك غاليني، أنه “بعد الخوض في عدة دراسات معمقة، اكتشفنا أن جميع الثقافات تؤمن بأن الليل هو رمز للخطر”.
من جانب آخر، يصبح الجسم وكل الكيان البشري أكثر حساسية في الظلام؛ لذلك يتولد داخلنا شعور بأن هناك خطراً محدقاً بنا لا بد أن نحمي أنفسنا منه.
ومن جهة أخرى، ارتبط الليل في أذهان معظم معتنقي الدين المسيحي، بالظلمات وبالموت وبالذنوب. في المقابل، لا يعترف شعب “اليوكونا” الكولومبي، الذي يعيش بالأمازون، بفكرة العمل في النهار؛ إذ يؤمنون بأن المعرفة يسهل اكتسابها أكثر خلال الليل، وقد ظهر ذلك من خلال ممارسات رهبان “الشامان” (الدين الرسمي لهذا الشعب).
أما بالنسبة لفتيات قبيلة “أباش مسكاليرو” الهندية، الواقعة في جبال وايت الأميركية، فإن الليل رمز للتغيير والنهضة، لذلك يقمن بالرقص حول النار تحت ضوء قمر شهر يوليو/تموز؛ بهدف أن يصبحن بالغات.