الحب حالة قلبية لا تمُتُّ للعقل بِصلة، فحين يقبَلُ القلب شخصاً ينقادُ العقل؛ حتى وإن كانت كل الشواهد تدُلُّ على خطأ هذه المشاعر، ولكن القلب هو المُسيطر، وهو الذي يُعطي الأوامر في هذه الحالة وليس العقل. والحب هو الدافع الذي يُمكِّن الشخص من التقدم والتطور لأجل إرضاء من يحب، يدفعه دفعاً لتغيير عاداته وسلوكياته حتى يكون كقبولاً لديه، يدفعه لارتكاب أعمالٍ لم يكن يعتقد أنه يمكن أن يفعلها لولا أنه أحبّ. يقضي الكثير من البشر عمراً كاملاً في البحث عمَّن يُحب، ولكن لماذا هذا البحث؟ ولماذا محاولة الحصول على حبيب؟ هل أصبح الحب حاجة ضرورية لدى الناس؟ أجاب علماء النفس عن هذه الأسئلة بأن الإنسان يبحث عن الحب لأنه يخاف أن يبقى وحيداً، فالحب يكون بين طرفين، ويكون كِلا الطرفين خائفاً من أن يحيا حياته وحده، فهو يريد من يُشارِكه حياته ويبقى معه عندما يتخلى عنه الآخرون. الشعور بالحب يُعطي دِفئاً للمُحبين لا يستطيعان الحياة بدونه، فالحب مثل الماء لهم، ويجب أن يكون هذا الماءُ دافئاً حتى يستطيعان الحياة فيه، فإن برد ماتت المشاعر لفرطِ برودته؛ وإن ارتفعَت حرارته ووصلت إلى الغليان؛ سيموتون احتراقاً من درجات حرارته العالية. ولكن ما عِلاقة الخوف بالحرارة والدفء؟ العلاقة الموجودة بينهما علاقة طردية ، فالحب ينشأ من خوف الشخص أن يحيا وحيداً، فكلما زاد خوفه من هذه الوحدة؛ زاد حبه للطرف الآخر، وهذا سيرفع من درجة حرارة الحب بينهما إلى درجة قد تُصبِح معها الحياة مستحيلة؛ فيشعر الحبيب بالألم الشديد من محبوبه، فهو يُكِنُّ له الكثير من الحب ولا يرى مقداراً مُعادلاً من المحبة عنده، هو يُريدُ ان يقترب من محبوبه أكثر؛ والمحبوب يريد مساحة حرة لنفسه، هذا يُسبب الكثير من التساؤلات التي تُعطي للحياة طعماً مريراً في حلقه. الإنسان عندما يُحب؛ فإنه يعتقد بأن الحب قادرٌ على إصلاح كل شيء، فيبدأ بدون قصد في البحث عن شخصٍ يستطيع إصلاحه حتى يُحِبه، فهو يعلمُ انه لا يوجد إنسانٌ كامل؛ وهو لا يبحث عن الكمال، بل يبحث عمَّن يوصِله إلى مرحلة الكمال التي يتصوَّرها له، وهذا قد يكون مُزعِجاً للطرف الآخر، فكثرة المحاولات في إصلاحه – من وجهة نظر الحبيب – هي محاولات مستميتة لتغيير أمورٍ بطبعه هو مقتنِعٌ بها إلى حدٍّ كبير، فتكون محاولات التغيير هذه لها أثرٌ سلبي على المحبوب؛ فتنشأ النزاعات؛ ويعتقد الحبيب أن محبوبه يُعانِده أو يتحداه؛ أو أنه لا يُحِبُّه أصلاً. إن المشاعر الإنسانية عميقة بدرجة يستحيل معها الوصول إلى قرارها، والألم الحاصل في الحب هو نتيجة لزيادة عمق هذه المشاعر وقوتها، فتوقد نار طرف مجبرة الطرف الآخر على الإبتعاد عنها حتى لا تحرِقه، وقد يؤدي هذا الإبتعاد إلى برودة مشاعر الطرف الآخر وانتهاء الحب في قلبه معتقِداً أن ما كان يشعرُ به هو مجرد أوهام. الراحة في الحب مثل أي راحة أخرى، تأتي بالإعتدال والوسطية، فالمبالغة في الأمر يزيده سوءاً وهو ليس بسَيِّء، فما زاد عن حدِّه انقلب ضده، فاعتدل في كل أمورك؛ واجعل حبك سوياً تحيا بسعادته وتهنأ بدفئه، اما غير ذلك؛ فإما أن تكوِيكَ ناره؛ أو تتجمَّدُ أوصالك من شدة برودته.