كيف تحقق السعادة الزوجية استقبلت نهى صديقاتها اللواتي جئن يُهنئن زواجها، المنزل مكتظ بالزهور، وممتد بالتحف الفضية المسقوفة بعبارات الحب والغرام، ومرتبٌ بشكلٍ أنيق، رائحةُ العطر تتنقل بين مسامات الغرفة، وتتخثر على وجنتي نهى سعادة وسروراً ويقيناً بمحالفة الحظ لها. ترحب بصديقاتها، وهي تلعب بخاتمها، وتسرد أمنيات الطفولة تجاه فارس أحلامها: “مذ كنت طفلة رسمت على غلاف كتابي المدرسي ما أرجوه من حبيبي، وألصقتُ صورته المتخيلة في ذهني داخل خزانتي تصافح ملابسي، وتؤنس وحدتها، كانت هذه اللحظات الأولى للشعور بالاستقرار المستقبلي، والإحساس بالأنس وكان ما رجوت، ساق القدر لي زوجاً وسيماً متعلماً متفهماً للحياة، ومجرياتها، يتفنن في جلب كل أنواع السرور لقلبي” يُباركن الصديقات زواج الحب، والسعادة، ويودعنها بالوصايا العشر التي تسردها الأم لابنتها لحظة خروجها من منزل أبيها، كأن تكون له خير أم، وزوجة، وأخت، وتقضي حاجته، وتطيع أمره بالحوار، والتفاهم. إن الزواج سنةٌ من سنن الله في خلقه، فقد جعل من كل شيءٍ زوجين، والزواج له قُدسيته، ومنزلته، وخصوصيته، فهو ميثاقٌ غليظٌ محكمٌ يجدر مراعاة أحكامه، وتحقيق شروطه، وتأدية واجباته. فالحقوق بين الزوجين متماثلة، وللرجل حق القوامة، والرئاسة، وتوفير احتياجات الأسرة، ومستلزماتها، دون تفضل على المرأة أو ظلم لحقها.
والزوج الذي يرجو السعادة الزوجية الحقيقية فإن عليه أن يقوم بواجباته حق القيام، وأن يكون زوجاً رفيقاً بزوجته حنوناً عطوفاً كريماً؛ حتى يتحقق الحب والسرور، ويسكن البيت الهدوء الإيجابي،
والرحمة الممتلئة بالألفة، ويقضي على كل شائبة تتسلل إلى القفص الزوجي. فالحب، والرحمة شرطان أساسيان من أسس الحياة الزوجية السعيدة التي وإن توفرت بكل معانيها توفرت السعادة بكل ألوانها، وجمالها. ورسول الله خير قدوة للزوج المسلم حين يوصيه ويقول: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”. ولقد كان عليه صلاة الله وسلامه خير زوج لخير زوجة، لم يرفع يده قط ليؤذيها، ولم يضرب أحد قط عدا الأعداء عند القتال في سبيل الله. وكان طيب السمات، عذب المقال، عدلاً، باراً، رحيماً، لطيفاً، بشوشاً مع زوجاته أمهات المؤمنين- رضي الله عنهم جميعاً. وما أحرى الأزواج أن يتمثلوا تلك الصفات الحميدة مع زوجاتهم، حتى ينعموا بالسعادة الزوجية الممتلئة بالحب والحنان، ولين الجانب، ويتمتعوا بحياة هانئة بعيدة عن المشاكل والمنغصات، لينشأوا أطفالهم في جوٍ صحيٍ سليم من الخلل النفسي، والخوف المُستشري من خلاف ذلك. سمات الزواج الناجح على الزوجين أن يُدركا أن قفصهما الخاص بهما يحتاج إلى عنايةٍ ورعايةٍ جيدةٍ ليضمن لهما استقراراً نفسياً، وحياة عامرة بالرضا، والسكينة ومن ذلك، التعاون بالمعنى الذي يُخفف من عبئ الزوجة، ويعينها في العناية بالأطفال، ويساعدها في تربيتهم؛ لأن هذه مسؤولية مشتركة بينهما ولا تعني المرأة فقط، ويُشعرها بحب زوجها لها، وشعوره بمسؤوليتها، وأنه يناصفها واجبها، ويكون عوناً لها، ومُساعداً في بعض أمور البيت بعد عودته من عمله أو أثناء فراغه حتى تتم المسؤولية كاملة غير منقوصة. إنّ هذه الصورة تمثل جسراً للمحبة بين الزوجين تمكنهما من عبور الطريق بسلاسة، ورضا، وتكون مفتاحاً للسعادة الزوجية، وتزيل كثيراً من العقبات، والمشاكل التي قد تعترض طريق الحياة الزوجية. كذلك الانصراف عن البخل، والتحلي بالكرم سمة ضرورية لزواج ناجح سليم. فالزوجة تحب أن يكون شريكها كريماً منفقاً عليها بما يستكفي احتياجاتها، وبيتها، وأولادها، ويجعلها تشعر برضا، وراحة تمكنها من العمل في المنزل بحيويةٍ، ونشاطٍ، وسعادة، وبما يُوافق ظروفه، وحالته الاقتصادية، فكل ينفق على قدر ما عنده. غير أنه يجب عليه الابتعاد عن صفة البخل لأنها ليست من صفات المؤمنين، فالبخيل بعيد عن الله، والسخي الكريم قريب منه، قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد عن النار.
القبول من أهم سمات الزواج الناجح، فعلى الزوجين تقبل بعضهما البعض، واحترام خصوصية كل منهما، والتناصح في ما بينهما وصولاً إلى ما يرغبان. وكذلك حفظ الأسرار، وعدم الإفصاح بها، وافشائها، فلا يصح أبداً أن يُفشي الرجل أسرار بيته للآخرين خصوصاً أسرار الفراش، فليس هذا من المروءة، ولا من الرجولة في شيء، والزوج الناجح حقاً هو من يحفظ بيته بعيداً عن الآخرين، ويحاول احتواء المشكلات دون أن تستشري، وتكبر، وتستعصي على الحل، بل يُهدّئها في المهد، ويُوجِد لها الحلول الناجحة، والناجعة، حتى لا تصل المرحلة إلى تدخل الآخرين والتي قد لا تفيد كثيراً، وكذلك الزوجة الصالحة الواعية تحفظ سر بيتها، ولا تخبر الناس بسلوكيات زوجها، ولا صفاته، وطباعه، فليس لهم أن يعرفوا هذا الأمر، ولا يفيدهم في شيء، بل هو من الكلام الذي لا يُفيد. حسن الظن سمة يجب توافرها وصولاً إلى زواج ناجح، فإذا لم تتوفر هذه الخصيصة تذهب السعادة أدراج الرياح، ولأن العلاقة الزوجية خاصة جداً لا بد وأن تُبنى على الثقة، ولا يجوز فيها التخوين بأي حال من الأحوال، حتى لا تفسد تلك العلاقة الحميمية؛ لأن الشك إذا تسلل إلى قلب الزوج فإنه يزيد السوء سوءاً، ويقلب الأمور رأساً على عقب، ويخضع لحالةٍ مليئة بالنفور، مغايرة للواقع، مجافية للحقيقة، لذا على الزوجين أن يغرسا في نفسيهما ثقة، ويقينا بالآخر وذلك يتأتى بالحب، والود، والتفاهم. قائمة اللاءات للزوجين لا تُسارع باتهام زوجك بالخطأ؛ فلكل عيوبه وخطاياه، والكلمة الحسنة وقعها أكثر من النهر، والزجر، والحكم عبثاً.
لا تنسَ المناسبات الهامة لزوجك؛ لأن تذكر المناسبات الخاصة، والاحتفاء بها دلالة كافية على توفر الحب، والعطاء، فباقة ورد، وزجاجة عطر كفيلة بأن ترسم البشاشة في القلب، وتزرع الود طويلاً.
لا تُسرف في النقد؛ لأن طبيعة المرأة حساسة جداً، وتأتي نتيجة ذلك عكسية غير مرغوب فيها، وعلى صعيد الرجل كذلك فإنه يحب أن يظهر أمام زوجته في أحسن صورة دون خلل، وإذا كان لا بد من النقد فليكن مغلفاً بكلمات الحب، والثناء ليؤتى أُكله. لا تهمل زوجك، وأكثر من العناية، والاهتمام بها، والإنصات لمشاكلها وعرض الحلول بما يتناسب معها. لا تكن حاضراً غائباً، فلأهلك عليك حق، والبيت ليس مكاناً للنوم فقط أو فندقاً يُقدم وجبات الطعام والشراب، لا تتهرب من المسئولية، والبيت، وكن خير سند لزوجتك. لا تشكي زوجك لأهلك، وتثيري الفتنة، وتزرعي الكره بينهما، بل ضعي زوجك في خانة ماسية لا يقترب أحد منه، واحفظيه بالسر، والعلن. لا تجعلي زوجك يأتي للمنزل، وأنت غير مستعدة لاستقباله، كوني بكامل أناقتك، وأنوثتك، واستقبليه بعد يوم متعب في العمل بمزيد من الحب، والجمال.
لا تغفلي عن شكره، وثنائه، وترديد عبارات العرفان والود له؛ لكسب قلبه. وصايا ذهبية لسعادة زوجية أكيدة كل زوجين على هذه البسيطة يريدان لحياتهما أن تكون مكللة بالسرور، والرضا، وحسن المعاشرة، والسنة النبوية، وسيرة السلف الصالح تمد المسلم بوصايا حكيمة تضمن له استقراراً وهناء. فالطاعة، والسمع في غير معصية تحقق الاحترام بين الزوجين، وتصنع السعادة في قالب خاص بهما، كذا مناداة الزوجين بأحب الأسماء إليهما مفتاح يضمن الوصول إلى القلب، والتربع على عرشه، وسريان السكينة، والطمأنينة في البيت. حسن الملاطفة، والمداعبة، والترويح عن النفس وصية يجب على الزوجين العمل بها؛ لتبعث في النفس التجديد، وقتل للروتين، وممارسة السعادة بوسائلها المختلفة. والتصريح بالحب، والشوق لبعضهما جنة الدنيا بالنسبة للزوجين. كل ذلك يمنح البيت سكينة، وسلامة من الخلل، وفيضاً من الحب، ومنسوب العاطفة، والحنين.