تسجيل الدخول

قيم تتحكم في سلوكياتنا

مقالات
manar10 أكتوبر 2024آخر تحديث : منذ شهرين
قيم تتحكم في سلوكياتنا

رفضت الأمريكية السمراء روزا باركس التخلي عن مقعدها في حافلة لراكب أبيض أمرها بالجلوس في مقاعد الملونين الخلفية.

كانت روزا تعلم أن مخالفة تلك القوانين العنصرية، عام 1955، قد تعرضها للسجن، في زمن أغبر كان ذوو البشرة السمراء ملزمين بالجلوس في أماكن محددة، ودخول الجهات الحكومية والأماكن العامة كان عبر بوابات كتب عليها «ملونون» colored.

السمراء روزا باركس استندت بتصرفها التاريخي إلى قيمتي «الكرامة» و«العدالة»، فأشعل موقفها الرافض لمنح كرسيها لرجل أبيض فتيل حركة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، وتحولت إلى أيقونة عالمية للحرية والمساواة. وتمخضت هذه الحقبة عن إصدار قوانين جديدة ضمنت العدالة والمساواة لأطياف المجتمع.

لدى كل منا مجموعة من القيم التي تهيمن على سلوكياته، بعضها يطلق عليها «القيم الحاكمة» «core values، وهي بضع قيم تتحكم في معظم ردود أفعالنا وسلوكياتنا وقراراتنا اليومية. بعبارة أخرى، هي تلك التي لا يمكن أن يتخيل المرء نفسه يعيش من دونها.

وقد يضحي الإنسان بالغالي والنفيس من أجل إبقاء جذوة قيمه الحاكمة حية في وجدانه، مثل النزاهة والكرامة والصدق والإخلاص وغيرها. إذن القيم الحاكمة تتربع على رأس قائمة القيم.

أهمية معرفة القيم الشخصية تكمن في أنها تساعد على تعزيز الرضا الذاتي، وبناء علاقات صحية، وحسن التعامل مع التحديات، والأهم النجاح في أول اختبار «قيمي» يعترضنا.

فتجد من يظن أنه قد فاته «قطار الاختلاس» خفية أو «التنفيع» غير المشروع في جهة عمله، سوف يدرك لاحقاً أن قيمه الجيدة كانت حصناً منيعاً حالت دون سقوطه في فخ المغريات، ما منحه الاستقرار النفسي واحترام الذات.

وعلى النقيض هناك قيم سيئة، مثل «الغاية تبرر الوسيلة» (الانتهازية)، والأنانية، والجشع، والانتقام؛ ولهذا فإن ما نعتنقه من قيم يحدد ما إذا كنا سنصبح أخياراً أم أشراراً.

وهناك من يخلط بين القيم والأهداف والصفات والآمال، فالنجاح مثلاً هو هدف تقف وراءه قيم التميز والتفاني. وهناك أهداف أخرى، مثل: السرعة، والنفوذ، والكفاءة، والثروة، والتأثير، والمظهر، كل تلك أهداف قد تقف وراءها قيم محددة غرست فينا مثل المظهر الذي تحركه قيم تقدير الذات، والكفاءة تحركها قيم الانضباط والالتزام، وهكذا.

الفارق بين القيم العادية والحاكمة أن الأولى مجرد قيمة، وليست مثل الحاكمة التي لا يمكن أن يقبل المرء أن يحيا من دونها؛ ولذلك يُعطى المتدربون اختبارات القيم ثم يطلب منهم التخلي عن قائمة من عشرات القيم حتى يصل إلى بضع قيم لا يمكن أن يتنازل عنها مهما حدث له من تحديات، وهي الحاكمة التي تحفظ قيمته وكرامته بين الناس.

فالشخص الذي يتمسك بقيمه لن يذل نفسه من أجل حفنة مال. وفي المقابل هناك من لديه استعداد لضرب ذلك كله عرض الحائط ليصبح ثرياً حتى وإن استدعى الأمر التضحية بأقربائه وأحبائه.

وهذا يعني أن هناك بالفعل قيماً سيئة، مثل الدكتاتورية حول العالم، التي يمكن أن تنبثق من قيم القمع، والتفرد، والاستبداد ووأد الحريات.

خطورة عدم معرفة القيم الذاتية تؤدي إلى سلوكيات عشوائية وقرارات غير مدروسة.

هناك اعتقاد سائد بأن القيم لا يمكن تغييرها مع التقدم في العمر، غير أن واقع الحال يقول عكس ذلك، فالتجارب الحياتية والصدمات الكبرى تغير قيمنا، فمن يؤمن بقيم الحب والإخلاص قد تهز كيانه لحظة خيانة زوجية، ومن أفنى حياته في جمع المال يكتشف عند صدمة المرض ضآلة تفكيره، ومن يذق ثمار «العطاء» يدرك أنها تفوق كل درجات «البخل والأنانية».

ويمكن استبدال القيم السلبية بالإيجابية بعد جهد وعزيمة. وبعض القيم كالكرم والسخاء يمكن أن تغطي على كثير من عيوبنا. ولذلك قال الإمام الشافعي:

تَسَتَّرْ بِالسَّخَاءِ فَكُلُّ عَيْبٍ

يُغَطِّيهِ كَمَا قِيلَ السَّخَاءُ

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.