يحكى أنه في قديم الزمن مرض سلطان البلاد ، وحينما أحس أنه نهايته قد قربت ، طلب حضور أحد وزرائه المخلصين ، والذي كان يثق به كثيرًا ، ويسميه بالوزير الأمين ، وحينما امتثل بين يدى السلطان .
قال له أيها الوزير الأمين ، أنت تعلم أن ابني الأمير مازال شابًا صغير ، لا يدري من أمور الدنيا سوى ظواهرها ، أريد منك أن تعلمه ، وتكون مرشده الأمين ، فلتكن رفيقه ومعلمه حتى يطمئن قلبي عليه ؛ فوعد الوزير السلطان أن يظل مخلصًا للأمير ، ويحميه حتى لو كلفه الأمر حياته ثمنًا .
وقد كان داخل القصر حجرات كثيرة لا يعلم عنها الأمير شيئًا ، فلما مات السلطان طلب من الوزير أن يريه كل تلك الحجرات ، فنفذ الوزير أمر الأمير باستثناء حجرة واحده لم يفتحها له انصياعًا لرغبة أبيه .
فقد كان في تلك الحجرة صورة بديعة الحسن والجمال للأميرة بنت ملك القصر الذهبي ، وقد كان السلطان يخشى على ولده أن رآها أن يقع في حبها وتأتيه من وراء ذلك المصائب والأهوال .
لم يستطع الأمير أن يخفي فضوله الشديد بشأن تلك الحجرة المغلقة ، فرفض كل تحذيرات الوزير ، وأصر على دخول الحجرة ، وبالفعل حينما دخل الأمير وقعت عينيه على صورة الأميرة الجميلة ، فسقط مغشيا عليه من فرط جمالها ، لقد أحبها حب كثيرًا وظن أنه هالك بدونها .
ولما استيقظ الأمير من غيبته سأل الوزير عن صاحبة هذه الصورة الجميلة ، وطلب منه أنه يعرف كل شيء عنها ؛ فأخبره الوزير أنها ابنة ملك القصر الذهبي ، كل ما يحيط بها من الذهب ، قصرها ذهب ، أوانيها ذهب ، وهي تعشق الذهب كثيرًا ، وتفعل أي شيء من أجله .
فطلب الأمير من الوزير السفر إلى أرض ملك القصر الذهبي ليتزوج بتلك الأميرة التي أحبها حبا شديدًا ، فكر الوزير قليلًا وقال حسنا يا مولاي ، ولكن قبل أن نذهب يجب أن نأخذ الذهب الموجود في خزائنك ونحوله لأشكال من طيور ونباتات وتحف ، حتى نهديه لأميرة القصر الذهبي .
فأرسل الأمير في طلب أمر الصناع ، وأخذوا يصنعون من الذهب أشكالًا بديعة ، وبعد ذلك سافر الأميرة متخفيًا في زي تاجر ومعه وزيره الرشيد وبعض من رجالاته ، وما إن وصل إلى شاطئ أرض الملك الذهبي حتى خطرت للوزير فكرة .
فطلب من الأمير البقاء لحين عودته ، وأخذ معه من التحف أجملها ، واقترب من القصر الذي تسكنه الأميرة فرأى جاريتها تملأ جرتين من الذهب بالماء من بئر في الحديقة ذات الأسوار الذهبية ، فلما رأته سألته عما يريد .
فأخبرها أنه تاجر معه من التحف والذهب ما لا عين رأت ، فأخذته لمقابلة الأميرة التي أعجبت كثيرًا بما معه من تحف ، وطلبت شرائها ؛ ولكنه أخبرها أنه هذا قدر يسير ، وهناك سفينة محملة بالتحف الذهبية ترسو على شاطئ البلاد ، فإن أرادت أخذها لتشاهدها ، وتختار منها ما تريد .
وبالفعل ذهبت الأميرة ومعها وصيفتها وصعدت على متن السفينة ، وما إن رأت التحف حتى فرحت كثيرًا ، وقد كان الأمير يخفي فرحته برؤيتها حتى لا ينكشف أمره في البداية ، وكان قد أمر رجاله أن يتحركوا بالسفينة بمجرد صعود الأميرة .
لم تلتفت الأميرة في البداية لحركة السفينة ، فقد استغرقت في رؤية التحف ما يقرب من ثلاث ساعات ، بعدها أدركت الأمر فأخذت تصرخ فيهم قائلة انها ابنة ملك القصر الذهبي ، ولن يرضيه ما حدث ؛ فطمأنها الأمير ، وقال لها أنه من نسل السلاطين وخلع عن نفسه ملابس التجار ، ولبِسَ لبسُ السلطنة .
وحكى لها قصة حبه لها ، فارتاح قلبها لما قال ، وهدأت قليلًا ، وفي تلك الأثناء كان الوزير يفكر في خطورة الأمر وعواقبه ، وهو جالس مسترخي على طرف السفينة ، فحام فوقه ثلاثة من الغربان ، وقد كان له بلغة الطير معرفة .
فاستطاع أن يسمع حوارهم حينما قال أحدهما للأخر هذا الأمير المسكين لابد أن سيموت عند وصوله للشاطئ ؛ لأنه سيرى حصانًا له جناحان ، إن ركب عليه أخذه الحصان وطار ، وألقاه في جوف البحر ؛ فرد عليه الغراب متسائلًا ألا يوجد حل لهذا الأمر ، فقال له الغراب في سرج الحصان خنجر ذهبي ؛ إن طعن به الحصان في ظهره مات ، ونفد السلطان.
فزع الوزير كثيرًا لما سمع ، ولكن أطرق لبقية الحوار ، فقد كان هناك من الأهوال الكثير والكثير ، فقد قال الغراب أيضًا انه بعد عودة الأمير إلى قصره سيجد حلة ثمينة ، ان لبسها احترق ، وقد كان الحل في ذلك أن يتم إحراق الحلة قبل أن يلبسها الأمير .
وقال الغربان أيضًا أنه إن عاش الامير فيقوم زواجه ستسقط الأميرة مغشيًا عليها وسيظن الجميع أنها ماتت ، وإن لم يتم سحب ثلاث نقاط من الدم من ذراعها اليمنى ؛ فستموت بعدها .
استمع الوزير جيدًا لحديث الغربان ، وحفظ كل ما به استعدادًا لإنقاذ الأمير والأميرة ، ولكن أكثر ما أحزنه من هذا الحديث أن من سينقذ الأمير سيتحول إلى تمثال من الحجر .
رست السفينة على شاطئ البلاد ، ونزل منها الأمراء ، وبالفعل صدق الغربان فقد كان هناك حصانًا بديعًا له جناحان يضرب بهما في الهواء ، فما إن رآه الأمير حتى قرر أن يركب عليه ، ولكن سبقه الوزير واخذ الخنجر وطعن به ظهر الحصان ؛ فمات في الحال .
كان بعض رجال الأمير يكرهون قرب الوزير وتفضيل الأمير له ، فأخذوا يتعجبون من وقاحة الوزير وقتله للحصان ، ولكن الأمير لم يستمع لهم فقد كان يثق في اخلاص الوزير .
مشي موكب الأمير حتى وصل إلى بهو القصر ، وهناك رأى الحلة الثمينة ، وحينما هم بلبسها ، خطفها الوزير من يده وألقاها في النار ؛ فتعجب الأمير من فعلة وزيره ولكن لم يوبخه لثقته الكبيرة به .
مرت الأيام وأرسل الأمير إلى ملك القصر الذهبي ليخبره بحبه للأميرة ، وأن يريد الزواج منها ، واعتذر على ما بدر منه ، وطلب المسامحة ، فوافق الملك على طلب الأمير واطمئن قلبه على ابنته ، وذهب من الهدايا الكثير لحضور عرس ابنته.
وأثناء العرس سقطت الأميرة مغشيًا عليها ، فهب الوزير وسحب الدم من ذراعها ، ففاقت بعدها ، ولكن هذه المرة لم يتحمل الأمير جرأة وزيره ، وأمر رجاله بالقبض عليه وحبسه ، وهنا برر الوزير كل ما حدث للأمير ، وحكى له حكاية الغربان الثلاث ، فسامحه الأمير ولكن بعد فوات الأوان ؛ فبعد أن أنهى الوزير حديثه سقط على الأرض ، وتحول إلى تمثال من حجر .
حزن الأمير كثيرًا على وزيره المخلص وأمر الحراس أن يحملوا التمثال إلى حجرته ، ليراه كلما راح وغدى ، ومرت الأيام وأنجبت الأميرة ثلاثة من الأمراء الصغار ، أحبهما والدهما حبًا جمًا ، ولكن ما كان يحزنه هو فقدان الوزير .
وذات يوم أخذ يتحدث مع تمثاله قائلا : يا ليتني استطيع مساعدتك على العودة للحياة مرة أخرى ، فرد عليه التمثال تستطيع ذلك ؛ فتعجب الأمير كثيرًا وسأله كيف هذا ؟
فأجابه تمثال الوزير بأن تترك زوجتك وأبنائك الأحباء ، ولا تراهم مرة أخرى ، فمن الممكن أن ترسلهم عند ملك القصر الذهبي ، وتنسى أمرهم ، هنا حزن الأمير كثيرًا ، ولكنه قال في نفسه لولا هذا الوزير لكنت في عداد الأموات من زمن طويل .
ونوى أن يفعل ما أخبره به الوزير ، وفجأة تحول التمثال إلى بشر ، وعاد الوزير إلى هيئته ، ففرح الأمير كثيرًا ولكنه تعجب مما حدث ؛ فقال له الوزير : إنما الأعمال بالنيات ، ولقد نويت أن ترسل أسرتك بعيدا من أجلي ، فكافأك الله على نيتك الطيبة ، وأعادني للحياة دون أن تفقد أسرتك ، وهكذا عاش الأمير والأميرة في غاية السعادة ، ومعهما عاش الوزير مرشدًا ومعلما للأمراء الصغار