يخرج من بيته حاملا أشكالا متنوعة من الأطعمة، يرتبها على شكل وجبات ليبدأ بتوزيعها على الصائمين من الفقراء والمحتاجين هو وزملاؤه، لا يعود الى البيت الا وهو مطمئن بأنه قام بتوزيع أكبر قدر ممكن من الوجبات، وأنهى مهمته على أكمل وجه.
الشاب المسيحي معتز سمور، ينتابه شعور من الراحة والفرح، وهو يقوم بتوزيع الوجبات بنفسه، والرغبة في عمل المزيد من أشكال الخير طيلة أيام الشهر الفضيل، وإيصاله الى أكبر عدد ممكن من المحتاجين.
آخر أعمال سمور كان توزيع 200 وجبة إفطار على الصائمين في منطقة صويلح عن روح شهداء ضحايا مكتب المخابرات الذين استشهدوا في اليوم الأول من رمضان.
الشاب سمور كان قام منذ خمس سنوات بتوزيع الماء والتمر على الصائمين عند الإشارات وقت أذان المغرب برفقة مجموعة من الأصدقاء، ومع مرور السنوات تطورت الفكرة، وأصبحت حملة موسعة أطلق عليها اسم “فيكم الخير”، والتي باتت تشمل وجبات إفطار كاملة يتم توزيعها.
ويبين سمور أنه ورفاقه قاموا العام الماضي بعمل إفطار لـ2000 طفل، وهذا العام ينوون عمل إفطار لـ4000 طفل، مشيرا الى أن دافعه للقيام بكل ذلك هو حبه لهذا الوطن، وشعوره بأن كل أفراد الشعب هم عائلته الكبيرة، لا يفرقهم دين أو ملة، لافتاً الا أنه منذ الصغر يحترم هذا الشهر ولا يقوم بتناول الطعام أو الشراب في الشارع أو أمام الصائمين، احتراما ومراعاة لهم.
ولا يرى سمور أن هذا الأمر غريب أو بعيد عن الأردنيين وأطباعهم بشكل عام، الذين توحدهم أمور أكبر بكثير من ذلك.
الشاب معتز سمور، هو ليس الوحيد، إنما واحد من شباب وعائلات مسيحية كثيرة، لا تتوانى عن فعل الخير على مدار العام، وتحديدا في شهر رمضان، من خلال التفرغ لتوزيع الوجبات على العائلات المحتاجة.
ولعل ذلك ليس غريباً في مجتمع توحده المحبة وتربطه الأخوة وتسمو قيمه فوق أي تمييز لدين أو عرق أو لون، وتعلو قيم الاحترام والتعاون والتكافل على أي شيء آخر.
وفي الأردن، يعد التكافل والتسامح بين الأديان سمة واضحة على عكس ما يلاحظ في بعض الدول من طائفية وتفرقة بين الأديان، ويتمثل ذلك في همة كل من المسيحي والمسلم في الوقوف ومساندة بعضهما في رمضان وغيره، كإخوة يجمعهم وطن واحد.
الأب رفعت بدر مدير المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام وبالتعاون مع جمعية الكاريتاس الخيرية، يقول إنهم ومن خلال مطبخ الرحمة يقومون بتقديم وجبات الإفطار المجانية اليومية للصائمين.
ويبين الأب رفعت أن المطبخ قد افتتح منذ أكثر من ستة شهور؛ حيث كان يقدم وجبات ساخنة يومية للفقراء. الا أنه ومع قدوم الشهر الفضيل واحتراماً لحرمته تحولت وجبات الغداء هذه الى وجبات إفطار؛ حيث يأتي المتطوعون يومياً من الطلاب والطالبات ويبدأون بالعمل والتجهيز حتى يحين موعد أذان المغرب ليقدموا الوجبات للصائمين، الى جانب توزيع الوجبات على المحتاجين والفقراء من مناطق مختلفة من المملكة، ليصل عدد الوجبات يومياً ما لا يقل عن 500 وجبة بين المطبخ والتوزيع.
ويشير الأب الى أن هذا العام هو عام الرحمة كما ذكر قداسة البابا، لذلك فإن شهر رمضان هو الأفضل والأنسب لتطبيق ذلك، فيه الرحمة والمغفرة، مبيناً أن الأردن له مبادرات عديدة في هذه المجالات وهو ليس بالأمر الغريب، وبهذه الطريقة تصنع الوحدة الوطنية، وتزيد اللحمة والتقارب بين المسلم والمسيحي، فيبقى كل واحد منهم يرى في الثاني أخا له.
ويذهب الى أن هذا العمل ممتد لكل العام وليس لشهر واحد، قائلاً “يشرفنا أن نسهم في إضاءة شمعة المحبة وإعطائها نفسا جديدا بيننا وبين إخواننا المسلمين”.
ولعل هذا الحب والتكافل الذي نراه بين أفراد المجتمع يتجسد عبر صور كثيرة نراها في المجتمع يومياً منها، ويتجدد مع قدوم الشهر الفضيل؛ حيث ينتشر في الشوارع وعلى الإشارات مجموعة من الشباب والشابات المسيحيين يقومون بتوزيع التمر والماء على الصائمين وأحياناً أخرى وجبات إفطار في مناطق مختلفة من المملكة.
وكان ملاحظا جداً لهذا العام انتشار مجموعة من الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، وقيام مجموعة من الشباب والفتيات المسيحيين بعرض خدماتهم على الصفحات لمن يحتاجها، وعمل صفحات مختصة في ذلك من أجل التجمع وقت المغرب والبدء بالتوزيع، مما لاقى إقبالا كبيرا من قبل الأفراد.
اختصاصيون اعتبروا أن هذه المشاعر والسمات بين أبناء الشعب الواحد هي سلوك إيجابي ورائع ينعكس على المجتمع كاملاً، ويعزز فيه قيم التآخي والحب والتكافل التي تعلو على أي قيم أخرى، وبأنه شعب واحد لا يفرقه شيء.
وفي ذلك، يذهب الاختصاصي الاجتماعي د. د.حسين الخزاعي، إلى أن هؤلاء الشباب ينقلون رسالة الدين المسيحي الصحيح للمجتمع، وبأن هذا الدين يدعو للمحبة والتكافل واحترام الديانات الأخرى، ومشاركتهم كل طقوسهم، احتراما لبعضهم بعضا.
ويضيف أنها رسالة للشباب المسلم بأن يتعاونوا ويبادلوهم المشاعر نفسها، لافتاً الى أن ذلك يدل على مدى حبهم وتقديرهم لأنفسهم ومدى عطائهم.
الى جانب أنهم بهذه الطريقة يصنعون نماذج إيجابية للمجتمع وقدوة للآخرين، لافتاً الى أن ذلك يؤدي الى تماسك المجتمع وإلغاء التعصب، والطائفية والتمييز الديني، ويحقق الاندماج بين الجميع.
في حين يرى اختصاصي الطب النفسي والتربوي د. موسى مطارنة، الى أن ذلك سلوك إيجابي وله انعكاسات كثيرة على المجتمع، ويدل على أننا شعب واحد يعيش في دائرة واحدة يحترم بعضهم بعضا، والدليل هو أنهم يقومون بذلك بدون أي إجبار أو واجب إنما هو من دافع شخصي.
ويشير مطارنة الى أنه تصرف ليس غريبا على الأردنيين، والجميع يعيش في دائرة واحدة، وبيئة متماسكة. وهذه حالة إيجابية للتفاعل الإنساني وترسيخ مفاهيم الشراكة والعدالة الدينية، ودليل التكافل والمودة والمحبة بين الناس.
ويذهب أستاذ الفقه والدراسات الإسلامية الدكتور منذر زيتون، الى أن هذا ليس غريباً على المسيحيين، الذين يجمعنا فيهم روابط متعددة، خصوصاً وأن الإسلام أمرنا باحترامهم والتعامل معهم بكل إحسان.
ويشير الى أن العقيدة لا إجبار عليها، ولا بد من شكر هؤلاء الأشخاص الذين يعرفون معنى الدين وقيمه من تعاون وتسامح، وهذا يدل على عروبتهم وأصالتهم، لافتاً الى أن الأصل هو قبول كل منا الآخر، خصوصاً وأن الدين المسيحي دين معروف بالتسامح.
في الأردن: مسيحيون يفطرون صائمين
رابط مختصر
المصدر : https://zajelnews.net/?p=15737