يراهن المخرج البريطاني “أبنر باستول” على إيجاد امرأة قادرة على قهر أصعب الظروف، في فيلم “Agood woman is hard to find” المنتج عام 2019.
وتتركز أحداث الفيلم حول الأم “سارة”، التي تجد نفسها أمام مرحلة جديدة في حياتها بعد مقتل زوجها “ستيفين”، فيكون هدف الأم الجديد هو النجاة بطفليها من الأخطار التي تواجه العائلة، خاصة وأن الأب قد قتل على خلفية تجارته بالمواد المخدرة.
وزاد من معاناتها أن الابن “بن” يعاني من صدمة نفسية منعته من التكلم بعدما شاهد والده يقتل أمامه، وتشاء الصدفة أن يدخل الرجل السارق للمخدرات “تيتو” إلى منزل العائلة، ويفرض على الأم تعاونها معه، بأن تجعل بيتها مكانًا لإخفاء البضاعة التي يوزعها هو، مقابل حصولها على بعض المال.
وتتورط الأم بقتل”تيتو”، للتخلص من خطره على العائلة، وتتجدد ملاحقة المجموعة التي قتلت الزوج لعائلة سارة، بعد معرفتهم بأن “تيتو” كان يتردد على نفس المنزل، صدفة.
وبنفس الطريقة تنجح الأم في التخلص من خطر المجموعة بقتلهم في مكان واحد، مضطرة، لحماية حياتها وأطفالها من الخطر.
وتقوم ببطولة الفيلم “سارة بولغر” وقد نالت نفس الاسم في الفيلم، و يعاونها “إدوارد هوج” و”أندرو سيمبسون” و”رودي دوهرتي”.
كسر الثابت
يركز “باستول” من خلال تسلسل الأحداث على كسر القناعة الاجتماعية السائدة، بعرضه لكيفية التحول الحاصل في تركيبة امرأة ضعيفة البنية والشخصية.
ويعرض باستول بأداوته الإخراجية كيفية تحولها من حالة الخيبة إلى الشراسة، في الدفاع عن أسرتها وذاتها، ويحاول أن ينقل للمتلقي كيف أن الظروف الواقعية التي تعايشها امرأة قد تدفعها لأن تكون شخصًا مفترسًا، يقتل، وينتهك حدود القانون والأخلاق، لأجل الدفاع عن وجوده.
تعاطف وخذلان
ولا يعد الفيلم من أفلام الرعب، لكنه يشتمل على مشهد شديد العنف، حين تقدم سارة على تقطيع جثة “تيتو” بشكل لا يحتمله إنسان طبيعي.
وقد مهّد المخرج لهذا المشهد بلحظات سابقة، صورت كيفية انتقاء سارة لأدوات تقطيع الجسد، وصولًا لمرحلة التدرب على ذلك، بينما أظهرت سارة إيماءات الحسرة والسقوط أثناء قيامها بتهيئة نفسها، فبعد لحظات ستصبح وحشًا، يفقد تعاطف الجميع.
زر قميص
وقد تمكنت الممثلة “بولغر” من تقمص دورها كامرأة حزينة على فقد زوجها، بإبداء ملامحها القلقة منذ بداية العرض، فظهرت عيونها متوقدة، أما لغة جسدها، بملامحها اللطيفة مثل “زر قميص”، فعبرت عن صراع مستمر داخلها، نظرًا لإحساسها بالخذلان من الأجهزة الأمنية، في متابعة قضية قتل زوجها، وكذلك تعرضها لضغوطات مستمرة من مركز المتابعة الاجتماعية لحياة الطفلين.
كما أبرزت “بولغر” الجانب الآخر من تجسيدها للشخصية، كأم مثالية تدعم طفليها، وتروي لهما القصص كل ليلة، وتساندهما في خوفهما من الظروف التي يتعرضان لها، وبالمقابل أبدت قدرة عالية في تقديم مشاهد العنف، وحركات مقنعة في التصويب بالرصاص، ولحظة تعاملها مع التقطيع، في صراعها مع المجرمين.
وتعتبر “بولغر” من أبرز الأدوات الأساسية التي أدت إلى تجاوز الفيلم إلى مرحلة القبول، والتشويق، بالإضافة إلى سيناريو “رونان بلانيه” المُتقن.
تمثيل صامت
إن وجود طفل صامت طيلة أحداث الفيلم أوجد مساحة من العمق، وساهم في جلب التعاطف مع الأم، وكذلك الأب المقتول.
وكان “بن” وعلى الرغم من صمته، مبديًا تأثرًا يدل على موهبة كبيرة، وعزز من إبراز قدرة السيناريو في مشهد إنقاذ الأم من مجموعة تجار المخدرات، بانطلاقه إلى الطريق العام لإجبار شاحنة مارة على التوقف.
وجه ملطخ بالدماء
وقد أثار ظهور “سارة” في أول مشاهد الفيلم ملطخةً بالدماء حالة من التشويق والرهبة، وأعطى انطباعًا أوليًا بأن هنالك فيلم رعب، سيكشف عنه السيناريو بعد قليل، لكن أحداث الفيلم جرت بشكل يقربه من قصة اجتماعية، شهدت تطورًا خطيرًا، ويقدم صلاح شخصية المرأة الذي لا يدوم إلى نهاية المطاف، في حين أن هناك أشياء سيئة يمكن تبريرها.
الفيلم يلغي عن المرأة تهمة الضعف، خاصة بعد تعرضها للحوادث القدرية السيئة في حياتها، وينقل رؤية إخراجية وسيناريستية تكشف عن قدرة هائلة للمرأة، تدفنها لوقت الحاجة، خاصة حين تتعرض لخطر النهاية.