قبل أيام، صدر عن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى أمر ملكي بتشكيل لجنة شرعية لمراجعة مشروع قانون الأسرة الموحد، ومن منطلق المسؤولية المجتمعية لجريدة «أخبار الخليج» استضافت الجريدة جلسة حوارية لمناقشة أهمية إصدار قانون الأسرة الموحد، الذي يوفر الحماية لجميع أفراد الأسرة البحرينية، وكذلك يسهم في تخفيف معاناة المتقاضين أمام المحاكم الشرعية، في ظل الضمانة الملكية التي حرص عليها جلالة الملك المفدى من خلال توفير لجنة شرعية لدراسة مشروع القانون، مع تأكيد جلالته مراعاة خصوصية المذاهب، بالإضافة إلى تأكيد الجريدة لمساعيها في نشر الوعي بأهمية هذا القانون.
شارك في الجلسة الحوارية عدد من النساء والرجال المهتمين بقضايا المرأة والأسرة البحرينية، بالإضافة إلى بعض المتضررات من غياب الشق الجعفري من القانون، مؤكدين أن تطبيق الشق الأول من قانون الأسرة في الجانب السني، أسهم في تراجع نسبة المشكلات الأسرية بين المستفيدين من تطبيقه.
في بداية اللقاء أكد الأستاذ أنور عبدالرحمن رئيس التحرير، أن «أخبار الخليج» ليست طرفا في النقاش، ولكن ما يهمنا هو أن نتيح الفرصة أمام المشاركين في الجلسة الحوارية للحديث، من أجل نقل رؤية واضحة إلى القراء، عن مبادرة حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى، في وضع قانون عام للجميع، حيث لا يمكن لأي بلد في العالم أن يكون القانون مخصص لفئة معينة دونما الفئة الأخرى، كما أنه لا يوجد بلد أو برلمان أو مؤسسة تشريعية أن تقبل بذلك، واصفا عدم وجود قانون موحد للأسرة بأنه حالة غير طبيعية.
وقال عبدالرحمن: إن ما يقوم به جلالة الملك المفدى، هو تصحيح للأوضاع في المجتمع، ونحن في هذه الجلسة نود أن نستمع إلى الآراء المهمة، وعلى رأسها الحالات المتضررة من غياب وجود تنظيم تشريعي، لأن الأشخاص الذي يمرون بهذه المحنة هم الأصدق والأقدر على شرح أهمية الحاجة إلى وجود هذا القانون.
معاناة 7 سنوات
وتحدثت السيدة «ف أ ز» عن معاناتها، قائلة: قضيتي بدأت قبل 77 سنوات، عندما ثارت خلافات أسرية بيني وبين زوجي، على أثرها قام هو برفع دعوى للطلاق من دون معرفة الأسباب، وحينها كان ولدي عمره عام واحد فقط، وبعد ذلك فوجئت بأنه أقام ضدي ما يقرب من 15 قضية جنائية ومدنية وشرعية، كالطلاق ورفع الحضانة وسرقة ومديونية.
وتضيف: بسبب كل هذا الكم من القضايا، أصبحت أذهب إلى مركز الشرطة بشكل شبه يومي، وأضطر إلى مغادرة عملي لمتابعة هذه البلاغات والقضايا، ما تسبب في مشكلات مع جهة عملي، وكذلك كان ولدي الصغير يعاني.
قمت بتوكيل محامي للدفاع عني ضد سيل القضايا هذه، وقمت برفع دعوى أطلب فيها النفقة من زوجي، وحينما قامت هذه الدعوى سارع هو بسحب قضية الطلاق، حتى أظل معلقة، ومنذ ذلك الحين قضية الطلاق أمام المحكمة الشرعية، وطوال هذه السنوات السبع أحاول الوصول إلى الطلاق من دون نتيجة.
وتستطرد السيدة «ف أ ز» قائلة: 77 سنوات لا ألتقي به سوى في المحاكم أو في مراكز الشرطة، ولا يوجد بيننا أي علاقة، ولا ينفق علي أو على ولدي، ولا يدري أي شيء عن الولد، وعندما أستفسر عن سبب رفض المحكمة لتطليقي منه يقولون إن الأسباب ليست كافية، والضرر ليس واضحا، لأنه في المقابل عندما يذهب إلى المحكمة يدعي أنه يريدني.
وقد حصلت على براءة من جميع القضايا الجنائية والمدنية التي أقامها ضدي، ومنها قضية ادعى فيها أنني قمت بسرقة بعض الأغراض، وكانت المحكمة تنظرها، وحينما ثبت أنه هو من أخذ هذه الأغراض، حاولت إقامة دعوى ضده، قالوا لي إنه زوجك ومن حقه أن يأخذ ما يريد من الأغراض.
وتابعت المرأة المتضررة: هناك قضية حضانة أيضا، لأن ولدي أتم سنواته السبع، ورغم أنه لا ينفق عليه سوى مبلغ رمزي، ولا يراه إلا مرة واحدة في الأسبوع، وفي بعض الأحيان مرة واحدة في الشهر، يحضر لرؤية ولده، وعلى الرغم من ذلك أقام دعوى بضم الولد له، وطبقا للمحكمة الجعفرية فإن الحضانة تؤول إلى الأب عقب إتمام الولد 7 سنوات، ولكني أحاول إثبات عدم أحقيته في ذلك، لأن الولد نفسه لا يريده.
وتوضح: إن زوجي لا يريد التفاهم معي خارج المحكمة، ورغم محاولاتي الاستعانة بالمجلس الأعلى للمرأة، ومكاتب الإرشاد الأسري ومركز حماية الطفل، وكل هذه الجهات حاولت الاتصال به وديا، لكن من دون فائدة.
وتواصل: ورغم تنازلي عن مؤخر الصداق، وعدم أحقيتي في النفقة بعدما أحضر شهودا لإثبات أنني ناشز، ورغم أنه رجل أعمال لا ينفق على ولده سوى 50 دينارا يدفعها من حين لآخر، فإنه مازال مصرا على عدم الطلاق، وأصبح ولدي يعاني من الخوف بسبب تهديد والده بأخذه مني، رغم أن الأب ظل 5 سنوات يحرم ولده من الأوراق الثبوتية سوى شهادة الميلاد، وكل مرة أقول له أن يستخرج له هذه الأوراق يرفض، ويطالبني بتسليم الولد له، وبعد 4 سنوات استخرجت جواز سفر للولد بالمحاكم، وأمكنني أخيرا أن أتوجه به إلى المستشفى.
وعن أسباب عدم مطالبتها بالخلع منه، أوضحت «ف أ ز»: عندما جلسنا سويا في مكتب المحامي من أجل أن أطالبه بأن يطلقني، قال لي «ادفعي لي كل ما أنفقته عليك ومقابل كل الهدايا التي أحضرتها لك أنا أو أهلي»، أي ما يقرب من نصف مليون دينار، فقلت له لماذا أدفع كل هذه المبالغ، على الرغم من أنك لم تكن تنفق علي حتى خلال فترة زواجنا الأولى، لأنني كنت أعمل وأنفق على نفسي، ولكنه فاجأني بملف قدمه إلى المحكمة يفيد بأنها أرصدة وفواتير يدعي أنه أنفقها هو وأهله علي، ويطلب من المحكمة أن أسددها له حتى يطلقني.
دعم وتأييد القانون
وأكد د. كاظم إبراهيم بن رجب أن هذا اللقاء مخصص لدعم وتأييد خطوات جلالة الملك المفدى لإقرار قانون موحد للأسرة البحرينية، لأن هذا القانون المنتظر يعتبره الشعب البحريني إنجازا كبيرا يلبي طموحات كل أفراد المجتمع البحريني، ويحقق أهداف نضالات المرأة البحرينية، وينصفها ويحمي أطفالها، ويحقق العدالة الاجتماعية ويعطي المجتمع البحريني نكهة إنسانية.
وقال: أوجه الشكر إلى «أخبار الخليج» وعلى رأسها الأستاذ أنور عبدالرحمن لتحقيق رغبتنا في الإعلان عن دعمنا وتأييدنا لهذا القانون، ولا بد أن أتقدم نيابة عن جميع الحضور بعظيم الشكر والتقدير لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى لاتخاذ جلالته الخطوات الجريئة والضرورية لإقرار هذا القانون الذي سيكون له تأثير إيجابي في العلاقات الاجتماعية ويعكس رقيا في التعاملات الإنسانية بين جميع أفراد المجتمع البحريني، ويضع البحرين في مستوى متقدم بين دول العالم المتحضر من حيث العدالة وحقوق الإنسان.
وتطرق د. كاظم بن رجب إلى أن تطبيق الشق الأول من قانون الأسرة في 20088 أسهم في إحداث فارق كبير على مستوى تخفيف معاناة عديد من الأسر المستفيدين من تطبيق هذا القانون مقارنة بالشق الآخر الذي غاب عنه القانون.
وبشأن حضانة الأطفال، أوضح د. كاظم بن رجب أنه طبقا للأحكام الجعفرية عند بلوغ البنت يتم تخييرها ما بين الأم أو الأب، أما الولد تبقى حضانته مع الأم حتى يبلغ 7 سنوات ثم تنتقل الحضانة إلى الأب حتى يبلغ الولد 15 سنة، وحينها يتم تخييره ما بين الأم والأب، لكن في الشرع السني والجعفري لا توجد قوة جبرية لتطبيق الحضانة.
فراغ تشريعي
من جانبه أوضح خالد محمد فخرو أن قضية السيدة «ف أ ز» التي أثيرت خلال الجلسة الحوارية، تثبت أن المحامين والقضاة لا يوجد لديهم قانون واضح يعتمدون عليه، وغياب القانون يجعلهم معلقين بين الشرع وتفسيرات الشرع والقوانين العامة والخاصة للأحوال الشخصية، لافتا إلى أنه بعد تطبيق الشق الأول من قانون أحكام الأسرة البحرينية، فقد أصبح المحامون على بينة ودراية بالمواد القانونية التي يتم الاستناد عليها لإظهار الضرر، وذلك بعكس ما يحدث في المحاكم الجعفرية، حيث قد يدفع الزوج بعدم قبول فتوى شيخ ما، ويطلب الاستناد إلى فتوى أخرى، وهذا ما يؤكد وجود فراغ تشريعي، لا القضاة ولا المحامون ولا المتضررون، يعرفون ما هو المخرج.
الفتاوى المختلفة
ويعقب د. كاظم بن رجب مؤكدا: إن القانون الموحد عند صدوره سيعالج قضية مهمة، حققها تطبيق الشق الأول من قانون أحكام الأسرة، وهي أن القاضي فرد يحكم بما أمامه من قانون، أما ما يجري حاليا في المحاكم الجعفرية، فإن الزوج الذي يريد أن يؤذي زوجته ولا يرغب في تطليقها، يقوم بالاستناد إلى فتوى ما للسيد السيستاني تجيز له عدم التطليق، ويأخذ بها القاضي، ومن المفارقات أن نفس الزوج ونفس الزوجة، يقوم الزوج بالاستناد إلى فتوى ما من آية الله الخامنئي تجيز له عدم سداد النفقة للزوجة إلا بقدر محدد، ويأخذ القاضي بهذه الفتوى، وهناك بعض القضايا التي يتم فيها تقديم شهادات طبية تثبت اعتداء الزوج على الزوجة وإيذاءه لها، إلا أن القاضي يقول إنه يجب على المرأة أن تتحمل، وأن تصبر.
ويردف بن رجب قائلا: إننا من خلال طرح هذه الحالات والقضايا أمام الرأي العام نؤكد أهمية إصدار القانون الموحد.
ويعلق الأستاذ أنور عبدالرحمن قائلا: إن معظم الناس لا يعرفون أن هناك أشخاصا يستخدمون الفتاوى المختلفة بين آيات الله في نفس القضية.
ويؤكد خالد محمد فخرو أن هذا يحدث في ظل غياب القانون الموحد، وهذه الإشكالية ستحل في حال وجود القانون، ونحن نؤمن بأن القانون لن يحل كل المشكلات أو الثغرات، ولكن القانون سيحل الكثير من القضايا.
سد الثغرات
واتفقت فريدة المسقطي مع ما قاله خالد فخرو مؤكدة: إن القانون ليس عصا سحرية لحل كل المشكلات في آن واحد، ولكن بالتطبيق المتدرج سيتم سد كل الثغرات، ولنا في تجربة الشق الأول من أحكام الأسرة خير مثال، حيث شهد خلال سنواته الأولى بعض المشكلات ولكن صارت هناك خبرة تراكمية لدى المحاكم.
واستطرد خالد فخرو قائلا: إن هذه الخبرة التراكمية بمثابة تدريب للقضاة في التعامل مع هذه النوعية من القضايا، وأصبح لدى القاضي إلمام بالقضايا المنظورة من قبل والأحكام الصادرة فيها، والتي يمكن الاستناد إليها أثناء نظر أي قضية مشابهة.
ويتداخل الأستاذ أنور عبدالرحمن قائلا: ما يدور الآن في المحاكم الشرعية يؤكد أن هناك عدم إنصاف للمرأة في ظل غياب القانون، وهذا ما دفع جلالة الملك المفدى إلى إصدار الأمر الملكي بشأن القانون الموحد وتشكيل لجنة شرعية لدراسة مشروع القانون، لأن جلالته لا يتدخل مطلقا في المذاهب، ولكن جلالته رأى ظلما اجتماعيا على المرأة، ولا يمكنه كملك للبلاد مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى ثم أمام شعبه أن يقبل بأن يستمر هذا الأمر.
ويضيف: لذا يجب إفضاح هذه الألاعيب التي تجري في المحاكم الشرعية.
ولفت خالد محمد فخرو إلى أن مشروع قانون الأسرة الموحد يراعي خصوصية المذاهب.
وتشير فريدة المسقطي إلى أن القانون الموحد عندما يصدر لا بد أن يجمع الأمور المشتركة بين المذهبين السني والجعفري، أما الأمور المختلف عليها فيمكن إفراد مادة لكل شق فيها، لأن الأحكام المشتركة بين الجانبين كثيرة جدا وأكثر بكثير من النقاط الخلافية.
وتنتقل شيخة عبدالله صاحبة ومديرة إحدى المدارس إلى نقطة أخرى في غاية الأهمية وهو تأثير الخلافات الزوجية على الأطفال، وتقول: إننا رصدنا عديدا من حالات الأطفال المتضررين من استمرار الخلافات الأسرية بين الأب والأم، وكذلك غياب القانون، وترك الأمور إلى أهواء القضاة وتفسيراتهم، حيث وجدنا حالات كثيرة يحرم فيها الأطفال من أمهاتهم، ويعيشون مع زوجات آبائهم رغما عنهم، ومنها حالة لطفلة عمرها 6 سنوات، يوميا والدها كان يضربها ويحبسها في غرفة لوحدها، بإيعاز من زوجة الأب، وقد قمنا بتوصيل الأمر إلى وزارة التربية والتعليم والنيابة العامة، ولكن في الأخير، قام الأب بنقل الطفلة من المدرسة وحرمها من التعليم، لذا يجب أن يكون القانون حاميا للطفل أيضا.
ويعلق د. كاظم بن رجب مؤكدا أن قانون الأسرة الموحد لن يخدم المرأة فحسب، ولكن يحمي الطفل والرجل نفسه، حيث إن وجود قانون يطبق على الجميع يوفر الحماية لكل الأطراف بعيدا عن الأهواء.
ثلاثة محاور
وفي مداخلته في الجلسة الحوارية قال د. حسن علي الأسود: من وجهة نظري هناك 33 محاور تختص بهذه القضية، أولها الوضع الداخلي وما فرض توقيف القانون في شقه الجعفري، والتي أرى أن السبب فيها هي رغبة الزعامة لرجل دين، ولدينا من الأدلة ما يثبت أن رفضه للقانون كان وراءه دوافع سياسية صرفة، ولا علاقة له بالبحث الفقهي الديني، أي أنه سعى لأن يبقى النسق الاجتماعي في نمط معين من التفكير لدواع سياسية، ونحن نرى الرجل عميلا مطلقا لإيران، وهو وآل الحكيم أذرع لولاية الفقيه، وهم ينتظرون منهم الإشارة إلى الموافقة أو الرفض تجاه أي قضية بدلالة ما حدث مع ما يسمى بالربيع العربي.
أما المحور الثاني فيرتبط بأسباب رفض المعترضين للقانون، حيث يقولون إنهم يريدون ضمانة أن القانون المكتوب لن يخرج عن نطاق المذهبين السني أو الشيعي، وألا يغير فيه بأي لحظة، وجاء جلالة الملك المفدى طبقا لمواد قانون الأسرة في شقه الأول وفي المادة الثانية منه والتي نصت على أنه «لا يتم تعديل هذا القانون إلا بعد أخذ رأي لجنة من ذوي الاختصاص الشرعي من القضاة الشرعيين يصدر بتشكيلها أمر ملكي».
ويوضح حسن الأسود قائلا: إن بعد سنوات إذا ما حدثت تغيرات اجتماعية، وإذا رأى القضاة أن هناك حاجة إلى اجتهادات أكثر من المشرع لإنزالها بالقانون، حينها لن يكون باستطاعة أي أكاديمي القيام بذلك، ولكن من يقوم بالتعديل هم أهل الاختصاص الشرعي باختلاف مذاهبهم.
ونحن في 20177 لا يصلح أن يكون هناك قضاء من دون آلية مكتوبة، وطبقا لنص هذه المادة، فإن المختصين الشرعيين عليهم أن يخرجوا نصوص القوانين التي تتفق مع الشرع، لأن القانون يتعلق بمبادئ دينية وضعت في قالب قانوني، حتى لا يتم التبعيض فيها من قبل هذا القاضي أو ذاك.
وهذا النص -المادة الثانية من قانون الأسرة- تذر الرماد في أعين المعترضين، إذ تؤكد أنه لا يمكن لأحد أن يغير في مواد القانون إلا أهل الاختصاص الشرعي من رجال الدين.
ويتابع الأسود: إن المتشرعة تركوا التشريع والدين وذهبوا إلى العمل بالسياسة، وأؤكد أن من يعترض لا يوجد له مبرر إلا الدفع السياسي عليه، ويريد التعطيل فحسب.
أما المحور الثالث، فيقوم على وجود توجه فكري في العالم العربي حاليا، يحاول التصوير بوجود دفع عالمي غربي يفرض على النظم العربية تغيير معايير النسق الاجتماعية ابتداء من المحاكم الشرعية، ولكن عندما تقرأ هذه النصوص لا تجدها خارجة عن الاجتهاد الشرعي.
ويوضح د. حسن الأسود أن جلالة الملك المفدى يعرف أن كثيرا من بنات الطائفة الشيعية يئنون، وجلالته لم يطلب شيئا سوى وضع المبادئ الدينية في قالب قانوني واضح، حتى لا يخرج أي قاض بآراء مجتهدة تتغير في اليوم الثاني مع قضية مماثلة، وحتى يمكن أن يقف المحامي على أرضية قانونية معينة.
من جانبها تقول فريدة المسقطي: إن الحملة التي قام بها المجلس الأعلى للمرأة لإقرار قانون الأسرة الموحد، والتي صاحبت إقرار الشق الأول منه، واجهت حملة مضادة قادها رجال الدين لمناهضة هذا التوجه، وحينها قامت الصحافة بتغطية الحملتين المؤيدة والمعارضة له، وحينما كنا نسأل الشباب الرافضين للقانون عن أسباب رفضهم، لا نحصل على إجابة، ولا حتى أنهم اطلعوا على القانون أو يعرفون الضمانات التي يطالب بها رجال الدين.
جهل الشارع
وتقول المسقطي: هم استغلوا جهل الشارع بالقانون، وعلينا اليوم أن نعي هذا الأمر، وأن نوضح لهم الضرر الواقع بسبب غياب القانون، وإظهار الحالات المتضررة من ذلك، وتوضيح الحقائق للمجتمع ما بين مزايا وعيوب إقرار القانون ومزايا وعيوب عدم إقراره، لأننا يجب أن نعرف أن هناك آلاف القضايا المنظورة أمام المحاكم الشرعية والتي تستمر لسنوات طويلة بسبب غياب القانون.
وتضيف المسقطي: لا بد أن يصاحب إصدار القانون، حملة قوية للتوعية بأهمية القانون، ومواجهة الأصوات التي تخرج إلى الشارع مناهضة للقانون وهي لا تدري عنه شيئا.
وطالب الأستاذ أنور عبدالرحمن باستمرارية الحملات التوعوية بأهمية هذا القانون، داعيا المشاركين في الجلسة الحوارية إلى كتابة مقالات تعبر عن آرائهم في توضيح مزايا القانون الموحد، وعرض الحقائق للرأي العام.
منعطف تاريخي
وقال خالد محمد فخرو إن قانون الأسرة في شقه الأول يعتبر منعطفا تاريخيا لمملكة البحرين، وأوجد تجربة ناجحة تماما في المملكة يجب أن نبني عليها، وعلى الصحافة والإعلام أن يبنوا على النتائج الإيجابية التي نتجت عن تطبيق هذا القانون خلال السنوات الماضية، ما هي انعكاساته، وأنقل هنا ما ذكره الشيخ محسن العصفور الذي أكد أن قانون الأسرة في الشق الأول عكس توافق جميع أبناء وعلماء الطائفة السنية، وأثر في القضاء واختزل إجراءات التقاضي، وأسهم في خلق وعي شرعي.
وأضاف فخرو أننا نعكس الآن تجربة موجودة، وإظهار حجم الاستفادة التي تحققت من تطبيق الشق السني، وخاصة أن المشتركات كثيرة، والنقاط المختلف فيها قليلة جدا، ومن الخطأ أن نقول الشق السني والشق الجعفري، ويجب أن يكون القانون موحدا، مشيرًا إلى أن رجل الدين لديه حظوة قوية في الوضع الراهن، وعندما نضع القانون يسحب جزءا من هذه الحظوة والمكانة سيكون هناك مقاومة، وعلينا أن نبدأ بدعوة كل الأطراف المعنية من كل أبناء البحرين، وليس من الطائفة الشيعية فحسب.
وأشار إلى أن الهدف من قانون الأحوال الشخصية هو خلق عدالة ومساواة بين جميع أبناء المجتمع مع مراعاة الخصوصيات، وهذا يوفره القانون، وليس مزاج الشخص الذي يحكم قضية ما.
وعلقت السيدة «ف أ ز» قائلة إن المحامين أصبحوا يصابون بالملل من طول أمد التقاضي أمام المحاكم الشرعية، بل إن بعضهم لم يعد حريصا على مواصلة القضايا، ومن تجربتي فقد قمت بتغيير 4 محامين خلال السنوات السبع الماضية.
وتضيف: أن ما شاهدته بعيني من ثمار تطبيق قانون الأسرة في الشق السني، أن أكثر من 900% من الذين يترددون على المراكز الاجتماعية لتنفيذ الرؤية، هم من الطائفة الشيعية، وقليل من الطائفة السنية الذين يأتون لفترات قليلة لا تتجاوز بضعة أشهر، وذلك لعدم وجود التوترات بين الجانبين التي تشهدها المحاكم الشرعية، أما في المقابل فإن ما أشاهده من خلافات تصل إلى تبادل الضرب والسباب تكون من الطائفة الشيعية.
ويستأنف خالد محمد فخرو حديثه قائلا: إن التوجه الذي يجب أن نتبناه هو أن قانون الأسرة الموحد هو استحقاق وطني يجب أن يسانده الجميع، لأنه يخدم جميع شرائح المجتمع، ويجب الدفع بهذا الاتجاه ليرى هذا القانون النور، ويجب أن يتم نشر إحصائيات تظهر مدى استمرار القضايا الشرعية أمام المحاكم وعددها.
ويعلق د. كاظم بن رجب قائلا إنه من المهم دعم هذا القانون، والاستعجال بتطبيقه، لأن كل يوم هناك أناس يتضررون من غياب القانون.
واختتم الأستاذ أنور عبدالرحمن الجلسة الحوارية، موجها الشكر إلى جميع المشاركين، مشيدا بمستوى الصراحة في طرح هذه القضية الحيوية التي تشغل قطاعا كبيرا من الرأي العام، مشيرًا إلى أننا نريد أن يطبق القانون مع قبول الناس به، داعيا الخبراء والمختصين والمعنيين إلى شرح أهمية هذا القانون للرأي العام في مواجهة الأصوات التي تحاول عرقلة مشروع القانون، مضيفا: إننا نحمد الله أن بناتنا لديهن قدر كبير من الحكمة والصفاء الذهني لأن هذا الوضع لو كان في اليابان أو أمريكا لشاهدنا مئات الحالات من الانتحار، لأنه وضع يقنن اليأس، وإقرار قانون الأسرة الموحد هو انطلاقة إلى المستقبل.